هدف تركيا وقطر والإخوان: الأمير محمد بن سلمان

صحيفة واشنطن بوست لعبت دورًا متحزبًا ومتهورًا فقد صورت مفهومي الديمقراطية وحرية التعبير كما لو أنهما مرتبطان بالإخوان المسلمين الذين يستغلون قضية خاشقجي للهجوم على السعودية كما قدمت الصحيفة أردوغان كرئيس عادل يدافع عن الصحافة الحرة متناسية ما اقترفه خلال العامين الماضيين بحق مئات الصحفيين الأتراك.

بقلم: يغال كارمون

ترجمة: كيو بوست

 بعد أن أصدرت المملكة العربية السعودية إدانات صريحة ضد من قتلوا خاشقجي، وأمرت بإجراء تحقيقات شاملة، واستعدت لفرض عقوبات على الجناة في إطار القضاء السعودي، حان الوقت لتوضيح دور تركيا ومسؤوليتها في القضية، أخذًا بعين الاعتبار معركة أنقرة القديمة – الجديدة من أجل قيادة العالم الإسلامي.

مشاركة أردوغان الشخصية

أشارت التسريبات التركية الأولية لقناة الجزيرة القطرية إلى أن “خاشقجي طلب من خطيبته خديجة جنكيز الاتصال بمستشار أردوغان ياسين أكتاي في حال عدم عودته من القنصلية السعودية”. لكن بعد أيام قليلة، أدرك الأتراك أن الكشف عن حقيقة الارتباط المباشر بين خاشقجي ومساعد الرئيس يخلق علاقة محرجة لأردوغان شخصيًا. ولذلك، توقف أكتاي عن الظهور على القناة القطرية، كما توقفت السيدة جنكيز عن الإشارة إليه في أحاديثها.

من الواضح أن أمير قطر وضع قناة الجزيرة تحت تصرف الحكومة التركية، إذ ناقشت قضية خاشقجي على مدار 24 ساعة متواصلة لأكثر من 30 يومًا، محاولةً توريط الأمير محمد بن سلمان واتهامه شخصيًا بالوقوف وراء الحادثة، وهو ما يروق تمامًا للرئيس التركي. المخابرات التركية عرفت بما حدث قبل وأثناء عملية القتل، ولم تمنعها!

يرى خبراء أن التسريبات التركية المفصلة حول ما حدث في القنصلية يكشف أن المخابرات التركية كانت قد اقتحمت مبنى القنصلية قبل وصول خاشقجي إلى تركيا، وعملت على تركيب أجهزة تسجيل صوتية ومرئية في مختلف غرف القنصلية، وكذلك في بيت القنصل السعودي.

وما يؤكد أن الدولة التركية كانت تعرف بما سيحصل في القنصلية، هو أن المخابرات التركية نفسها أكدت أنها علمت بوصول ثلاثة ضباط كبار من المخابرات السعودية إلى إسطنبول قبل مقتل خاشقجي بأيام، وعلمت كذلك بنص الرسالة التي بعثوها إلى الرياض بعد تمركزهم في المدينة، وهذا ما يشير بوضوح إلى أن الضباط الأتراك كانوا يعلمون بما سيحصل حتى قبل وصول الصحفي السعودي إلى مبنى القنصلية. علاوة على ذلك، عرف الأتراك بأن 15 “دبلوماسيًا” سعوديًا وصلوا على متن طائرتين يوم الحادثة، ما يعني أن الأتراك عرفوا بكل التفاصيل حتى قبل وقوع الحدث.

لذلك، كان لدى المخابرات التركية والرئيس أردوغان الوقت الكافي للتدخل، وتحذير خاشقجي، ونصحه بالبقاء خارج القنصلية. لكن بدلًا من ذلك، اختاروا السماح له بالسير إلى الفخ، وها هم يتباكون عليه!

