هجوم ريدينغ الإرهابي يحيي المخاوف من 'الذئاب المنفردة'

وزيرة الداخلية البريطانية: التهديد الإرهابي معقد ومتنوع ويتطور سريعا. من الواضح أن الخطر الذي يفرضه المنفذون المنفردون يتصاعد.
مُنفذ هجوم ريدينغ لاجئ ليبي نشأ في
الذئاب المنفردة.. إرهابيون خارج الرقابة يتربصون ببريطانيا
بريطانيا تريد استخلاص العبرة بينما وتيرة التحرك أبطأ من تنامي التطرف

ريدينغ (المملكة المتحدة) - حذرت الحكومة البريطانية الاثنين من التهديد المتزايد الذي يشكله المنفذون المنفردون للعمليات الإرهابية ويعرف هؤلاء بتسمية 'الذئاب المنفردة'، وذلك بعد هجوم بسكين أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص في ريدينغ، نفذه ليبي يدعى خيري سعدالله وكان معروفا لدى أجهزة المخابرات.

ولا توجد معلومات كثيرة حول سعدالله الذي لاحقه شرطي أعزل وتمكن من القبض عليه  بعد فترة وجيزة من الاعتداء، إلا أن الهجوم يسلط الضوء على المئات من أمثال الإرهابي الليبي الذي تربى على التطرف في بلاده في السنوات التي أعقبت إسقاط نظام معمر القذافي في 2011 وهي الفترة التي برزت فيها كيانات متشددة أحكمت قبضتها على معظم ليبيا خاصة في غربها والتي تشكل الجماعات الحالية في طرابلس امتدادا لها.

واختلفت تسميات تلك الجماعات وبعضها أسس أحزابا لتشكيل واجهة سياسية يسهل من خلالها التغطية على أنشطة مشبوهة ومنها الاستقطاب والتجنيد للقتال في الخارج أو لإفشال أي جهد لبناء الدولة المدنية الديمقراطية.

وتلك البيئة السائدة حاليا في طرابلس (غرب) وكانت قبلها في بنغازي (شرق) قبل أن يحررها الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر من الإرهاب، كانت سببا في نشأة جيل من المتشددين قتل منهم من قتل في نزاعات مسلحة محلية أو في الخارج في سوريا والعراق ومنهم من غادر إلى أوروبا كمشاريع متطرفين بعضهم اعتقل أو قتل بعد تنفيذ اعتداءات إرهابية وبعضهم لايزال طليقا بسبب ثغرات في القوانين الأوروبية أو قصورا في قوانين مكافحة الإرهاب.

واستغلت جماعة الإخوان المسلمين وأفرعها تلك الثغرات لتتخذ بدورها من لندن وغيرها من العواصم الأوروبية مقرا لأنشطتها المشبوهة ولتكوين شبكات معقدة مالية واقتصادية لتمويل عملياتها في دولها الأصلية.

وشارك رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون من مقر الحكومة في داونينغ ستريت في لندن بدقيقة صمت الساعة صباحا جرت في ريدينغ الواقعة على بعد 60 كلم غرب لندن، ويبلغ عدد سكانها 200 ألف نسمة، حيث وقع الهجوم الإرهابي  السبت الماضي في حديقة عامة.

وبعد مشاركتها في تأبين في موقع الهجوم، أشادت وزيرة الداخلية بريتي باتل بعناصر الشرطة "الأبطال" الذين تدخلوا لردع المهاجم رغم أن بعضهم كان بدون سلاح أو أنه لا يزال متدربا.

وكشفت أن الأجهزة الأمنية أحبطت خلال السنوات الثلاث الماضية 25 مشروع هجوم، بينها 8 كان يعد لها اليمين المتطرف وكررت تعهد رئيس الوزراء باستخلاص العبر، مضيفة أن "التهديد الإرهابي معقد ومتنوع ويتطور سريعا. من الواضح أن الخطر الذي يفرضه المنفذون المنفردون يتصاعد".

والسبت نفّذ المشتبه به الذي أُوقف بعد "خمس دقائق" من أول اتصال تلقته قوات الأمن، بمفرده الهجوم الذي يُعتبر "إرهابيا" وفق الشرطة التي لا تبحث عن أي شخص آخر.

