نقاط الخلاف بين أردوغان والأسد أكبر من إمكانية التطبيع
أنقرة - قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن سوريا لا تتبنى نهجا إيجابيا تجاه تطبيع العلاقات مع بلاده مع نأي الرئيس السوري بشار الأسد عن الأمر وعدم ممارسته لأي دور.
ونقل صحافيون رافقوا أردوغان على متن طائرته أثناء العودة من محادثات مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين عنه القول إن تطبيع العلاقات ممكن إذا تحقق تقدم في مجال مكافحة الإرهاب وبشأن العودة الآمنة والطوعية للاجئين وعلى المسار السياسي.
ورأى الرئيس التركي، أن على نظيره السوري الابتعاد عن أي تصرفات تلحق الضرر بمسار التطبيع.
وجاء الموقف التركي ردا على تأكيد الأسد بأن انسحاب القوات التركية من الشمال يعتبر السبيل الوحيد لعودة العلاقات بين البلدين. وذلك خلال لقاء جمعه مع وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، شدد فيه الأخير على وقوف بلاده إلى جانب دمشق.
وعاد الحديث عن تطبيع العلاقات بين سوريا وتركيا مع سعي روسي مستمر منذ أشهر لعودة الاتصالات بين أنقرة ودمشق، وتمثّل باتصالات على أعلى مستوى.
وأكد أردوغان "ضرورة أن يتحرك النظام وفق الحقائق على الأرض"، مشدّداً على أهمية أن "يبتعد عن التصرفات التي تلحق الضرر بهذا المسار". وأضاف "الأسد يتابع من بعيد الخطوات المتخذة ضمن الصيغة التركية الروسية الإيرانية السورية".
وذكر أن تركيا في المقابل فتحت أبوابها لهذا المسار، على أمل أن تشارك سورية فيه، قائلاً: "نحن أكدنا أننا مستعدون، ولكن إلى الآن لا موقف إيجابي من الجانب السوري، ونأمل أن يأخذوا مكانهم على الطاولة"، موضحاً أن أنقرة شدّدت منذ البداية على أن "المسار الرباعي مع النظام السوري يجب أن يكون دون شروط مسبقة".
وتُعَدُّ تركيا طرفا أساسيا في الصراع في سوريا، فمنذ بداية النزاع عام 2011، قدمت أنقرة دعماً أساسياً للمعارضة السياسية والعسكرية، كما شنت منذ العام 2016 ثلاث عمليات عسكرية واسعة في سوريا، استهدفت بشكل أساسي المقاتلين الأكراد، وتمكنت قواتها بالتعاون مع فصائل سورية موالية لها من السيطرة على منطقة حدودية واسعة في شمال سوريا. بالإضافة إلى أن تركيا تحتضن ملايين اللاجئين السوريين، ومعظم قوى المعارضة السورية.
وأعلنت موسكو مراراً عن جهود روسية لحل الأزمة بين تركيا والأسد وسط حديث عن مزيد من المناقشات بين الطرفين حول آخر التطورات في سوريا والوضع شمالها، ومحاربة التنظيمات الإرهابية إضافة إلى عودة اللاجئين.
وجرت محادثات ثلاثية بين وزراء دفاع كل من روسيا وسوريا وتركيا بموسكو في 28 ديسمبر الماضي، جرى خلالها بحث سبل حل الأزمة السورية ومشكلة اللاجئين، والجهود المشتركة لمكافحة الجماعات المتطرفة في سوريا في لقاء رسمي كان الأول على المستوى الوزاري بين البلدين منذ اندلاع الأزمة السورية في العام 2011، وما نجم عنها من توتر للعلاقات بين أنقرة ودمشق.
وذكر مصدر تركي لوسائل إعلام، أن اجتماع موسكو توصل بالفعل إلى عدد من الإجراءات، مثل توافق أطراف الاجتماع على تشكيل لجنة ثلاثية للعمل على تطوير آلية لتسهيل عودة آمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم، وبحث سبل التعامل مع ملف قوات سوريا الديمقراطية (التي تشمل وحدات حماية الشعب الكردية)، وعودة حركة النقل التجاري التركي عبر سوريا، وهي الملفات المشتركة التي من مصلحة البلدين وضع حلول لها رغم الخلافات.
