هل تضيق الأرض عن قريب بمن فوقها؟
واشنطن - من المتوقع أن يصل عدد سكان الأرض في 15 تشرين الثاني/نوفمبر 2022 إلى 8 مليارات نسمة، ما يطرح تساؤلا مشروعا عن العدد الأقصى للتعداد البشرية الذي يمكن للكوكب تحمله.
وفي العام 1994 عندما كان عدد سكان العالم 5.5 مليارات فقط، قدر فريق من الباحثين من جامعة ستانفورد في كاليفورنيا أن الحجم المثالي المفترض لسكان الأرض هو بين 1.5 وملياري نسمة.
ورغم أن الجدل حول العدد المثالي للأشخاص على هذا الكوكب لا ينتهي، فإن العديد من العلماء يعتقدون أن الأرض لديها قدرة استيعابية قصوى من 9 مليارات إلى 10 مليارات نسمة.
في الوقت الحالي يعيش ما يقرب من 8 مليارات شخص على الأرض، ووفقا لقسم السكان في الأمم المتحدة فإننا في طريقنا إلى بلوغ 9 مليارات بحلول عام 2050 و10 مليارات بحلول عام 2100.
ولم يكن كوكبنا مزدحما بهذا الشكل من قبل، وفقا لموقع لايف ساينس العلمي، فإنه منذ حوالي 300 ألف عام، عندما ظهر الإنسان العاقل لأول مرة على الأرجح، كان إجمالي عدد سكان الأرض صغيرا بين 100 و10 آلاف شخص. ومن ثم استغرق الأمر ما يقرب من 35 ألف عام حتى يتضاعف العدد.
يقول جويل إي كوهين، عالم الأحياء السكانية ورئيس مختبر السكان في جامعة روكفلر وجامعة كولومبيا في مدينة نيويورك، إنه بعد اختراع الزراعة منذ نحو 15 ألفا إلى 10 آلاف سنة، كان هناك ما بين مليون و10 ملايين فرد على الأرض، واستغرق الأمر 1500 سنة حتى تضاعف العدد.
وبحلول القرن الـ16، انخفض الوقت اللازم لتضاعف عدد السكان إلى 300 عام. وبحلول مطلع القرن الـ19، استغرق الأمر 130 عاما فقط. ومنذ عام 1930 وحتى عام 1974 تضاعف عدد سكان الأرض مرة أخرى في 44 عاما فقط.
وفقا لموقع "إن بي سي نيوز"، فإنه بصرف النظر عن الكمية المحدودة المتوفرة من المياه العذبة، فإنه يوجد بالفعل حد لكمية الغذاء التي يمكن أن تنتجها الأرض، تماما كما جادل الفيلسوف مالتوس منذ أكثر من 200 عام.
كتب إدوارد ويلسون، عالم الأحياء الاجتماعية البارز بجامعة هارفارد في كتابه "مستقبل الحياة ، أنه "إذا وافق الجميع على أن يصبحوا نباتيين ولم يتركوا سوى القليل أو لا شيء للماشية، فإن 3.5 مليارات فدان حاليا من الأراضي الصالحة للزراعة ستكفي لحوالي 10 مليارات شخص".
وأوضح أن 3.5 مليارات فدان ستنتج ما يقرب من ملياري طن من الحبوب سنويا، وهو ما يكفي لإطعام 10 مليارات شخص، لكنه لن يطعم سوى 2.5 مليار من الحيوانات آكلة اللحوم، لأن الكثير من النباتات مخصصة للماشية والدواجن.
الأرض يمكن أن تتحمل على الأكثر 1.5 مليار شخص بمستوى معيشي أميركي
لذا فإن 10 مليارات شخص، في نظره، هو الحد الأقصى للسكان الذين يمكن أن تتحمل الكرة الأرضية إطعامهم. ونظرا لأنه من غير المحتمل للغاية أن يوافق الجميع على التوقف عن تناول اللحوم، يعتقد ويلسون أن الحد الأقصى للقدرة الاستيعابية للأرض استنادا إلى الموارد الغذائية من المرجح ألا يصل إلى 10 مليارات.