وأفادت الصحافة البريطانية الاثنين نقلا عن مصادر أمنية أن المشتبه به الذي ذكر أن اسمه خيري سعدالله وهو لاجئ ليبي يبلغ من العمر 25 عاما، وصل إلى بريطانيا في عام 2012. وكان تحت مراقبة جهاز الاستخبارات الداخلية عام 2019 بسبب احتمال وجود توجه لديه للسفر إلى الخارج لأغراض إرهابية، لكن لم يتمّ إثبات أي خطر وشيك. وجرت ملاحقته لمشاكل تتعلق بصحته النفسية، بينها اضطراب ما بعد الصدمة.

وبحسب وكالة 'برس أسوسييشن'، فإن الشاب سُجن في أكتوبر/تشرين الأول لارتكابه جرائم غير مرتبطة بالإرهاب، بينها الاعتداء العنصري على شرطية عام 2018 والتسبب بأضرار جنائية.

وفي مارس/اذار، خففت محكمة الاستئناف عقوبته إلى السجن لنحو 17 شهرا خصوصا بسبب المشاكل المتعلقة بصحّته النفسية. وأُطلق سراحه مطلع يونيو/حزيران.

وقال القائد السابق لوحدة مكافحة الإرهاب في شرطة لندن مارك راولي لـ'بي بي سي' انه إذا "كان حوالي ثلاثة آلاف شخص قيد التحقيق في وقت معيّن" بسبب التهديد الإرهابي الذي يشكلونه، "فهناك أربعون ألف شخص وصلت أسماؤهم إلى النظام".

وأمام بوابات الحديقة حيث وقعت المأساة، وضعت ورود تكريما للضحايا وأحدهم مواطن أميركي بحسب السفير الأميركي لدى لندن وودي جونسون الذي أدان "بشدة" الاعتداء. وأفادت وسائل إعلام أميركية بأن الضحية الأميركي يُدعى جو ريتشي بينيت ويبلغ 39 عاما وهو متحدر من مدينة فيلادلفيا ويقطن منذ حوالي 15 عاما في المملكة المتحدة حيث يعمل مع شركة أدوية.

وأحد الضحايا أيضا شخص قد يكون صديقه هو جيمس فورلونع يبلغ من العمر 36 عاما ويعمل أستاذ تاريخ في مدرسة ثانوية في مدينة ووكينغهام المجاورة.

أما الضحية الثالثة فهو شخص يدعى ديفيد وايلز وفق 'بي بي سي'. وكان ويلز "شخصا سعيدا دائما... كان دائما يرسم الابتسامة على وجوه الناس"، كما أعلن صديقه مايكل ماين للقناة.

وفي الأشهر الأخيرة، نفّذ مهاجمان أدينا بتهمة ارتكاب جرائم إرهابية، اعتداءين في لندن. وفي أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2019، شنّ جهادي أفرج عنه بشروط هجوما أدى إلى مقتل شخصين في وسط العاصمة قبل أن ترديه الشرطة على جسر لندن.

وفي الثاني من فبراير/شباط، طُعن ثلاثة أشخاص في أحد شوارع التسوّق في جنوب لندن في هجوم "يحمل طابعا إسلاميا"، وفقا للشرطة. ويومها قتلت الشرطة المهاجم الذي تبيّن أنّه كان بدوره مدانا بجرائم إرهابية.

وقال متحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني "في فبراير (شباط) قدّمنا مشروع قانون ينهي الإفراج التلقائي عن مرتكبي جرائم إرهابية في منتصف مدة عقوبتهم"، مضيفا "لقد أثبتنا أننا نتصرّف في المكان الذي فيه عبر للاستخلاص".

وبعد الصدمة التي أثارها الهجوم في حديقة بمدينة ريدينغ، وعدت الحكومة البريطانية الاثنين باستخلاص العبر من المأساة.

وتتحرك الحكومة البريطانية لتدارك ثغرة خطيرة تتعلق بالمفرج عنهم في قضايا إرهابية، إلا أن وتيرة الانجاز العملي تبدو أبطأ بكثير من وتيرة تحرك أولائك الذين يحتفظون بميولات إرهابية.

ويقف اعتداء ريدينغ شاهدا على بطء الإجراءات، فمنفذه كان معروفا لدى أجهزة المخابرات ومع ذلك ظل بلا مراقبة كافية كان يمكن أن تحول دون وقوع الهجوم.

وخيري سعدالله بغض النظر عن معاناته من اضطرابات نفسية قد تكون هي ذاتها ناجمة عن بيئة التطرف التي تربى فيها قبل وصوله لاجئا إلى بريطانيا في 2012، هو عيّنة من مئات مثله تأثروا بخطابات الكراهية التي تروج لها الجماعات التكفيرية أو تربوا في تلك البيئة وان اختلفت الظروف والأمكنة.