هل أثبتت روسيا 'سرقة' لقاح كورونا من بريطانيا؟

اللقاح الروسي تم تطويره باستخدام سلالة من جزيئات الخلايا البشرية تمت زراعتها لأول مرة في عام 1973 وهي نفس الطريقة المستخدمة في لقاح يتم تطويره في جامعة أكسفورد البريطانية. 
بريطانيا اتهمت روسيا بالسعي لسرقة أبحاث حول لقاح محتمل لكورونا باستخدام القرصنة
تشكيك دولي وطبي بفاعلية لقاح كوفيد-19 الروسي
نسبة نجاح التجارب السريرية للقاح الروسي بلغت 10 بالمئة فحسب

موسكو - أثار إعلان روسيا نجاحها في تطوير أول لقاح ضد فيروس كورونا جدلا ورفضا كبيرا لها خصوصا مع تزايد الشكوك حول فاعليته لكن أيضا حول شكوك "سرقته" من بريطانيا التي سبق وأن اتهمت موسكو بذلك.

وأعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس الثلاثاء أن روسيا أصبحت أول دولة تمنح موافقة تنظيمية على لقاح لكوفيد-19 بعد أقل من شهرين من اختباره على البشر.

وأطلقت الشكوك الكبيرة حول فاعلية اللقاح الروسي من منظمة الصحة العالمية وأكثر من دولة وحتى من علماء الأوبئة، احتمال صحة الاتهامات التي أطلقتها بريطانيا ضد روسيا حول محاولتها قرصنة مواقع بريطانية للحصول على سير الأبحاث حول الفيروس التاجي المستجد.

وحسب صحيفة نيويورك تايمز الأميركية فإن اللقاح الروسي تم تطويره باستخدام سلالة من جزيءات الخلايا البشرية تمت زراعتها لأول مرة في عام 1973 وهي نفس الطريقة المستخدمة في لقاح يتم طويره في جامعة أكسفورد البريطانية. 
وتوصلت أبحاث الجامعة البريطانية في وقت سابق إلى أن جزء أساسيا من بروتين في فيروس كورونا المستجد يمكن أن يشكل أساسا للقاح آمن وفعال ضد الفيروس. ويمكن لهذه الجزيئات الشائكة المعروفة بـ"بروتينات سبايك" أن تتعرف على جزء موجود على سطح العديد من الخلايا البشرية ما يسمح للجزيء الفيروسي بالدخول إلى تلك الخلايا. 

ويعتمد اللقاح الروسي على ناقل فيروسي مع تعديل بإضافة "بروتين سبايك" لفيروس كورونا. وهي نفس التكنولوجيا التي تستخدمها أكسفورد لتطوير لقاحها. ويعمل البريطانيون حاليا على هذه التقنية لتطوير لقاح ضد فيروس كورونا مع ناقل فيروسي حيواني كان موجودًا لدى القرود منذ عام 2014.

ويقول خبراء أوبئة إنه في حال تأكد مطابقة الناقل الفيروسي الذي استخدمه الروس للطريقة البريطانية فمن المحتمل جدًا أن عملية اختراق لمخابر اكسفورد قد تمت فعلا.

وكانت بريطانيا قد اتهمت في وقت سابق روسيا بالسعي لسرقة أبحاث حول لقاح محتمل لفيروس كورونا باستخدام هجمات قرصنة على غرار محاولة التدخل في الانتخابات البريطانية التي تنفيها موسكو.

ووصف وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب الشهر الماضي المحاولات الروسية بأنها "مروعة وبغيضة"، متهما موسكو بمحاولة تخريب تعاون دولي لتطوير لقاح للفيروس، قائلا يبدو أن "جني الأرباح هو دافعهم".

وقالت أجهزة الأمن البريطانية في يوليو الماضي إن قراصنة إلكترونيين استهدفوا جهات تعمل على تطوير لقاح، وقالت إنهم يعملون لصالح المخابرات الروسية بشكل شبه مؤكد.

ورفضت روسيا الاتهامات البريطانية مثلما فعلت تماما حول تدخلها في الانتخابات البريطانية العام الماضي عن طريق وثائق حصلت عليها بطريقة غير شرعية.

ولم تكن بريطانيا الوحيدة التي اتهمت موسكو بل انضمت إليها هيئات أمنية أميركية وكندية اتهمت مجموعة من قراصنة تدعى "آي بي تي 29"، باستهداف جهات عدّة تشارك في تطوير لقاح ضد "كوفيد 19".

وقال معهد الأمن الإلكتروني الوطني في المملكة المتحدة إنه متأكد بنسبة تفوق 95 في المئة، أن المجموعة ترتبط بالمخابرات الروسية.

بي

وكان السفير الروسي في لندن قد رفض المزاعم بشأن المنفعة التي ستحققها روسيا إن حصلت على معلومات بشأن لقاحات قيد التطوير لكن إعلانها الثلاثاء تطوير اللقاح المنتظر من قبل جميع سكان العالم زاد الشكوك حولها.

وقال السفير الروسي إن شركة أر-فارم الروسية لصناعة الأدوية دخلت في شراكة مع شركة أسترازينيكا (البريطانية - السويدية) لصناعة لقاح طُوّر في جامعة أوكسفورد، شريطة أن تثبت فعاليته.

