هل تكرر واشنطن تجربة بول بريمر في غزة؟

الفلسطينيون يرفضون فكرة تعيين حاكم أميركي على غزة في تكرار لتجربة العراق ردا على تقارير غربية.

غزة - كشفت تقارير غربية عن نية الولايات المتحدة وإسرائيل مناقشة قيادة واشنطن لإدارة مؤقتة في غزة بعد الحرب في تكرار لتجربة سابقة في العراق بعد الغزو الأميركي وهو ما يرفضه الفلسطينيون، فيما لا يزال ملف حكم القطاع يثير جدلا واسعا مع استمرار الصراع ورفض إسرائيل بقاء حماس او عودة سلطة الرئيس محمود عباس.
وأفادت خمسة مصادر بأن المشاورات "رفيعة المستوى" تركزت على تشكيل حكومة انتقالية برئاسة مسؤول أميركي تشرف على غزة إلى أن يصبح القطاع منزوع السلاح ومستقرا وظهور إدارة فلسطينية قادرة على العمل.
واوضحت إن المناقشات، التي لا تزال أولية، تشير إلى أنه لن يكون هناك جدول زمني محدد لمدة بقاء إدارة من هذا القبيل بقيادة الولايات المتحدة، إذ سيعتمد الأمر على الوضع على الأرض.
وشبهت المقترح بسلطة التحالف المؤقتة في العراق التي أنشأتها واشنطن عام 2003، بعد وقت قصير من الغزو الذي قادته الولايات المتحدة والذي أطاح بصدام حسين. وتحدثت المصادر شريطة عدم الكشف عن هويتها لكونها غير مخولة بمناقشة المحادثات علنا.
وكان العديد من العراقيين ينظرون إلى هذه السلطة على أنها قوة احتلال، ونقلت السلطة إلى حكومة عراقية مؤقتة عام 2004 بعد فشلها في احتواء تمرد متنام.
وأضافت المصادر أن دولا أخرى ستُدعى للمشاركة في السلطة التي تقودها الولايات المتحدة في غزة، دون تحديد هذه الدول. وقالت إن الإدارة ستستعين بتكنوقراط فلسطينيين، لكنها ستستبعد حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) والسلطة الفلسطينية، التي تتمتع بسلطة محدودة في الضفة الغربية المحتلة.
وأشعلت حماس، التي تحكم غزة منذ 2007، فتيل الحرب الحالية عندما اقتحم مسلحون منها تجمعات سكنية بجنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر تشرين الأول 2023، مما تسبب في مقتل نحو 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، واقتياد 251 آخرين رهائن إلى القطاع.
وأفادت المصادر بأنه لم يتضح بعد ما إذا كان من الممكن التوصل إلى اتفاق. وأضافت أن المناقشات لم تحرز تقدما إلى حد تحديد من سيتولى الأدوار الأساسية.
ولم تحدد المصادر الطرف الذي قدم الاقتراح، ولم تقدم مزيدا من التفاصيل عن المحادثات.
وردا على أسئلة عما إذا كانت هناك مناقشات مع إسرائيل بشأن سلطة مؤقتة بقيادة الولايات المتحدة في غزة، لم يعلق متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية بشكل مباشر قائلا إنه لا يستطيع التحدث عن المفاوضات الجارية.
وقال المتحدث "نريد السلام، والإفراج الفوري عن الرهائن"، مضيفا "لا تزال ركائز نهجنا ثابتة: الوقوف مع إسرائيل والدفاع عن السلام".
وفي مقابلةٍ أجريت في أبريل/نيسان مع قناة سكاي نيوز عربية المملوكة للإمارات، قال وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر إنه يعتقد أن هناك "فترة انتقالية" بعد انتهاء الصراع تشرف فيها على غزة هيئة دولية تضم "دولا عربية معتدلة" ويعمل الفلسطينيون تحت إشرافها.
وأضاف "لا نسعى للسيطرة على الحياة المدنية لسكان غزة. مصلحتنا الوحيدة في قطاع غزة هي الأمن"، دون أن يسمي الدول التي يعتقد أنها ستشارك. 
ورفض إسماعيل الثوابتة، مدير مكتب الإعلام الحكومي في غزة الذي تديره حماس، فكرة وجود إدارة بقيادة الولايات المتحدة أو أي حكومة أجنبية، قائلا إن على الشعب الفلسطيني في غزة اختيار حكامه.

