هل تسعى النهضة لتقسيم المجتمع بناء على نتائج الانتخابات؟

الغنوشي يقول إن الانتخابات البلدية أظهرت "زيف الحداثيين" ما أثار جدلا في أوساط القوى المدنية في تونس.
نتائج الانتخابات وضعت حركة النهضة على محك المشاغل اليومية للمواطنين
تصريحات الغنوشي تدفع باتجاه الصراع المجتمعي

تونس ـ أثارت تصريحات راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الإسلامية بأن نتائج الانتخابات البلدية التي جرت في 6 مايو/ايار والتي فازت بنتائجها الحركة أظهرت "زيف الحداثيين" جدلا في أوساط القوى المدنية التي رأت فيها سعيا إلى تقسيم المجتمع التونسي إلى إسلاميين وعلمانيين.

وخلافا لتصريحات الغنوشي ترى القوى السياسية والمدنية أن نتائج الانتخابات أظهرت انتصار الناخبات والناخبين لقائمات الأحزاب العلمانية واللبرالية إضافة لقائمات المستقلة إذ حصلت تلك القائمات مجتمعة على نسبة تصويت تناهز 63 بالمئة موزعة بين نداء تونس والتيار الديمقراطي والائتلاف المدني والمستقلين فيما حصلت النهضة على 28.64 بالمئة.

وكان الغنوشي اختار صحيفة "الخبر" الجزائرية ليدلي بحديث نشر الاثنين  شدد خلاله على أن نتائج الانتخابات أظهرت تأييد الناخبات والناخبين للحركة باعتبارها حركة ديمقراطية كما أظهرت "زيف مزاعم الحداثيين" في إشارة إلى الأحزاب العلمانية.

وتعليقا على تصريحات الغنوشي أعربت دليلة بن مبارك مصدق الناشطة في المجتمع المدني عن "استغرابها من حديث رئيس النهضة عن الحداثة والحال أن الحركة لم تتخلص بعد من خلفيتها العقائدية مما يجعلها أقرب لجماعات الإسلام السياسي أكثر منها حزبا سياسيا يؤمن بمدنية والدولة والشأن العام".

دليلة مصدق: نتائج الانتخابات عكست تآكل القواعد الانتخابية للنهضة
مصدق: نتائج الانتخابات عكست تآكل قواعد النهضة

وقالت مصدق وهي تتحدث إلى مراسل ميدل ايست أونلاين إن "نتائج الانتخابات لم تعكس فقط عزوف الناخبات والناخبين على التصويت للنهضة بل عكست أيضا تآكل القواعد الانتخابية للنهضة نفسها" مشددة على أن من المخاتلة والتضليل وصف القوى الديمقراطية بـ"الزيف" والحال أن قائماتهم استأثرت مجتمعة بنسبة تصويت بـ 63 بالمئة.

وكان الغنوشي أقر في أعقاب نتائج الانتخابات بأن القواعد الانتخابية للنهضة تآكلت لافتا إلى أن نسبة التصويت للحركة تراجعت بنسبة 40 بالمئة على الرغم من أهمية الاستحقاق الانتخابي الذي ركز لأول مرة في تاريخ تونس مؤسسات الحكم المحلي.

ويرى خصوم النهضة أن الحركة ما انفكت منذ العام 2011 تاريخ وصولها إلى الحكم تصر على التعسف على المجتمع التونسي من خلال الترويج لفكرة خاطئة مفادها أن التونسيين ينقسمون إلى إسلاميين ممثلين في النهضة وإلى علمانيين ممثلين في الخصوم.

وقالت مصدق إن إصرار النهضة على تقسيم المجتمع هو إصرار ممنهج ومضلل لأن حقيقة الصراع ليس بين العلمانيين والإسلاميين كما تروج له الحركة وإنما هو صراع على برامج اقتصادية واجتماعية وسياسية تكون كفيلة بحل الأزمة الهيكلية في تونس".

وأضافت مصدق أن "اتهام الغنوشي للقوى الديمقراطية بالزيف إنما هو محاولة لتغطية فشل النهضة خلال السنوات السبع الماضية في كسب ثقة غالبية التونسيين وفشلها في الحكم إذ لم تقدم إلى حد الآن أي برامج تنموية وسياسية تحرك التاريخ التونسي".

وتقر الأحزاب العلمانية بأنه ما كان للنهضة أن تفوز بنتائج الانتخابات لولا حالة التشرذم التي تعصف بالقوى الديمقراطية فيما لا يتردد مراقبون بوصف تلك القوى بالانهزامية والانتهازية ومفاضلة المصالح الحزبية وحتى الشخصية على المصلحة الوطنية العليا.

