هدوء حذر شمال لبنان بعد ليلة مواجهات بين الجيش والمحتجين

سقوط أكثر من 80 جريحا، بينهم أكثر من 20 عسكريا خلال اشتباكات مع متظاهرين في مدينة طرابلس بعد اعتراض مسار شاحنات كانت متجهة إلى سوريا اشتُبه في أنها تهرّب مواد غذائية.

بيروت - ساد هدوء حذر صباح الأحد في مدينة طرابلس بشمال لبنان، وسط انتشار أمني كثيف بعد مواجهات عنيفة ليلا بين الجيش وعدد كبير من المتظاهرين أسفرت عن سقوط أكثر من 80 جريحا، بينهم أكثر من 20 عسكريا.

وذكرت الوكالة الوطنية للإعلام اليوم الأحد أن عناصر من الجيش تمكنت من استعادة السيطرة على الوضع الميداني والزام المحتجين التراجع إلى عمق الشوارع الداخلية، في حين عمدت العناصر بعد ذلك إلى فتح الطرق التي قطعها المحتجون.

ووفق الوكالة فقد كان أبرز مسارح الاشتباكات ساحة النور وشارع سوريا في التبانة بمدينة طرابلس على خلفية توقيف الشاحنات المحملة بالمواد الغذائية والمتوجهة إلى سوريا، حيث عمد المحتجون إلى تحطيم العديد من المحال التجارية والمؤسسات العامة والخاصة، وأضرموا النيران ببعضها وفي حاويات النفايات، كما أضرموا النار في مصرف "لبنان والمهجر"، وقطعوا العديد من الطرق الرئيسية والفرعية بالاطارات المشتعلة، وألقى أحد الشبان قنبلة مولوتوف على آلية عسكرية فاشتعلت فيها النيران.

وأطلق عناصر من الجيش أعيرة مطاطية لإفساح المجال أمام عبور الشاحنات التي اعترضها المحتجون.

وقال متظاهر في طرابلس يبلغ 51 عاماً "لست مضطراً لأن أموت جوعاً مقابل أن يأكل غيري".

وتعد مدينة طرابلس واحدة من أكثر المدن اللبنانية التي يعاني سكانها من وضع صعب بسبب التهميش والبطالة حيث يعيش نصفهم تحت خط الفقر.

وكانت طرابلس الواقعة على الساحل الشمالي للبنان أول المدن التي انتفضت على الواقع المزري خلال بداية انتفاضة أكتوبر الماضي وأصبحت ساحة عبدالحميد كرامي (ساحة النور) رمزا للاحتجاج على الطبقة السياسية في البلاد. ورغم ان عدد كبير من السياسيين والمسؤولين اللبنانيين ينحدرون من تلك المدينة إلا ان سكانها أصبحوا يحتجون ضدهم نظرا لتنكرهم لها ويتهمونهم بالفساد وتهميش المدينة.

وتثير أعمال التهريب بين لبنان وسوريا جدلا واسعا، إذ يعرب لبنانيون عن الاستياء إزاء قصور السلطات عن ضبط الحدود.

وعلّق متظاهر بأنّ "كيلوغراما واحدا من السكر يبلغ سعره أربعة آلاف ليرة". وقال إنّ "الشعب يموت جوعاً".

وقالت المديرية العامة للجمارك في بيان إنّ "هذه الشاحنات تنقل مساعدات من مادة السكر وغيرها لصالح الأمم المتحدة والصليب الأحمر الدولي من ضمن برنامج الأمم المتحدة الغذائي".

وأكد برنامج الأمم المتحدة الغذائي في بيان صدر مساء السبت أن 39 شاحنة كانت متجهة إلى سوريا لنقل مساعدات إلى السكان الأكثر فقرًا هناك.

وفيما أدت الإجراءات المتخذة لمكافحة تفشي وباء كوفيد-19 إلى إغلاق العديد من المتاجر وتسريح عمّال وموظفين، فإنّ من شأن هذه الأزمة أن تفاقم الأزمة الاقتصادية في لبنان، في وقت يُتوقّع أن ينكمش الناتج الإجمالي المحلي بنسبة 12 بالمئة.

وكانت احتجاجات شعبية قد انطلقت يوم الخميس الماضي وعمت مختلف المناطق اللبنانية وقطعت الطرقات بالإطارات المشتعلة احتجاجاً على تردي الأوضاع المعيشية.

وعاد المئات من المحتجين إلى الشوارع أمس السبت في بيروت وعدد من المدن الأخرى مستعيدين شعارات الحراك الاحتجاجي الذي انطلق في 17 تشرين الأول/اكتوبر 2019 وأدى إلى استقالة الحكومة السابقة بعد أقل من أسبوعين.

ويشهد لبنان أسوأ أزمة اقتصادية منذ عقود، تتزامن مع نقص في السيولة وتوقّف المصارف عن تزويد المودعين بأموالهم، خاصة تلك المودعة بالدولار الأميركي.

وتشكلت حكومة جديدة برئاسة حسان دياب في كانون الثاني/يناير، فيما تراجعت وتيرة الاحتجاجات لاحقاً بعد تسجيل إصابات بوباء كوفيد-19 في لبنان.

وقالت نعمت بدرالدين التي كانت تشارك في التظاهرة في ساحة رياض الصلح في وسط العاصمة بيروت "نحن هنا كي نطالب بحكومة جديدة موقتة بصلاحيات تشريعية استثنائية تضع قانونا انتخابيا عادلا يضمن صحة التمثيل النيابي وثم نتجه الى فرز طبقة سياسية جديدة".

واعتبرت أنّ هذه الحكومة "تبنت نفس السياسات" الاقتصادية والاجتماعية للحكومات السابقة.

ونظّم متظاهرون آخرون لونوا وجوههم بالأبيض وارتدوا الأسود، مأتماً رمزياً "لشعب" تصرّ الطبقة السياسية على "دفنه"، حسب ما قالت الناشطة باولا ربيز. واضافت "أردنا إرسال رسالة قوية (..) لاحياء الحركة الثورية".

وتجمّع محتجون أيضاً في مدينة صيدا وبلدة كفررمان في جنوب البلاد، داعين إلى رحيل الطبقة السياسية بمكوناتها كافة.

ومساءً، قطع متظاهرون غاضبون طريقًا رئيسيًا يربط بيروت بالجنوب.

وعادة ما تشهد المظاهرات في الآونة الاخيرة مناوشات واستفزازات بين المحتجين وأنصار حركة أمل وحليفها حزب الله الذي يسيطر على الحكومة الحالية. 

وندد رئيس الحكومة حسان دياب في كلمة نقلت مباشرة عبر الهواء السبت، بما وصفه بـ"مؤامرة التلاعب" بالليرة اللبنانية وبما قال إنّها "حملة مبرمجة تنظمها جهات معروفة"، دون تسميتها.

وأضاف أنّ حكومته أرادت "أن توقف مسلسل ابتزاز الدولة والناس". وفيما تعهد بمكافحة "شرسة" للفساد، ندد بما اعتبره محاولة "الانقلاب على انتفاضة 17 تشرين الأول" وحكومته.

ويُتوقع أن تلامس نسبة التضخم في لبنان خلال العام الحالي نسبة 50 بالمئة، بينما يعيش نحو 45 بالمئة من سكانه تحت خط الفقر وتعاني أكثر من 35 بالمئة من قوته العاملة من البطالة.

وطلب لبنان المساعدة من صندوق النقد الدولي في نهاية نيسان/ابريل.