ووفق بيان صدر عن وزارة الخارجية الروسية فإنّ دمشق وأنقرة اتفقتا على خارطة طريق لتطبيع العلاقات. وأوضح البيان: "اتفق المشاركون على تكليف نواب وزراء الخارجية بإعداد خارطة طريق لتطوير العلاقات بين تركيا وسوريا بالتنسيق مع وزارات الدفاع والاستخبارات للدول الأربع، مضيفا أنّ القرار اتخذ خلال اجتماع موسكو في "جو إيجابي وبنّاء".
وبحسب وزير الخارجية الروسي، فإنّ هذه الخارطة ستسمح لدمشق وأنقرة بـ"تحديد موقفيهما بوضوح بشأن القضايا ذات الأولوية بالنسبة اليهما" بهدف "استعادة الحكومة السورية السيطرة على كامل أراضي البلاد ولتضمن بقوة أمن الحدود مع تركيا" التي يبلغ طولها 900 كيلومتر.
وتمثل المخاطر الأمنية التي نجمت عن تداعي الوضع السوري، أكبر تهديد لتركيا. فمنذ أن قدمت واشنطن الدعم للأكراد واعتمدت عليهم في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية عام 2015، باتت قوات سوريا الديمقراطية، التي تُمثِّل وحدات حماية الشعب الكردية، وثيقة الصلة بحزب العمال الكردستاني، عمودها الفقري أكثر قوة وتسيطر على مساحات واسعة في شمال شرقي سوريا.
وتقول أنقرة إنها تملك أدلة على أن مناطق السيطرة الكردية قد تحولت إلى بؤر تدريب وتنظيم لعناصر "إرهابية كردية"، يدفع بها حزب العمال الكردستاني للقيام بعمليات داخل المدن التركية وضد المدنيين الأتراك.
لكن دمشق لا تولي أهمية كبيرة للهواجس التركية، فمواجهة الأكراد بالنسبة لها ليست أولوية، وجهودها مركزة في مواجهة "الجيش الوطني السوري" الذي تعتبره منظمة إرهابية وجبهة النصرة.
ويقول محللون أن ملف إعادة العلاقات مع دمشق مهم جدا بالنسبة لأنقرة، خاصة في ظل أزمة قضية إعادة اللاجئين وترحيلهم إلى بلدانهم ولو بشكل طوعي، إذ أن تركيا تعرف جيدا أن عودة العلاقات مع الرئيس بشار أساس حل هذه المعضلة.
وتطرق أردوغان خلال حديثه، إلى الأحداث الأخيرة التي تشهدها محافظة دير الزور شرقي سورية، وأكد أن العشائر العربية في المحافظة "هم أصحاب تلك المناطق الأصليون"، وأن تنظيم "العمال الكردستاني" والقوات التابعة له "مجرد إرهابيين".
وقال أن "التنظيم لا يعترف بحق الناس في الحياة"، كما أنه "لا يتردّد في ارتكاب أي مجزرة للسيطرة على النفط" في دير الزور شرق سورية، مبيناً أن تركيا "وجهت التحذيرات اللازمة بهذا الصدّد للدول المعنية".
واعتبر أن "كل سلاح يجري تقديمة للتنظيم الإرهابي يساهم في استمرار إراقة الدماء بالمنطقة، وزعزعة وحدة أراضي العراق وسورية".
ولفت إلى أن العشائر العربية توحدت ضد المليشيات الكردية، مضيفاً: "الآن نرى العشائر العربية تزداد قوة مع زيادة المشاركة، وبوتين أكد أيضاً أهمية أن تتحد العشائر العربية باعتبارها أصحاب المنطقة وتقاتل ضد التنظيم الإرهابي".
وأشار إلى أنه "بات واضحاً أن الأسلحة والذخائر التي قدمتها الولايات المتحدة للتنظيم الإرهابي لا تخدم الاستقرار في المنطقة".