نواب تونسيون يطالبون الغنوشي بتوضيح تعيينات مشبوهة في البرلمان

اتهامات من النواب وجهت لرئيس البرلمان بعد تعيين أعضاء من حركة النهضة بعقود غير معلنة في خطوة اعتبرت "محاولة لخلق إدارة موازية داخل المجلس".

تونس - طالب عدد من النواب التونسيين اليوم الخميس رئيس البرلمان راشد الغنوشي بتوضيح التجاوزات التي قام بها على إثر تعيينه لعدد من المستشارين بطريقة غير قانونية في مجلس نواب الشعب ودون استشارة أو إعلام أعضائه، في خطوة وصفت بالمحاولة الخطيرة لخلق "إدارة موازية" في البرلمان.

وقال منجي الرحوي النائب خلال مداخلته الخميس، مخاطبا رئيس البرلمان راشد الغنوشي "لاحظنا قيامك بعدة تعيينات داخل مجلس نواب الشعب عبر إسناد عقود عمل غير معلنة وغامضة تمس من حيادية الإدارة داخل مؤسسات الدولة دون معرفة تفاصيلها".

وأكد الرحوي وهو نائب عن "الكتلة الديمقراطية" خلال جلسة الخميس أن هذه التعيينات هي محاولة لتكوين مكتب موازي لمكتب مجلس النواب وإدارة موازية لإدارته".

وقدم القيادي السابق في الجبهة الشعبية أسماء الأشخاص الذين تم تعيينهم دون استشارة البرلمان من بينهم قياديين من حزب النهضة، مطالبا الغنوشي بتوضيح للرأي العام حولها.

والرحوي هو قيادي يساري انضم إلى نواب حركة الشعب ونواب حزب التيار الديمقراطي لتشكيل كتلة برلمانية موحّدة تكون قادرة على قيادة المعارضة والمساعدة في تمرير القوانين في البرلمان الجديد بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة.

واكتفى الغنوشي بنفي هذه الاتهامات قائلا أن التعيينات التي قام بها قانونية، وتعهد بمراجعة وإلغاء كل تعيين خارج القانون دون الدخول في التفاصيل.

سامية عبو اتهمت الغنوشي باللجوء إلى تعيينات موازية داخل البرلمان "لترضية جماعة حركة النهضة الذين ساندوها الانتخابات"

والغنوشي هو رئيس حزب النهضة الإسلامي الذي فاز في الانتخابات التشريعية وتحصل على أغلبية غير مريحة في البرلمان بـ 52 مقعدا أي أقل من ربع مجموع النواب الـ 217. 

ومنتصف نوفمبر الماضي، فاز الغنوشي برئاسة البرلمان على إثر تحالفات مع عدة كتل، بعد أن ظل يتحكم في حكومات شاركت فيها النهضة ويسير دوائر الحكم من وراء الكواليس منذ سنوات.

وانتقدت سامية عبو النائبة عن "التيار الديمقراطي" التعيينات التي قام بها رئيس البرلمان، وتوجهت للغنوشي قائلة "ما اقترفته بهذه التعيينات يدخل في عالم الجريمة. فمرحبا بك في عالم الجريمة، الذي دخلته من الباب الكبير".

وأضافت أن رئيس البرلمان عين مكلفا بالشؤون البرلمانية في حين أن هناك نائب مساعد رئيس مكلف بتلك الوظيفة، بالإضافة إلى تعيين مكلف بالعلاقات الدولية في حين أنه يوجد اثنان من المديرين المكلفين بنفس الوظيفة، كما تمت تعيينات مماثلة في البروتكول والاتصال والعلاقات الديبلوماسية وصولا إلى المصورين الخاصين بالرئيس.

وأكدت عبو أن "الفصل 57 ينص على أن أعضاء مكتب المجلس هم من يتولون مساعدة الرئيس في أداء مهامه كل في حدود اختصاصه، وعلى أنه إذا أراد رئيس المجلس الاستعانة ببعض المستشارين الخاصين به في مسائل إدارية أو قانونية مثلا فلا مشكل في ذلك، لكن القيام بتعيينات تحت غطاء مستشار وهو في الآن ذاته يضطلع بخطة إدارية دون أن يكون موظف ودون انتداب فهذا يعتبر إدارة موازية".

واتهمت القيادية في التيار الديمقراطي الغنوشي باللجوء إلى مثل هذه التعيينات داخل البرلمان "لترضية جماعة حركة النهضة الذين ساندوها الانتخابات".

ولم تتوقف الانتقادات الموجهة للغنوشي الخميس عند "الكتلة الديمقراطية"، حيث أكد النائب فيصل التبيني على أن ميزانية المجلس لا تسمح بهذه التعيينات المشبوهة، مطالبا الغنوشي "بتعيين كل من يريد في الإدارة الكبيرة بمونبليزير"، في إشارة إلى مقر حركة النهضة.

