نفاد الوقود يعمق أزمة لبنان

الكمية الموجودة في الأسواق تكفي ليومين فقط والشركات لن تتمكن من استيراد كميات جديدة بسبب رفض المصارف فتح اعتمادات بالدولار فيما يحذر ساسة لبنانيون من اضطرابات اجتماعية.

بيروت - كشفت الشركات الموزعة للمحروقات في لبنان، السبت، عن نفاد الوقود في 60 بالمئة من المحطات بالبلاد ما يزيد من تازيم وضع لبنان مع تواصل الاحتجاجات المطالبة بالتغيير.
وقال ممثل الشركات، فادي أبو شقرا"إن 40 في المئة فقط من محطات الوقود تستمر بالبيع" مؤكدا "إقفال بعض المحطات مساء الجمعة، في عدد من مناطق البلاد".
وشدد أبو شقرا على أن الكمية الموجودة في الأسواق تكفي ليومين فقط، خصوصا أن لبنان أمام عطلة نهاية الأسبوع.
واعتبر أن المشكلة الأساسية تكمن في أن "الشركات لن تتمكن من استيراد كميات جديدة، بسبب رفض المصارف فتح اعتمادات بالدولار، وفق الآلية التي اتُفق عليها مع مصرف لبنان المركزي".
والجمعة، دعا الرئيس ميشال عون، إلى اجتماع مصرفي السبت في قصر بعبدا الرئاسي شرقي بيروت، لمعالجة الوضع المالي في البلاد.
وبحسب وسائل إعلام محلية، يضم الاجتماع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ورئيس جمعية المصارف سليم صفير، وأعضاء مجلس إدارة الجمعية.
وبعد أكثر من عشرين يوما من الاحتجاجات، يبدو أن الأزمة تراوح مكانها مع بقاء كل طرف في المعادلة متمسكا بموقفه، وسط مخاوف من تدهور الأوضاع أكثر، في بلد يعاني أسوأ أزمة اقتصادية منذ الحرب الأهلية بين 1975 و1990.
وبينما قدم سعد الحريري استقالة حكومته، في 29 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تتمسك بقية مكونات الطبقة الحاكمة بمواقعها، في ظل وعود من الرئيس عون، ببناء دولة مدنية، وإصلاح الاقتصاد، ومحاربة الفساد عبر تحقيقات "لن تستثني أحدا من المسؤولين".
لكن المحتجين يصرون على رحيل بقية الطبقة الحاكمة، ويضغطون عبر قطع طرقات حيوية، ومحاصرة مؤسسات حكومية، لتنفيذ بقية مطالبهم، ومنها أيضا تسريع عملية تشكيل حكومة تكنوقراط مصغرة، وإجراء انتخابات مبكرة، ومحاسبة جميع الفاسدين في السلطة، ورفع السرية عن حسابات السياسيين المصرفية.
ويرجح عدد من السياسيين اللبنانيين ان تستمر الازمة في لبنان بسبب المصاعب الاقتصادية التي بدات تتفاقم في ظل اصرار السلطة على رفض مطالب المحتجين وعدم الانصات لمشاكلهم.

المحتجون في لبنان
وضعية اقتصادية صعبة تفرض على اللبنانيين مواصلة احتجاجاتهم

وفي هذا الاطار قال الزعيم اللبناني المسيحي سمير جعجع الجمعة إن زعماء البلاد يبدون "على كوكب آخر" دون مؤشر على تشكيل حكومة جديدة برغم معاناة البلاد من أزمة اقتصادية، وحذر من اندلاع اضطرابات اجتماعية إذا حدث نقص في السلع الأساسية.
وقال جعجع، زعيم حزب القوات اللبنانية، إن السبيل الوحيد للخروج من الأزمة هو تشكيل حكومة مستقلة عن الأحزاب، كما يطالب المحتجون الذين يتظاهرون ضد النخبة الحاكمة.
وأشار جعجع إلى عدم ظهور نتيجة لمحادثات تشكيل حكومة جديدة، وقال إن السياسيين يتصرفون كما لو أن شيئا لم يتغير منذ أن عمت الاحتجاجات لبنان في 17 أكتوبر تشرين الأول.
وقال جعجح "نسمع كل ساعة بأزمة على الأبواب، إن كان محروقات أو طحين (دقيق) أو أدوية". وأضاف "يعني كله ينهار والمسؤولون على كوكب آخر يأخذون كل وقتهم".
ويعاني لبنان بالفعل من أسوأ أزمة اقتصادية منذ الحرب الأهلية التي دارت رحاها في الفترة من 1975 حتى 1990.
والاقتصاد مثقل بواحد من أعلى معدلات الدين في العالم. كما أن معدل النمو المنخفض بالفعل منذ سنوات يقترب حاليا من الصفر. والتدفقات الرأسمالية، التي يحتاجها البلد بشدة لتمويل عجز الميزانية والعجز التجاري، في تباطؤ منذ سنوات وهو ما يصعب تدبير العملة الأجنبية.
وأعادت البنوك فتح أبوابها قبل نحو أسبوع، بعد إغلاق استمر قرابة أسبوعين، لكنها فرضت قيودا مشددة على التحويلات المالية خارج البلاد وعلى السحب من الحسابات الدولارية. كما تم تجميد خطوط الائتمان للمستوردين.
"وضع دقيق جدا"

