هزيمة إردوغان في أنقرة وإسطنبول تقوّض أسطورة "الرئيس الذي لا يقهر"

أهم وأكبر محافظات تركيا تخرج عن سيطرة حزب رجب طيب إردوغان في الانتخابات البلدية، التي تعد اختبارا مهما للرئيس التركي، بعد تسعة أشهر من توليه منصب الرئيس التنفيذي للبلاد بصلاحيات موسعة.
تركيا تترقب زلزالا انتخابيا إذا خسر اردوغان الانتخابات المحلية
إردوغان عقد أكثر من مئة مهرجان انتخابي خلال خمسين يوما
هزيمة حزب أردوغان تبشر بتقويض أسطورة 'الرجل الذي لا يقهر'
إردوغان عقد أكثر من 100مهرجان انتخابي خلال 50 يوما لتفادي الهزيمة في انقرة وإسطنبول
اردوغان حاول الالتفاف على الأزمة الاقتصادية بالتركيز على المسائل الأمنية

أنقرة - تعرض حزب الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إلى انتكاسة كبرى الاثنين بعدما أظهرت نتائج الانتخابات المحلية أن حزب العدالة والتنمية الذي يحكم البلاد منذ عقد ونصف خسر العاصمة أنقرة وإسطنبول، عصب الاقتصاد في البلاد.

وتشكل خسارة أهم مدينتين في البلاد هزيمة مدوية لإردوغان، الذي كان نفسه رئيس بلدية إسطنبول والذي حظي بقدرة لا مثيل لها في تاريخ تركيا على الفوز بشكل متكرر في الانتخابات.

وانخرط إردوغان بقوة في الحملة الانتخابية فصوّر الانتخابات البلدية على أنها معركة حياة أو موت، لكن الاقتراع كان بمثابة استفتاء على حكم حزب العدالة والتنمية بعدما تباطأ الاقتصاد التركي لأول مرة منذ عقد.

وأعلن رئيس اللجنة العليا للانتخابات سعدي غوفن أن مرشح المعارضة لتولي رئاسة بلدية إسطنبول إكرام إمام أوغلو يتصدر النتائج بنحو 28 ألف صوت مع فرز معظم الأصوات.

وحصل إمام أوغلو على قرابة 4.16 مليون صوت مقابل 4.13 مليونا لمرشح حزب العدالة والتنمية رئيس الوزراء السابق بن علي يلديريم.

وأعلن المرشحان فوزهما في وقت مبكر عقب سباق محموم لترؤس بلدية أكبر مدن البلاد عندما أظهرت النتائج الأولية أنهما متعادلان تقريبا.

وقال إمام أوغلو للصحافيين الاثنين "نريد أن نبدأ بالعمل على خدمة الشعب في أقرب وقت ممكن. نريد أن نتعاون مع جميع المؤسسات في تركيا لنتمكن سريعا من سد احتياجات اسطنبول".

وفي أنقرة، تقدم مرشح المعارضة لرئاسة مجلس بلدية العاصمة منصور يافاش على مرشح حزب العدالة والتنمية محمد أوز هسكي بحصوله على 50.89 بالمئة من الأصوات مقابل 47.06 بالمئة بعد فرز 99 بالمئة من صناديق الاقتراع.

وقال يافاش أمام أنصاره الذين لوحوا بالأعلام التركية الحمراء وأطلقوا الأسهم النارية خلال تجمع احتفالي "فازت أنقرة. الخاسر في أنقرة هو أوز هسكي، خسرت السياسات القذرة وانتصرت الديموقراطية".

وفي مؤشر على احتمال اندلاع أزمة، أكد مسؤولون من حزب العدالة والتنمية أنهم سيتقدمون بطعون لإعادة النظر في صلاحية عشرات آلاف الأصوات التي اعتبرت لاغية في المدينتين الرئيسيتين.

وقال الأمين العام لحزب العدالة والتنمية فاتح شاهين إن الحزب سيطعن في النتائج في أنقرة مشيرا إلى أن الفجوة بين المرشحين "ستتضاءل وأعتقد أن النتيجة ستتحول في النهاية لتصب في صالحنا".

إردوغان ألقى بكل ثقله في السباق الانتخابي لكن هزيمة حزبه ستقوّض "أسطورة الرئيس الذي لا يقهر" المحيطة به

وحرص إردوغان في كلمة ألقاها أمام حشد من أنصاره في أنقرة على إبراز إيجابيات النتائج، مشيرا إلى أن الائتلاف الذي شكله حزبه مع حزب الحركة القومية (قومي متشدد) تصدر النتائج على المستوى الوطني بحصوله على أكثر من 51 بالمئة من الأصوات.

وبينما بدا متقبّلا لخسارة بعض المناصب البلدية إلا أنه لم يشر مباشرة إلى النتائج في أنقرة أو اسطنبول.

