هل أنهى الحريري مستقبله السياسي بالتضحية بتلفزيون "المستقبل"

رئيس الوزراء اللبناني يعلن عن إغلاق تلفزيون المستقبل الذي أسسه والده في 1993 وتصفية حقوق العاملين والعاملات.

بيروت - أعلن رئيس الحكومة اللبنانية ورئيس تيار المستقبل، اليوم الأربعاء، تعليق العمل في تلفزيون المستقبل وتصفية حقوق العاملين فيه.
وقال الحريري في بيان "يعز علَّي أن أعلن اليوم قرارا بتعليق العمل في تلفزيون المستقبل وتصفية حقوق العاملين والعاملات، للأسباب المادية ذاتها التي أدت إلى إقفال جريدة المستقبل".
وأضاف "القرار ليس سهلا علَّي وعلى جمهور تيار المستقبل، ولا على جيل المؤسسين والعاملين والعاملات وملايين المشاهدين اللبنانيين والعرب، ممن واكبوا المحطة لأكثر من ربع قرن وشهدوا لتجربة إعلامية مميزة كرست الجهد والإمكانات والكفاءات لخدمة لبنان والقضايا العربية".
وأوضح الحريري أنه من المهم أن يعلم أهل "المستقبل وعموم اللبنانيين والأشقاء العرب، أن الشاشة لن تنطفىء والمحطة لا تتخذ قرارا بوقف العمل لتصبح جزءا من الماضي، بل هي تعلن نهاية مرحلة من مسيرتها لتتمكن من معالجة الأعباء المادية المتراكمة".
وأزمة تلفزيون المستقبل الذي يضم أيضًا إذاعة الشرق ليست جديدة، بل تعود إلى نحو خمس سنوات عندما باتت الإدارة تتأخر في دفع أجور الموظفين، ثم توقفت كليا عن الدفع لأشهر عديدة، لتعود وتدفع نصف الأجور وتعد بإيجاد حلول للمشاكل المادية التي تواجه المحطة، لم يتحقق شيء أبداً.

وتفاقمت الأزمة تدريجيًا، حيث لم يتلق الموظفون الذين يبلغ عددهم قرابة 430 إلا نصف راتب فقط منذ 3 أشهر.

وفي 30 يوليو/تموز توقف الموظفون عن تحضير وتقديم نشرات الأخبار ومن ثم لحق بهم قسم البرامج، فباتت المحطة تعتمد في ساعات بثها كلها على الاعادات والبرامج القديمة.

ونفذ موظفو التلفزيون اللبناني إضرابا مفتوحا عن العمل منذ مطلع أغسطس/آب الفائت بسبب عدم الحصول على رواتبهم.
وللمرة الأولى منذ تأسيسه عام 1993 على يد رئيس الحكومة اللبنانية الراحل رفيق الحريري، توقفت نشرات الأخبار والبرامج بتلفزيون المستقبل.
وحسب البيان فإن "القناة تستعد لمرحلة جديدة تتطلع فيها إلى العودة في غضون الأشهر المقبلة، بوجه يشرق على لبنان والعرب بحلةٍ إعلامية وإخبارية تتلاءم مع الإمكانات المتاحة وتحاكي اللبنانيين واللبنانيات باهتماماتهم الوطنية والاقتصادية والاجتماعية والإنمائية".

وهذا الخيار يفسر بالتكلفة الباهظة التي يمكن أن يسددها إقفال للتلفزيون نهائيا، حيث تحدثت مصادر عن صرف مستحقات وتعويضات مالية كبيرة لمئات الموظفين.

وبعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية، كان رفيق الحريري يطمح بعد توليه رئاسة الحكومة اللبنانية، إاى تأسيس محطة تترجم نظرته للبنان جديد ضمن مشاريع إعادة الاعمار والنهوض باقتصاده.

ويرى أغلب اللبنانيين أن قناة المستقبل فقدت هويتها الخاصة بعد اغتيال الحريري الأب في 2005، عندما انقسم لبنان سياسيا وطائفيا، وواجهت المحطة صعوبة في المحافظة على المستوى بسبب افتقادها لرؤية توجهها كما في الأول.

ويتخوف الشارع السني في لبنان من اغلاق تلفزيون المستقبل والثقل السياسي الذي كانت تمثله ولو رمزيا بالنسبة لاستقرار لبنان، حيث يرى أغلبهم في تنامي هيمنة حزب الله الإعلامية على الساحة اللبنانية تهديدا خصوصا وسط التوترات التي تشهدها المنطقة حاليا.

ولطالما كان تلفزيون "المستقبل" الذراع الإعلامية لتيار "المستقبل" ولرئيس الحكومة سعد الحريري الذي دأب من خلاله على بعث رسائل سياسية رداً على خصومه في محطات سياسية هامة في تاريخ لبنان.

ويرى البعض أن تضحية الحريري بهذا الامتياز سيساهم في خسارة لتياره السياسي وثقله على الساحة السياسية اللبنانية المعروفة بتركيبتها الطائفية المتجاذبة.

ويقول مراقبون للشأن اللبناني إن غياب منصة إعلامية كقناة المستقبل التي كانت تعبر عن "خطاب اعتدال" لدى السنة، سيفتح المجال أمام خطاب متطرف مواز يتم التسويق له عبر وسائل التواصل الاجتماعي لن يستطيع الإعلام التقليدي وقفه.

ولا تعد قناة المستقبل وسيلة الإعلام اللبنانية الوحيدة التي تعاني من أزمة مالية بسبب وقف الدعم الخارجي، فضلا عن تراجع السوق الإعلانية، ففي 2016 أحجمت صحيفة "السفير" اللبنانية عن الصدور نهائيا بعد مسيرة استمرت 42 عاما.
كما لجأت مؤسسات أخرى إلى إجراءات تقشفية وفرض بدل مالي مباشر مقابل خدماتها الإخبارية مثل قناتي "النهار"، و"إل. بي. سي".