وحذر التبيني من تحويل البرلمان الذي تسن فيه قوانين البلاد إلى مكان يتم فيه تمرير أجندات ضيقة عن طريق تغيير الإداريين بأشخاص تابعين للأحزاب، وهي إجراءات تهدد  النواب ليصبح وجودهم داخل البرلمان صوريا.

من جهته طالب النائب عن كتلة "الحزب الدستوري الحر" كريم كريفة بإجراء تدقيق "في التعيينات المخالفة لمبدأ حياد الإدارة في محاولة لإنشاء إدارة موازية لإدارة البرلمان".

في المقابل، أقر نواب النهضة وائتلاف الكرامة المتحالف معها بأحقية رئيس المجلس في تعيين ديوانه السياسي على غرار رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والوزراء.

 واعتبر النائبان عن حزب النهضة يمينة الزغلامي ونورالدين البحيري أن تعيين مستشارين من خارج مجلس النواب هو أمر قانوني، مؤكدان أن لرئيس المجلس وكافة المسؤولين الكبار في الدولة الحق في تعيين من يرون فيهم الكفاءة، معتبرين أن الجدل القائم هو جدل سياسي.

وشهدت جميع الجلسات التي عقدها البرلمان الجديد حالات تشنج وتبادل التهم بين النواب، كان آخرها اعتصام قامت به كتلة "الحزب الدستوري الحرّ" (17 نائبا) بداية الشهر الجاري، تواصل لمدّة أسبوع على خلفية توجه نائبة عن حركة النهضة بعبارات مسيئة إلى رئيسة الحزب عبير موسي.

وتم فض الاعتصام بعد إجبار موسي البرلمان على الاعتذار.

وكانت النهضة قد فشلت في تمرير أولى القوانين التي اقترحتها وهو مشروع "صندوق الزكاة والتبرعات" الذي أثار جدلا ورفضا قطعيا من أغلب الكتل في البرلمان وحتى الشارع التونسي، سبب "خلطه بين مؤسسات الدولة والقانون وإديولوجيات معينة يراد تمريرها تحت غطاء ديني".

واعتبر مراقبون أن إسقاط صندوق الزكاة الذي أرادت النهضة تمريره ضمن مشروع موازنة 2020 هو التحدي الأول الذي خسره الحزب الإسلامي في البرلمان.

ويتهم سياسيون ونشطاء في تونس حزب النهضة بالقيام بتعيينات كبيرة أثقلت كاهل الإدارة التونسية بسبب اعتمادها على "مبدأ الغنيمة والولاءات الحزبية وليس على مبدأ الكفاءة"  للهيمنة على مفاصل الدولة ومؤسساتها منذ حكومة الترويكا التي قادتها بين 2011 و2014.

ويعتبر مراقبون أن نسبة كبيرة من تلك التعيينات التي حدثت زمن الترويكا تسببت في تراجع مردود الإدارة وأثقلت الدولة بديون كانت في غنى عنها.

وتدور نقاشات بين نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي تؤكد على أن النهضة أصبح لديها فكرة عن دواليب الحكم، وأصبحت تراهن أكثر على ضمان عدد أكبر من المسؤولين الموالين لها داخل مؤسسات الدولة لتأكدها من أن تلك هي البوابة التي ستمكنها من السيطرة على مفاصل الدولة.

ويرجع أغلب التونسيين المصاعب الاقتصادية التي تمر بها تونس إلى القرارات الخاطئة التي اتخذتها النهضة منذ دخولها دواليب الحكم بعد نهاية نظام زين العابدين بن علي في 2011، حيث أثقلت قراراتها ومقترحاتها الدولة التونسية بديون كبيرة رغم الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها البلاد.

ويتزامن الجدل داخل البرلمان مع المصاعب التي يواجهها رئيس الحكومة الحبيب الجملي الذي اختارته النهضة لتشكيل حكومة مع تمسك أغلب الأحزاب بعدم المشاركة فيها إلا بشروط تضمن نجاحها.  

ومنذ تكليف الجملي في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني، بدأ مشاورات سياسية بحثا عن توافقات لحكومته المرتقبة مع غالبية الأحزاب الممثلة في البرلمان والمنظمات الوطنية والشخصيات النقابية والكفاءات.

ولم تسعف المهلة الأوليّة التي يمنحها الدستور المرشح النهضة في إتمام مهمته، حيث طالب بتمديدها شهرا إضافيا ما ينذر بمهمة صعبة وسط دعوات بالتسريع لأنه إذا فشل في مهامه فسيكلف الرئيس شخصية أخرى مستقلة بالمهمة.