هكذا يساهم علمانيو تونس في تضخيم نفوذ الغنوشي

محللون: القوى السياسية تسقط في فخ نصبه رئيس حركة النهضة أدى إلى تلميع صورته والنظر اليه باعتباره الحاكم الفعلي لتونس.
شعبية الغنوشي تحوم حول 1 بالمئة من التونسيين

تونس ـ أثارت الأزمة السياسية التي تشهدها تونس جدلا بشأن مدى نفوذ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الإسلامية في صناعة القرار السياسي وحتى الحكومي، فيما شدد سياسيون على أن ثمة من يروج له في صورة "القوة الوهمية" الحاكمة لتونس.
وتعمقت صورة "القوة الوهمية" أكثر في أعقاب تمسك الغنوشي برئيس الحكومة يوسف الشاهد ومحاولة فرض تعجيل جزئي على الحكومة بدل تغيير معمق من خلال تشكيل تركيبة جدية وهو ما تطالب به الأطراف السياسية والاجتماعية الموقعة على وثيقة قرطاج. 
ويبدو، كما يذهب إلى ذلك سياسيون أن خصوم الغنوشي سقطوا في فخ نصبه لهم، فأخذوا يقدمونه باعتباره الحاكم الفعلي لتونس والحال أن عمليات لسبر الآراء تظهر أن 1.4 فقط من التونسيين يرون أنه قادر على قيادة البلاد.
ويرى وليد جلاد النائب عن الكتلة الوطنية أنه "من غير المنطقي أن نسند للغنوشي دور البطولة وتقديمه على أنه يقف وراء صناعة القرار السياسي والحكومي".
وشدد جلاد في تصريحات لوسائل الإعلام على أن الغنوشي، لا يعدل خطواته وأفكاره سوى على خطوات وأفكار الرئيس السبسي".
ويرى متابعون للمواقف المخاتلة والملتوية للنهضة أن قدرة الغنوشي السياسية تتمثل في التقاط وتحسس آراء السبسي، لافتين إلى أن تمسكه بالشاهد ليس تمسكا مبدئيا بقدر ما هو يعكس اقتناعا بأن قائد السبسي لا يميل إلى رحيل الشاهد وحكومته.
وخلال الازمة السياسية استفاد الغنوشي كثيرا من هجمات خصومه عليه لكونه الوحيد المتمسك بالشاهد حتى أن صورته تضررت وبات ينظر إليه على أنه قوة متنفذة.
وبدأ سقوط العلمانيين في فخ الغنوشي في أعقاب الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي جرت العام 2014 حين تحالف مع السبسي تحت يافطة ضمان الاستقرار السياسي.
وخلال السنوات الأربع الماضية أخذت صورة الغنوشي الوهمية نسقا تصاعديا بسبب رؤية خاطئة تبناها العلمانيون مفادها أن الرجل الإخواني استأثر بصناعة القرارات السياسية وحتى بتعيين رئيس الحكومة والوزراء.
وقال المحلل السياسي الهاشمي نويرة لميدل ايست اونلاين "إن الفراغ السياسي وتشتت القوى الديمقراطية وعدم توصلها إلى بناء قوة سياسية ساهم إلى حد ما في بروز الغنوشي كقوة وهمية نافذة والحال أنه مهزوز سياسيا".

الفراغ السياسي وتشتت القوى الديمقراطية وعدم توصلها إلى بناء قوة سياسية ساهم إلى حد ما في بروز الغنوشي كقوة وهمية نافذة

