هارد لاك لاميركا.. ومبروك لايران

اذا ما ارادت ادارة ترامب اعادة التوازن لمصالحها مقابل المصالح الايرانية فان عليها اعادة نظر شاملة لسياساتها الخاطئة في العراق.

لطالما انتقد الرئيس الاميركي الحالي دونالد ترامب سياسات سلفه باراك اوباما الخاطئة متهما اياه بتسليم العراق الى ايران على اثر قراره "الخاطئ" انذاك بسحب القوات الاميركية من العراق عام 2011. لكن ما يشهده العراق حاليا في عهد ترامب يعتبر نكسة جديدة للسياسة الاميركية تفوق نكستها اثناء ادارة اوباما، نتيجة السياسات الخاطئة لهذه الادارة واعتمادها على ساسة ومبعوثين ليسوا بمستوى الحدث تسببوا بتسليم العراق بما فيه الى الجارة ايران.

لا تخفي ايران اهمية الساحة العراقية بالنسبة لها، وتعتبره عمقها الاستراتيجي في المنطقة سياسيا واقتصاديا، حيث عملت من خلال هذه الرؤية على مد شبكة تحالفات وعلاقات معقدة مع جميع المكونات والشرائح العراقية حتى مع تلك التي كانت تعاديها سابقا، في ظل سياسة هادئة وواعية ترجمها على ارض الواقع قادة وساسة ميدانيين ايرانيين تفانوا في الدفاع عن مصالح بلادهم سواء اتفقنا معهم ام اختلفنا، مقابل ساسة اميركان ومبعوثين فاشلين، مهوسيين بالزيارات "الطائرة" واجتماعات المكاتب.

وفي خضم التوتر المتصاعد بين الولايات المتحدة وايران، اتت الانتخابات العراقية لتضيف الى عوامل الصراع بينهما عاملا اخر. فحاول كل طرف كسب المزيد من النقاط على حساب الاخر في كيفية تشكيل الحكومة والشخوص اللذين سيتولون المناصب السيادية المؤثرة في الدولة. وبعد انقضاء اشهر على تلك الانتخابات ها هي ملامح الحكومة العراقية الجديدة تتوضح لتفصح عن انتصار ايراني جديد على حساب الدور الاميركي المنحسر.

وبعد ان كانت ايران تعتمد على المرشح لمنصب رئاسة الوزراء (الذي هو حصة المكون الشيعي المقرب لايران)، ها هي تسيطر على جميع المناصب السيادية بدعمها لاشخاص مقربين منها في المكونين الاخرين السني والكردي. فلاول مرة يفوز بمنصب رئاسة البرلمان (الذي هو من حصة المكون السني) سياسي سني عربي بمباركة من اطراف سياسية شيعية حليفة لايران، ترجمها في اول تصريح له باعلانه وقوف العراق ضد العقوبات الاميركية على ايران، بينما في الدورات السابقة كان رئيس البرلمان يرشح بدعم من القوى السنية وتوافق مع قوى شيعية وكردية ثم تحاول ايران كسبه لصفها... نجحت مع بعضهم وفشلت مع اخرين. اما بالنسبة لرئاسة الجمهورية فلا تزال ايران تضغط على الاطراف الكردستانية لايصال شخصية مقربة لها الى سدة رئاسة الجمهورية (الذي هو من حصة المكون الكردي)، ليس فقط من خلال الضغط على الاحزاب الكردستانية وانما الضغط هذه المرة من داخل الحزب الواحد لضم شخصية هي الاقرب لها وارجاعه الى صفوف هذا الحزب ومن ثم ترشيحه لمنصب الرئاسة.

ان خطا السياسة الاميركية في ظل ادارة ترامب هي انها تعاملت مع الوضع العراقي بعكس ما هو معروف عن سياساتها في مناطق صراع اخرى، فالمعروف عن السياسة الاميركية بشكل عام انها تبني تحالفات متعددة مع فرقاء سياسيين، وتمسك كل حبال التناقضات بيد واحدة لاستخدامها حسب الحاجة، بينما اخطأت في العراق بإهمالها لجميع حلفائها المحتملين ورهانها على شخصية ضعيفة مثل حيدر العبادي الذي يفتقر لاي عمق سياسي او شعبي، فكان ان نجحت ايران وحلفائها في العراق بتحييده وابعاده عن المنافسة على منصب رئاسة الوزراء بعد احداث البصرة، لتفقد اميركا ورقتها الوحيدة التي كانت تراهن عليها . وهكذا فنحن الان في العراق اماما المشهد السياسي التالي:

رئاسة وزراء تترأسها احزاب عراقية متحالفة مع ايران.

رئاسة برلمان انبثقت بمباركة احزاب عراقية متحالفة مع ايران.

برلمان تسيطر عليه اغلبية متحالفة مع ايران.

مؤسسة عسكرية وامنية تسيطر عليها مليشيات تعتبر اذرع لإيران في المنطقة.

رئاسة جمهورية تؤكد المؤشرات على انها ستكون مقربة من ايران.

واعتمادا على هذه الخريطة فان مجال المناورة الاميركية يبدو معدوما الا في مرشح منصب رئاسة الوزراء والذي يمكن لها ان تحاول بان يكون من الساسة "الاقل" معارضة للسياسة الاميركية وليس كما في السابق عندما كان يترشح وفق شروط اميركية.

على اميركا مواجهة واقع سياسي جديد في العراق لم تشهدها منذ عام 2003، لا يمكن لها ان تغييره بممارسة سياسة العصا او سياسة الكاوبوي لارجاعه الى بيت الطاعة الاميركي. واذا ما ارادت ادارة ترامب اعادة التوازن لمصالحها مقابل المصالح الايرانية فان عليها اعادة نظر شاملة لسياساتها الخاطئة في العراق، وتغيير معظم الساسة والمبعوثين الاميركان في العراق، ثم ترميم جسور العلاقة التي تهدمت بينها وبين حلفاءها السابقين خاصة اقليم كردستان التي كادت ان تضحي به من اجل حليفها المهزوم حيدر العبادي بعد عملية الاستفتاء التي اجراها اقليم كردستان.