نفوذ بين رفضين

نقطتان مهمتان تجمعان بين إنتفاضتي عام 2009 واواخر عام 2017، وهما، رفض نظام ولاية الفقيه ورفض التدخلات في بلدان المنطقة، وبطبيعة الحال، هناك أيضا رفض إقليمي ودولي متزايد وملفت للنظر للتدخلات الايرانية في المنطقة ومطالبة ملحة بإنهائها وبقدر ما خلفت وتخلف هذه التدخلات من آثار وتداعيات سلبية مختلفة على الشعب الايراني، فإن لها آثارا بالغة السوء على بلدان المنطقة ولاسيما من حيث إثارة النعرات الطائفية من جهة والتأثيرات السلبية على البناء الديموغرافي لشعوب البلدان التي يتواجد في النفوذ الايراني.

اليوم، وبعد أن فرضت طهران نفوذها على أربعة بلدان بالمنطقة وتسعى جاهدة للتأثير على بلدان أخرى، فإن هذا النفوذ يواجه رفضين متصاعدين أولهما من داخل إيران وثانيهما من المنطقة وعلى الصعيد الدولي، وإن إعلان القمة الروسية التركية الايرانية في أنقرة عن إنتهاء الحرب في سوريا، وما أفضت إليه من مكاسب سياسية وإقتصادية وعسكرية إيجابية لروسيا، فإن كافة التقديرات تشير الى إن إيران قد خرجت من "المولد السوري بلا حمص"، بعد أن صرفت أموالا طائلة كان الشعب الايراني بأمس الحاجة إليها، الى جانب خسائر الارواح، وهو ما سيسبب إحراجا للنظام أمام الشعب، على الرغم من تصريحات لمسؤولين إيرانيين يؤكدون فيها من إنهم سيقومون بإعادة كل دولار صرفوه في سوريا، ولكن روسيا التي "أخذت الجمل السوري بما حمل"، لم تبق لإيران شيئا!

في العراق، والذي يجاهد نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية بمختلف الطرق والاساليب من أجل إبقاء نفوذه وترسيخه أكثر، فإن هذا النفوذ يواجه رفضا داخليا عراقيا متزايدا بات يشمل قطاعات شيعية أيضا، وإن الانتخابات القادمة في أيار، والتي وبحسب بعض الاوساط السياسية تسعى طهران الى هندستها من أجل إيصال صقورها في العراق الى المناصب الحساسة ولاسيما هادي العامري الذي وبحسب ما يدور داخل البيت الشيعي العراقي، فإن طهران قد حسمت أمر ترشيحه لمنصب رئيس الوزراء. غير إن الذي يجب أخذه بنظر الاعتبار، هو إن هناك نوع من التحوط والحذر إقليميا ودوليا من المساعي الايرانية المشبوهة وعلى الارجح قد لا تنجح إيران فيما ترمي إليه، ولاسيما وإن الضغوط الدولية لا تؤكد على تجريده من الصواريخ الباليستية فقط وانما إنهاء تدخلاته في المنطقة أيضا، وإن خروج طهران بنتائج مخيبة من الانتخابات العراقية القادمة، من شأنه أن يعقد ويصعب من موقفها أمام الشعب الايراني أكثر علما بأن النفوذ الايراني في اليمن يواجه هو الآخر وضعا غير مريحا بالمرة خصوصا بعد أن قام الحوثيون بإغتيال الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وصاروا لوحدهم في الساحة اليمنية، وعلى الاغلب فإن النفوذ الايراني في اليمن يسير بخطى متعثرة وقد يسدل عليه الستار ذات يوم قريب.

النفوذ الايراني في المنطقة بين الرفضين اللذين أشرنا لهما آنفا، لا بد من القول بأن أكثر خوف النظام الايراني هو من الرفض والمسائلة الداخلية ذلك إنه وكنتيجة لهذا النفوذ صارت أغلبية الشعب الايراني تعيش تحت خط الفقر وبات قرابة 15 مليون إيراني يواجهون المجاعة لأنهم لا يجدون ما يسدون بهم أودهم، وإن كل الدلائل والمؤشرات تؤكد بأن هناك زلزالا شعبيا آخر ينتظر النظام على خلفية هذا النفوذ.