بالإضافة إلى ذلك، كان بإمكان المخابرات التركية أن تحذّر القنصل السعودي إزاء ما سيحصل في مبنى قنصليته، دون المخاطرة بالكشف عن مصادر المراقبة الخاصة بها. لكن الأتراك لم يفعلوا ذلك، واختاروا الصمت من أجل تحقيق أهداف سياسية أهم بالنسبة لهم من حياة الصحفي.

 السعوديون أفرطوا في الثقة بالأتراك

لم يخطر ببال المخابرات السعودية أبدًا أن الأتراك يتنصتون ويصورون غرف القنصلية من كل اتجاه. ويبدو أن صراع أردوغان من أجل ترؤس العالم السني لم يمنعه من انتهاك اتفاقية فيينا، من خلال اقتحام القنصلية، والقيام بما يحلو له فيها باستخدام وسائل المراقبة الحديثة. لماذا تلجأ تركيا إلى تسريب المعلومات بدلًا من فتح تحقيق جنائي؟

من شأن استخدام أجهزة تسجيل وكاميرات مراقبة سرية في أية محاكمة رسمية مستقلة أن يشكل ورطة كبيرة بالنسبة للنظام التركي. في العادة، الطرف الذي يقدم أدلة باستخدام هذه الوسائل يقع في مشكلة كبيرة. ومن هنا، أراد الأتراك تجنب عرض المواد السرية، والطريقة التي جمعت بها، مهما كانت التكاليف. ففي هكذا حالة، ستتحول تركيا من مدعي إلى مدعى عليه بتهمة التجسس، وستكون العواقب وخيمة جدًا.

والآن، يحاول الأتراك بشكل يائس الحصول على أدلة أخرى لا تستند إلى وسائل مراقبة سرية، وهو ما دفعهم إلى مطالبة الرياض بتسليم السعوديين المتورطين في القضية. إلا أن المملكة لا تلبي الطلب التركي، لأنها لا تريد أن تسمح لأنقرة بالهروب من الاعتراف الرسمي بانتهاك اتفاقية فيينا.

دور “واشنطن بوست” في القضية

لعبت صحيفة واشنطن بوست دورًا متحزبًا ومتهورًا بعيدًا كل البعد عن الصحافة المهنية الحرة؛ ففي تقاريرها ومقالاتها، صورت الصحيفة مفهومي “الديمقراطية وحرية التعبير” كما لو أنهما مرتبطان بالإخوان المسلمين، الذين يستغلون قضية خاشقجي للهجوم على المملكة. كما قدمت الصحيفة أردوغان كرئيس عادل يدافع عن حق التعبير والصحافة الحرة، متناسية ما اقترفه خلال العامين الماضيين بحق مئات الصحفيين الأتراك.

وفي الختام، من الأهمية بمكان أن نعود إلى الجوانب الأساسية للقضية: إنسان تعرض للقتل، ويجب أن يواجه قاتلوه العدالة. أما محاولة أردوغان والأمير القطري تجريم الأمير محمد بن سلمان شخصيًا، بغرض تقويض مكانة المملكة كمحور للعالم الإسلامي، فلن تفلح بأي شكل من الأشكال. كل إنسان مسؤول عن أفعاله، والقتلة مسؤولون عن أفعالهم.

  • (جرى تحويل حادثة مقتل خاشقجي من قضية حقوق إنسان إلى أداة سياسية تركية تهدف إلى تسيّد العالم الإسلامي السني على حساب الرياض”، هذا ما ذكره رئيس “معهد بحوث إعلام الشرق الأوسط” الأمريكي، يغال كارمون، في مقالته المنشورة في 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2018)
عن معهد بحوث إعلام الشرق الأوسط الأمريكي
(تركيا تجسست على القنصلية السعودية وعلمت بمقتل خاشقجي قبل أيام من الحادثة
رئيس معهد أبحاث الشرق الأوسط الأمريكي يفضح أسرار إردوغان وخاشقجي)