خطة تعيين حاكم أميركي في غزة ستواجه بمقاومة من الفصائل
خطة تعيين حاكم أميركي في غزة ستواجه بمقاومة من الفصائل

من جانبه قال وزير العدل الفلسطيني، شرحبيل الزعيم، بأن السلطة الفلسطينية لا تعير جدية كبيرة للتسريبات معتبرًا أنها لا تعدو كونها محاولات لجس نبض الشارع الفلسطيني في ظل الأزمة الإنسانية الحادة التي تعصف بالقطاع، والتي بلغت ذروتها مع إعلان الأمم المتحدة أن غزة أصبحت رسميًا منطقة تعاني من المجاعة.
وأوضح الزعيم، في تصريحات لوسائل إعلام مصرية، أن الحكومة الفلسطينية لم تتلقَ أي مقترحات رسمية من الولايات المتحدة أو من أي جهة أخرى تتعلق بمستقبل إدارة غزة، مؤكدًا أن القيادة الفلسطينية لم تتعامل مع هذه التقارير بأي شكل من الأشكال، نظرًا لانعدام الجدية والمصداقية فيها.
وتساءل بنبرة حادة "هل يمكن لأي فلسطيني، أو حتى من له جذور فلسطينية، أن يقبل بحكم يُفرض على غزة بقوة السلاح الأمريكي أو الإسرائيلي؟"، في إشارة واضحة إلى أن أي إدارة تُفرض بالقوة العسكرية ستُواجه برفض شعبي ولن تحظى بأي شرعية داخلية.
وستجبر سلطة مؤقتة بقيادة الولايات المتحدة في غزة واشنطن على الانخراط بقدر أكبر إلى الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وستمثل أكبر تدخل لها في الشرق الأوسط منذ غزو العراق.
وقال مصدران إن مثل هذه الخطوة ستحمل في طياتها مخاطر كبيرة تتمثل في رد فعل قوي من حلفائها وخصومها في الشرق الأوسط، إذا ما اعتُبرت واشنطن قوة محتلة في غزة.
واقترحت الإمارات - التي أقامت علاقات دبلوماسية مع إسرائيل عام 2020 - على الولايات المتحدة وإسرائيل تشكيل تحالف دولي للإشراف على إدارة غزة بعد الحرب. وربطت أبوظبي مشاركتها بإشراك السلطة الفلسطينية المدعومة من الغرب، وإيجاد مسار موثوق نحو إقامة دولة فلسطينية.
وترفض القيادة الإسرائيلية، بما في ذلك نتنياهو، رفضا قاطعا أي دور للسلطة الفلسطينية في غزة، وتتهمها بمعاداة إسرائيل. ويعارض نتنياهو أيضا السيادة الفلسطينية.
وقال نتنياهو يوم الاثنين إن إسرائيل ستوسع هجماتها على غزة مع نقل المزيد من سكان غزة "حفاظا على سلامتهم". ولا تزال إسرائيل تسعى لاستعادة 59 رهينة محتجزين في القطاع. ووفقا لبيانات وزارة الصحة في غزة، أسفرت الحملة العسكرية الإسرائيلية على القطاع عن مقتل أكثر من 52 ألف فلسطيني حتى الآن.
ودعا بعض أعضاء ائتلاف نتنياهو اليميني علنا إلى ما وصفوه بالهجرة الجماعية "الطوعية" للفلسطينيين من غزة، وإلى إعادة بناء مستوطنات يهودية داخل القطاع الساحلي.
لكن خلف الأبواب المغلقة، يدرس بعض المسؤولين الإسرائيليين أيضا مقترحات بشأن مستقبل غزة، والتي تقول مصادر إنها تفترض عدم حدوث نزوح جماعي للفلسطينيين من القطاع، مثل اقتراح الإدارة المؤقتة بقيادة الولايات المتحدة.
وذكرت أربعة مصادر، منهم دبلوماسيون أجانب ومسؤولون إسرائيليون سابقون مطلعون، أن من بين هذه المقترحات حصر إعادة الإعمار على مناطق أمنية محددة وتقسيم القطاع وإقامة قواعد عسكرية دائمة.