اللبنانيون سئموا من النظام الطائفي وتبعاته على اوضاعهم الاقتصادية
اللبنانيون سئموا من النظام الطائفي وتبعاته على اوضاعهم الاقتصادية

وحزب القوات اللبنانية أحد الأحزاب المسيحية الرئيسية في الساحة السياسية اللبنانية المقسمة على أساس طائفي كما أنه خصم لجماعة حزب الله الشيعية المدعومة من إيران. ويملك الحزب 15 مقعدا في البرلمان واستقال وزراؤه من الحكومة في 20 أكتوبر تشرين الأول.
وقال جعجع، الذي كان يقود أحد أكبر الفصائل المسلحة في الحرب الأهلية، إن الوضع المالي للبلاد أصبح "دقيقا جدا جدا".
وأضاف "أنا قلق من ألا يتأمن الاعتمادات اللازمة لشراء النفط (الوقود)، ألا تتأمن الالتزامات المطلوبة لشراء أي شيء من الخارج" مضيفا "هذا سيؤدي إلى تملل اجتماعي كبير. تصور غدا الناس لم تعد تجد محروقات أو تجد محروقات ولكن بأسعار مرتفعة، أو لا تجد طحينا أو تجد طحينا ولكن بأسعار مرتفعة أيضا".

أنا قلق من ألا تتأمن الاعتمادات اللازمة لشراء النفط، ألا تتأمن الالتزامات المطلوبة لشراء أي شيء من الخارج

وقال جعجع "ستؤدي إلى ماذا تحديدا؟ لا أعرف. ولكن في هذه الحالات ليس بإمكان أحد التكهن كيف ستذهب الأمور. نحن في وضع دقيق جدا جدا".
واتهم جعجع حزب الله بمحاولة تشكيل حكومة شبيهة بالحكومة المستقيلة، بالإصرار على أن تشمل حليفه المسيحي جبران باسيل، صهر الرئيس ميشال عون ووزير الخارجية.
ويجمع اللبنانيون ان حزب الله والأطراف المتحالفة معه كانت سببا رئيسيا في الازمة التي تمر بها لبنان نظرا لعلاقاته مع إيران وتوريط البلاد في صراعات في المنطقة هي في غنى عنها.
ويبدو ان جعجع يردد نبض الشارع اللبناني الرافض لحكومة طائفية على طريقة الحكومات السابقة لانها ستعيد السيناريوهات التي اوصلت البلاد الى ازمة اقتصادية واجتماعية خانقة.
وذكر جعجع أنه إذا تمكن الحريري من تشكيل حكومة مستقلة فإن حزب القوات اللبنانية سيدعمه رئيسا لها، مضيفا أن تشكيل حكومة محايدة مؤلفة من متخصصين هو السبيل الوحيد للخروج من الأزمة.
غير أنه أشار إلى عدم حدوث تقدم حتى الآن. وقال "الأهم من هيك يتبين لي بأن المعنيين بالأمر يتصرفون وكأنه لم يحدث بعد شيء في لبنان".

وامام حالة الغليان في لبنان حث رجال الدين الحكومة للاستجابة للمطالب الشعبية بالتغيير حيث دعا مفتي لبنان الشيخ عبداللطيف دريان مسؤولي البلاد السبت إلى الاستجابة لمطالب المحتجين بالقضاء على الفساد والطائفية.

وقال المفتي في خطاب بثه التلفزيون بمناسبة ذكرى المولد النبوي "آن الأوان، والفرصة مواتية، بعد هذه اليقظة الوطنية، أن تبدأ عملية الإصلاح، وأن يتوجه أولو الأمر، إلى تشكيل حكومة إنقاذ دون تلكؤ ولا تأخير، إلى تشكيل حكومة من أصحاب الكفاءة والاختصاص".