وتظهر قراءات أن شرعية "الأوزان الانتخابية" التي كثيرا ما استخدمتها النهضة لفرض تموقعها سواء في تركيبة الحكومات المتعاقبة أو في المشهد السياسي العام تكاد تنتهي سياسيا في ظل فوز طبقة سياسية مستقلة من الجيل الجديد العازف عن النشاط الحزبي.

ووضعت نتائج الانتخابات حركة النهضة على محك المشاغل اليومية للمواطنين في الجهات الداخلية وفي الأحياء الشعبية وهي مشاغل لا يجدي معها لا الخطاب السياسي ولا المشاريع الجوفاء في ظل تمسك التونسيين بتحسين ظروف عيشهم التي تردت.

ولعل افتقاد النهضة للخبرة في إدارة الحكم المحلي الأكثر تعقيدا من الشأن العام هو ما دفع بها إلى الاستنجاد بالكوادر الوسطى للتجمع الدستوري الديمقراطي المنحل الذي كان يرأسه الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي باعتبارهم الأكثر كفاءة وخبرة.

وبراي دليلة بن مبارك مصدق فإن "فشل النهضة في الحكم طيلة سبع سنوات هو ما دفعها إلى الإمعان في تضليل الراي العام من خلال التأكيد على أن الصراع بين الأحزاب السياسية هو صراع مجتمعي والحال أن المعركة الحقيقية هي معركة حول التنمية والشغل وتحسين المقدرة الشرائية للمواطن والقضاء على الفقر والتهميش والحيف".

وعلى الرغم من أن الاستحقاق البلدي هو استحقاق تنموي بامتياز إلا أن النهضة تعاطت معه ومع نتائجه كما لو أنه استحقاقا برلمانيا أو حتى رئاسيا وجندت قياداتها وكوادرها للترويج إلى أن فازت ديمقراطيا على حساب النداء في ما سماه الغنوشي بالحرب الباردة.

خطاب الغنوشي يبرز الوجه الحقيق للنهضة
خطاب الغنوشي يبرز الوجه الحقيق للنهضة

ويقلل المراقبون من فوز النهضة مشددين على أن تدني الثقة فيها من قبل غالبية التونسيين إضافة إلى فقدانها لنصف أنصارها يعد مؤشرا على ان ما حققته لا يعدو أن يكون سوى "انتصارا بمفردات الهزيمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية".

وقالت مصدق إن " تصريحات الغنوشي التي تدفع باتجاه الصراع المجتمعي لن تمثل خطرا على تونس المتعددة فكريا وسياسيا والمتضامنة والمتماسكة اجتماعيا".

غير أن ذلك لا ينفي أن القوى السياسية المدنية تساورها مخاوف من استغلال النهضة للمجالس البلدية لاختراق المجتمع وخاصة الفئات الهشة من خلال مساومة تقديم الخدمات الإدارية للبلديات للمواطن باستمالتها وانتزاع الولاء إليها.

ومما يعزز هذه الفرضية هو طبيعة البنية العقائدية والسياسية للنهضة ذاتها كحركة إسلامية شأنها شأن الحركات الإخوانية الأخرى التي تضع مشاغل "الإخوة" في صدارة اهتماماتها وهو ما يتناقض مع مبدأ التمييز الإيجابي بين المواطنين بعيدا عن أية خلفية.

ويبدو، كما يذهب إلى ذلك نشطاء، أن فوز النهضة لا يعدو أن يكون فوزا مسموما في ظل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الهشة إذ ستواجه الحركة مباشرة المشكلات المعيشية لأهالي يطالبون بحلول عملية مستعجلة ولا يعنيهم في شيء ما إذا كان هذا المجلس البلدي أو ذاك تستأثر به الحركة أو غيرها من الأحزاب والمستقلين.

وبرأي مصدق فإن النهضة التي فشلت طيلة سنوات سبع خلت في الحكم وفي كسب ثقة التونسيين والطبقة السياسية هي عاجزة على إدارة الشأن المحلي وعلى توفير الحلول العملية والحقيقية للمعضلات التنموية التي تفرض خططا بناء على مشاغل الناس.

وتوقعت مصدق "مستقبلا أسودا للنهضة" مشددة على أنها قضت على نفسها بنفسها وعلى أن فوزها لا يستبطن انتصارا سياسيا بقدر ما يستبطن الاستفادة من حالة التشرذم التي يعيشها خصومها".

وشددت دليلة مبارك مصدق وهي تتحدث لمراسل ميدل ايست أونلاين على أن تصريح الغنوشي القائلة بـ"زيف الحداثيين" يستبطن نزعة تحويل وجهة الأزمة الهيكلية التي تشهدها البلاد والأوضاع المعيشية المتردية إلى صراع مجتمعي وتقسيم التونسيين في مسعى لتغطية فشل النهضة في الحكم رغم ما تتمتع به من إمكانيات هامة.