وخلال أكثر من مناسبة حذر حمة الهمامي الناطق باسم الجبهة الشعبية من تغول الغنوشي ومن احتكاره لمراكز النفوذ، مشددا على أن النهضة باتت تمثل دولة إخوانية داخل الدولة المدنية دون أن يعي أن ذلك من شأنه أن يقدمه على أنه الحاكم بأمره.
والجمعة قال الهمامي لوسائل الإعلام المحلية إن الغنوشي يريد أن يظهر في "صورة التلميذ العاقل" بعد أن فهم أن الشاهد يحظى بدعم قوى خارجية. 
ولم ينج محسن مرزوق الأمين العام لحركة مشروع تونس من الفخ إذ جاهر في أعقاب انشقاقه عن النداء بأنه يحمل مشروعا منافسا لمشروع الإسلام السياسي ممثلا في النهضة دون أن يعي هو الآخر أن مجاهرته تستبطن أن للنهضة مشروعا يستحق المنافسة.
ووفق المتابعين للشأن التونسي يتصدر النداء قائمة الأحزاب التي جعلت من الغنوشي القادم من الهوامش السياسية لمؤسسات الدولة المدنية "زعيما سياسيا" من خلال التحالف معه وتمكينه من صلاحيات في الكواليس بلغت حد تزكية رئيس الحكومة والوزراء.
وعند مقارنة نتائج عمليات سبر الآراء التي أعدتها مؤسسات تونسية وأجنبية متخصصة بصيحات الفزع التي ما انفك يطلقها العلمانيون، ثمة هوة سحيقة بين وزن الغنوشي في الخارطة السياسية وفي المجتمع وبين الصورة التي يجترها خصومه.

الهمامي: الغنوشي يريد الظهور في صورة التلميذ العاقل
الهمامي: الغنوشي يريد الظهور في صورة التلميذ العاقل

ويقول نور الدين العلوي أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة التونسية إن "الصورة التي تبدو لي مناسبة لوصف دور الغنوشي هذه الأيام هي صورة رجل يحمل ماء في وعاء مفتوح ويجري به نحو غاية، وقد ألزم نفسه بأن لا يتماوج الماء في القصعة فلا يفيض حتى يدرك به غايته".
ويضيف العلوي "الغنوشي لا يستطيع أن يحكم وحده، مرارة تجربته زمن الترويكا علمته ألا يعيد الكرة وألا يستفرد بالحكم ولو كان يملك قدرة بشرية وفكرية".
ولعل من اهم المواقف المهتزة والمتقلبة للغنوشي رفع غطائه السياسي عن الحبيب الصيد رئيس الحكومة السابق بعد أن اقتنع بأن الرئيس السبسي مصر على رحيله على الرغم من أن رئيس الحركة الإسلامية تعهد للصيد بالتمسك به.
وتعليقا على مساهمة العلمانيين في صناعة نفوذ الغنوشي وصورته الوهمية يقول وليد جلاد "هناك من يسوق للغنوشي ويسند له بطولات وهمية وكأنه يقود البلاد".
ويرى جلاد أنه "لو طلب السبسي من الغنوشي أن يسحب الثقة من الشاهد لفعل ذلك" مضيفا يقول "السبسي هو ضامن الاستقرار في البلاد وبقاء الشاهد على رأس الحكومة بفضل ثقة رئيس الجمهورية ونواب الشعب وليس بفضل دعم النهضة أو حمايتها".
وأكّد أن ما يروج عن مساندة حركة النهضة ليوسف الشاهد غير صحيح "ولو طلب السبسي من الغنوشي أن يسحب الثقة من الشاهد لفعل ذلك. السبسي هو ضامن الاستقرار في البلاد وبقاء الشاهد على رأس الحكومة بفضل ثقة رئيس الجمهورية ونواب الشعب وليس بفضل دعم النهضة أو حمايتها".
ويبدو أن الغنوشي استثمر بدهاء الصورة التي رسمها له خصومه من العلمانيين ووجد فيها مدخلا مفتوح الأبواب ليستعرض قوته.
وخلافا لما تروج له القوى العلمانية، يرى مراقبون أن الغنوشي يمر باسوا لحظات نشاطه السياسي بعد أن وجد في تمسكه بالشاهد مأزقا سياسيا لن يقود به سوى إلى مراجعة موقفه كرها ورفع غطائه السياسي عنه مع عودة أطراف وثيقة قرطاج إلى الحوار.
ويذهب نور الدين العلوي إلى حد القول إنه "ليس لدى الغنوشي من حلول لصورة قوته الوهمية سوى أن يجعل من خصومه العلمانيين حلفاء" خاصة وأنه قادم على انتخابات برلمانية ورئاسية يراهن عليها لتلميع صورته وصورة النهضة.