نفوذ تركيا يتزايد بالمغرب العربي مدفوعا بأطماع اردوغان

تركيا باتت الملاذ الأول لجماعة الإخوان المسلمين بما يتوافق مع سياسة الرئيس التركي كمستثمر في الصراعات الداخلية بعدة بلدان عربية لتحقيق طموحاته التوسعية ومحاولة إحياء الامبراطورية العثمانية.
اردوغان يستغل المشاعر الدينية ليظهر كمدافع عن الإسلام والمسلمين لترميم شعبيته المتهاوية

تونس - منذ الربيع العربي في 2011 يزداد تأثير تركيا في منطقة المغرب العربي، وأصبحت تركيا "النموذج" الناجح لجماعة الإخوان المسلمين وملاذها الأول، مدفوعة بسياسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لإحياء الامبراطورية العثمانية، كما يوضح المؤرخ بيير فرمرين المتخصص في شؤون المغرب العربي المعاصر في جامعة باريس-1.

وفي إجابة على سؤال؛ ماهو وزن ورهان النفوذ التركي في المغرب العربي؟، قال فرمرين إنه "يتزايد" بسرعة منذ بضع سنوات وإن لم تكن الاتصالات معلنة دائما.

ففي ليبيا يمتد النفوذ التركي على عدة مستويات؛ اقتصادي وسياسي وعسكري وتجاري وقريبا نفطي، فالوصاية على الحكومة والمجموعات المسلحة والسياسية لجماعة الإخوان المسلمين في طرابلس قوية منذ أن أنقذتها تركيا عسكريا بعد توقيع اردوغان اتفاقية أمنية وعسكرية أواخر العام الماضي مع حكومة الوفاق.

وفي تونس يرى فرمرين أن النفوذ سياسي ودبلوماسي وتجاري وثقافي وديني، وهو تدخل يثير استياء الكثير من التونسيين.

أما في الجزائر فالأمر تجاري وثقافي، نلاحظ أن اردوغان يتحدث عن جرائم جسيمة لفرنسا من خلال تضخيمها إلى أقصى حد، لذا فهو يلعب على وتر العداء لفرنسا.

وفي المغرب هناك نموذج تركي تم نسيانه قليلاً اليوم، باستثناء ما يتعلق بالتحالف بين التيار الديني المحافظ ورجال الأعمال، وهو أيضًا حلم الحكم التكنوقراطي الاستبدادي والفعال.

وبالنسبة لأردوغان الاحتفاظ بالنفوذ في إفريقيا وتأجيج الخلافات بين المغرب العربي وأوروبا، وفرنسا خصوصا، رهان كبير.

وهذا أحد أسباب اهانة أردوغان للرئيس الفرنسي. فهو يريد عبر استثمار المشاعر الدينية لدى المسلمين أن يظهر كمدافع عنهم وعن الإسلام، وأن يجذب نحوه تعاطف المغرب العربي.

ويتساءل كثيرون، منذ متى وكيف يتجلى هذا النفوذ، لا سيما "القوة الناعمة"؟ هل تمتلك أنقرة الوسائل لترسيخ مكانتها كشريك رئيسي لدول المغرب العربي على حساب الفاعلين التقليديين مثل فرنسا؟

يجيب فرمرين؛ من الواضح أن هذا مرتبط بالسياسة الإمبريالية لاردوغان المبنية على إحياء العهد العثماني والقومية الإسلامية. وبدأ الأمر فعليا في 2011 في زمن "الربيع العربي"، عندما اتضح أن تركيا أصبحت نموذجا وقائدا للإخوان المسلمين.

وفي 2020 تسارع النفوذ التركي بشكل مفاجئ وأصبح مباشرا مع التدخل في ليبيا، الأمر الذي يضع الجنود والمرتزقة الأتراك على خط تماس مع الجزائر وتونس.

لكن نفوذها يعتمد بشكل كبير على القضايا الوطنية في كل بلد، والمعارضون لهذا التأثير موجودون في كل مكان.

في ليبيا أصبح وجود تركيا لا مفر منه إنها "القوة الخشنة". أما في باقي دول المغرب العربي، قد تكون "القوة ناعمة"، لكن مع وجود أسلحة اقتصادية ضخمة، فهي تهتم بالمال والأعمال لأسباب اقتصادية وسياسية في وقت واحد.

لكن نظرا لانخفاض الناتج الداخلي والركود الاقتصادي ليس لدى تركيا قدرة كبيرة على الاستثمار، لا سيما بالمقارنة مع ألمانيا ودول الخليج.

لكن المشكلة تكمن في الوضع المأساوي في المنطقة المغاربية بعد قرابة عام من انتشار وباء كوفيد-19.

فالوضع في هذه البلدان والاقتصادات ضعيفة لدرجة أنها يمكن أن تقبل أي عرض يقدم لها، خاصة فيما يتعلق بالتبادل التجاري والتمويل وما إلى ذلك.

في المقابل، تبدو أوروبا منكفئة وقد أضعفتها أزمة كورونا والأزمة الاقتصادية التي بدأت تظهر. لذلك من الواضح أن لدى تركيا فرصا يجب اغتنامها من أجل صناعاتها ومصارفها.

وبمعزل عن هذا تفسّر جاذبية الخطاب التركي لدى الشباب المغاربي على ان اردوغان بات شخصية متوسطية تقدم نفسها كمدافع عن المسلمين والمهاجرين والسوريين.

إنه نجاح معتبر لا يتوافق مع تأثير عميق خارج شبكات الإخوان المسلمين والإسلاميين بشكل عام، فلا أحد يتحدث التركية في المنطقة المغاربية، لكن يمكن الاعتماد على الشبكات التركية لتسويق نفسها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والصحافة والوجود الفعلي في تلك الدول.

وفي منطقة تعاني من أزمة شديدة مع ملايين الشباب المغاربيين الذي لا أمل لديهم، يغذي سماع زعيم مسلم يقف في وجه أوروبا ويستفزها ويشن الحروب، روح الانتقام والانتماء الإسلامي