وقال إردوغان إذا كان هناك أي تقصير فمن واجبنا إصلاحه"، مضيفا "اعتباراً من صباح الغد سنبدأ العمل على تحديد مكامن الضعف لدينا ومعالجتها".

وتحمل خسارة اسطنبول على وجه الخصوص حساسية بالنسبة لإردوغان الذي ترعرع في حي قاسم باشا في المدينة الذي يقطنه أفراد الطبقة العاملة ولطالما كرر لأعضاء حزبه أن الفوز في المدينة يساوي الفوز بتركيا كاملة.

ورشّح أحد أنصاره، هو رئيس الوزراء السابق يلديريم، وأقام تجمعات انتخابية لأكثر من مرة في اليوم في أحياء إسطنبول.

وفي مؤشر إلى أهمية هذه الانتخابات المحلية بالنسبة له، شارك إردوغان (65 عاما) بشكل نشط في الحملة فعقد أكثر من مئة مهرجان انتخابي خلال خمسين يوما وألقى ما لا يقل عن 14 خطابا الجمعة والسبت في إسطنبول.

وإن كان الرئيس التركي ألقى بكل ثقله في السباق الانتخابي، فذلك لأن هزيمة حزبه "ستقوّض أسطورة الرئيس الذي لا يقهر" المحيطة به، برأي إمري إردوغان الأستاذ في جامعة بيلجي في إسطنبول.

ويتم التركيز بصورة خاصة على ثلاثين بلدية كبرى في مدن تشكل الرئة الاقتصادية للبلاد، وقد شهدت عدة معارك حامية لاسيما في بورصة (شمال غرب) وأنطاليا (جنوب).

لكن الانتباه بقي مصبوبا بصورة خاصة على العاصمة أنقرة وإسطنبول، القلب الاقتصادي والديمغرافي لتركيا، حيث بات حزب العدالة والتنمية في خطر اليوم بعدما هيمن وأسلافه الإسلاميون على المدينتين على مدى 25 عاما.

وقالت أستاذة العلوم السياسية في جامعة الشرق الأوسط التقنية في أنقرة ايسي اياتا إن "اسطنبول هي قلبه وتحمل أهمية بالغة بالنسبة إليه. إنها المكان الأول الذي بدأوا (العدالة والتنمية) بالفوز فيه".

وأضافت "هناك نوعان من النتائج في الانتخابات. حافظوا على الأغلبية بما مجموعه 51 بالمئة وهو أمر غاية في الأهمية. ولولا ذلك، لطرحت تساؤلات بشأن شرعيتهم".

لكن بالنسبة لأنصاره، لا يزال إردوغان يمثل الزعيم القوي الذي يعتقدون أن تركيا تحتاجه فيشيرون إلى التنمية الاقتصادية التي شهدتها البلاد في عهدة وعهد حزبه.

وخلال التجمعات الانتخابية بوجود أنصاره، وهم الأتراك المحافظين والأكثر تدينا إجمالا، قدم إردوغان معارضيه على أنهم أعداء الدولة فأشار إلى أنهم على صلة بمقاتلي حزب العمال الكردستاني الذين خاضوا تمردا استمر على مدى عقود.

على الضفة الأخرى، يؤكد الناشطون المدافعون عن حقوق الإنسان وحلفاء أنقرة الغربيين أن الديموقراطية تأذّت في عهده وخصوصا بعد انقلاب العام 2016 الفاشل الذي اعتقل على خلفيته عشرات الآلاف.

وبنى حزب العدالة والتنمية نجاحاته في صناديق الاقتراع على ما يعتبرونها كفاءة إردوغان الاقتصادية. لكن قبل أيام من الانتخابات، تراجعت الليرة التركية مجددا ما أعاد إلى الذاكرة الأزمة التي عاشتها العملة المحلية عام 2018 والتي تأذت بفعلها الكثير من العائلات التركية.

وسيكون أسلوبه في إدارة الاقتصاد مفتاحا لنجاح الحزب خلال السنوات القليلة القادمة قبل الانتخابات الرئاسية والعامة المقبلة في 2023.

وقال الرئيس التركي لأنصاره الاثنين أن الأنظار ستتركز على الإصلاحات الاقتصادية والأمنية بعد الانتخابات المحلية. وكان وزير المالية أشار إلى أنه سيتم الإعلان عن إصلاحات اقتصادية الأسبوع المقبل.

وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة "بيلجي" في إسطنبول إيمري إردوغان، غير المرتبط بأي قرابة مع الرئيس، إن "على إردوغان أن يفهم أسباب هذه الخسائر وسيشدد على الأغلب على ضمان مستوى معيّن من النمو الاقتصادي إلى حين الانتخابات العامة المقبلة".

وأضاف "عانى سكان المدينتين على الأرجح من تداعيات التراجع الاقتصادي وهو ما انعكس على الانتخابات".