ويوجد أكثر من 30 لقاحًا حول العالم حاليا من إجمالي أكثر من 165 لقاح قيد التطوير  في مراحل مختلفة من التجارب البشرية. ودخلت 8 لقاحات المرحلة النهائية من الاختبارات الجماعية على البشر حاليا، بما في ذلك اللقاحات التي تنتجها شركة موديرنا في الولايات المتحدة وجامعة أكسفورد وشركة أسترازينيكا في بريطانيا والعديد من الشركات الصينية.

لكن اللقاح الذي تطوره جامعة أكسفورد وأُنتج بشراكة مع "أسترازينيكا" يعتبر من أكثر اللقاحات الواعدة وقد أظهر "استجابة مناعية قوية" على أكثر من ألف مريض ما يثير الشكوك أكثر حول التهامات الموجهة ضد موسكو.

يذكر ان روسيا لم تنشر أي دراسة مفصلة عن نتائج التجارب التي سمحت لها بتأكيد فاعلية اللقاح، ولم تشاركها مع أي جهات دولية، وهو ما دفع بعض الخبراء للتعبير عن قلقهم بشأن قرار موسكو منح الموافقة للقاح قبل استكمال التجارب النهائية.

وشككت وزارة الصحة الألمانية الثلاثاء في "نوعية وفعالية وسلامة" اللقاح ضد فيروس كورونا المستجد والذي أعلن بوتين التوصل إليه.

من جهته أعرب الدكتور أنتوني فاوتشي، مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في الولايات المتحدة، عن تشككه بصورة جدية في أمان وفاعلية اللقاح الذي أعلن  بوتين تسجيله لعلاج كورونا.

ونقلت شبكة "إيه بي سي نيوز" عن فاوتشي القول "آمل أن يكون الروس قد أثبتوا بالفعل وبشكل قاطع أن اللقاح آمن وفعال ... أنا أشك بشكل جدي في أنهم فعلوا ذلك".

وأكد أن الوصول إلى لقاح وإثبات أن أي لقاح آمن وفعال هما أمران مختلفان.

وأضاف أنه لم يسمع أي دليل يقنعه بأن اللقاح جاهز فعلا، داعيا الأميركيين إلى فهم أن "الإعلانات الصادرة عن الصينيين أو الروس بأن لديهم لقاحا" تختلف عن تلك الأميركية "لأننا لدينا طريقة للقيام بالأمور في هذا البلد وهي أننا نهتم بالسلامة".

بي

 وقال وزير الصحة الألماني ينس سبان اليوم الأربعاء إن اللقاح الروسي لم يختبر على نحو كاف مضيفا أن الهدف هو ابتكار منتج آمن وليس أن يكون بلد ما الأول في توفير لقاح للناس فحسب.

وقال سبان لراديو دويتشلاند فونك "قد يكون من الخطير البدء في منح اللقاح للملايين، إن لم يكن المليارات من الناس في وقت سابق لأوانه لأن هذا قد يقضي تماما على تقبل فكرة اللقاح إذا لم تمض الأمور على ما يرام، لذلك فأنا متشكك جدا بشأن ما يحدث في روسيا".

وأضاف "يسعدني أن يكون هناك لقاح مبدئي جيد لكن استنادا إلى كل ما نعرفه، وهذه هي المشكلة الرئيسة لأن الروس لا يخبروننا بالكثير، فهذا (اللقاح) لم يختبر على نحو كاف".

وتابع أن من المهم جدا، حتى أثناء الجائحة، إجراء الدراسات والاختبارات ذات الصلة بشكل صحيح ونشرها على الملأ للحصول على ثقة الناس في اللقاح.

وبلغت نسبة نجاح التجارب السريرية للقاح الروسي 10 بالمئة فحسب ويخشى بعض العلماء من أن تكون موسكو تضع المكانة القومية قبل السلامة.

وقال بوتين وغيره من المسؤولين إن اللقاح آمن تماما حتى انها قال إن ابنته اخذته وهي بصحة جيدة. وذكر مسؤولون حكوميون بأنه سيصرح بمنح اللقاح للأطقم الطبية ثم المعلمين على أساس تطوعي في نهاية هذا الشهر أو مطلع سبتمبر/أيلول. ومن المنتظر بدء توزيعه على نطاق جماعي في روسيا في أكتوبر/تشرين الأول.

وبعد ساعات فقط من الإعلان الروسي عن اللقاح علقت منظمة الصحة العالمية بحذر مذكّرة بأن "المرحلة التي تسبق الترخيص" والترخيص للقاح يخضعان لآليات "صارمة".

بعد ثمانية أشهر على ظهور الفيروس في الصين، لم يثبت أي لقاح اختباري حتى الآن فعاليته ضد الوباء خلال تجارب سريرية، غير أنه تم رغم ذلك شراء ما لا يقل عن 5.7 مليار جرعة مسبقا في العالم.

وبات التوصل إلى لقاح أمرا أساسيا أكثر من أي وقت مضى في حين تتجدد الإصابات في العديد من الدول بعدما أظهر انتشار المرض بوادر تباطؤ لكن عودة موجة ثانية خلال هذه الأيام يعيد المخاوف حول مصير العالم الذي أصبح بيد اللقاح المنتظر.