من جهته، يقول كوهين إنه توجد بعض العوامل البيئية الأخرى التي تحد من القدرة الاستيعابية للأرض مثل دورة النيتروجين والكميات المتاحة من الفوسفور وتركيزات الكربون في الغلاف الجوي، ولكن هناك قدرا كبيرا من عدم اليقين في تأثير كل هذه العوامل.
جدير بالذكر أيضا أن البلدان الغنية تستهلك موارد بما لا يتناسب مع عدد سكانها. وفقا لمعهد الأبحاث البيئي "ورلد وتش إنستيتيوت" (World watch Institute)، يتيح كوكب الأرض 1.9 هكتار من الأرض لكل شخص لزراعة الأغذية والمنتجات المستخدمة في صناعة الملابس وفي الأنشطة الأخرى مثل التدفئة وغيرها، في حين يستهلك الشخص الأميركي العادي حوالي 9.7 هكتارات.
وتشير هذه البيانات وحدها إلى أن الأرض يمكن أن تتحمل على الأكثر خُمس السكان الحاليين، أي 1.5 مليار شخص بمستوى معيشي أميركي.
وفقا لموقع كونفرسيشن، فإنه إضافة إلى الطعام فإن الماء أمر مهم جدا بالنسبة لجميع الكائنات الحية، فمن الناحية البيولوجية يحتاج الإنسان البالغ إلى أقل من 1 غالون (حوالي 4 لترات) من الماء يوميا، إلا أنه في العام 2010 على سبيل المثال استهلك كل فرد في الولايات المتحدة أكثر من ألف غالون (4 آلاف لتر) ماء يوميا، تم توزيعها كالتالي: النصف لتوليد الكهرباء والثلث للري وحوالي العُشر للاستخدام المنزلي.
وبالتالي إذا استهلك سكان الأرض المياه بالمستويات الأميركية، فإن الاستخدام العالمي سيتجاوز 10 آلاف كيلومتر مكعب في السنة، في الوقت الذي يبلغ إجمالي الإمداد العالمي من بحيرات وأنهار المياه العذبة حوالي 91 ألف كيلومتر مكعب.
وتظهر أرقام منظمة الصحة العالمية أن 2.1 مليار شخص يفتقرون إلى إمكانية الحصول على مياه الشرب الآمنة بالفعل.
إن عدد الأشخاص الذين يمكن أن يتحملهم كوكب الأرض من الصعب أن يكون رقما ثابتا، لأنه يعتمد على الطريقة التي ينتج بها البشر ويستهلكون الموارد الطبيعية. فقد وجدت إحدى الدراسات المنشورة في مجلة "بروسيدينغس أوف ذا ناشونال أكاديمي أوف ساينس، أنه إذا تحول سكان الولايات المتحدة إلى نظام غذائي نباتي فإن ذلك يعادل إطعام 350 مليون أميركي بالإضافة إلى العدد الحالي.
خلاصة الأمر، أنه بحسب العلماء قد يكون هناك حد أقصى لعدد البشر الذين يمكن أن تتحملهم الأرض، لكننا لا نعرف بالضبط ما هذا الرقم، لأنه يختلف بناء على كيفية إنتاجنا واستهلاكنا وإدارة مواردنا.
لكننا لحسن الحظ، قد نكون بمنأى عن دخول مرحلة نهاية الزمان بسبب الاكتظاظ السكاني والمجاعة التي تصورها مالتوس. فوفقا لقسم السكان في الأمم المتحدة فإنه رغم كوننا في الطريق إلى عدد سكان يبلغ 9 مليارات بحلول عام 2050 و10 مليارات بحلول عام 2100، فإن تقديراتها لاتجاهات السكان العالمية تظهر أن العدد سيتضاءل بعد ذلك.
وأكدت دراسة أن عدد سكان الكوكب سيبلغ ذروته في عام 2064 حين يصل إلى 9 مليارات و700 مليون نسمة، ليسلك بعد ذلك مسارا انحداريا حتى عام 2100 حين سيصل عدد البشر إلى 8 مليارات و800 مليون نسمة.