هل تنجح إسرائيل في إقامة منطقة عازلة في جنوب لبنان

مسؤول لبناني يؤكد أن نسبة الدمار في 18 قرية موزعة على طول الحدود بين لبنان وإسرائيل تصل الى 70 بالمئة.

بيروت – تشير كل المؤشرات إلى أن إسرائيل تسعى إلى إنشاء منطقة عازلة بهدف منع حزب الله من العودة الى المناطق الحدودية بعد وقف المعارك، في مسعى يشكك محللون بإمكانية نجاحه.

ومع التدمير المنهجي لقرى وبلدات في جنوب لبنان، يبدو أن القوات الإسرائيلية عازمة بالفعل على انشاء المنطقة العازلة وجعلها مكشوفة عبر سياسة الأرض المحروقة التي انتهجتها بشكل ممنهج منذ بداية المواجهات العسكرية مع حزب الله.

وبعد نحو عام من تبادل الحزب القصف مع إسرائيل، في إطار جبهة "إسناد" فتحها من جنوب لبنان دعما لحليفته حركة حماس الفلسطينية، كثّفت القوات الإسرائيلية منذ 23 سبتمبر/أيلول حملتها الجوية على معاقل الجماعة اللبنانية. وبدأت في نهاية الشهر ذاته عمليات توغل برية عند الحدود.

ويقول بيتر هارلنغ مدير شبكة سينابس للأبحاث ومقرها بيروت، إن "إسرائيل تعمل على ما يبدو على إنشاء منطقة عازلة غير قابلة للسكن على طول الحدود".

وتوغلت القوات الإسرائيلية منذ مطلع الشهر الماضي داخل عدد من البلدات الحدودية، حيث نفذت عمليات تفجير واسعة لمنازل وأحياء سكنية بعدما انسحبت منها، وفق ما أظهرت عدة مقاطع فيديو نشرها جنود ووسائل إعلام إسرائيلية.

ويقول هاشم حيدر رئيس مجلس الجنوب المكلف من السلطات اللبنانية بمسح الأضرار، إن نسبة الدمار في 18 قرية موزعة على طول الحدود بين البلدين البالغة نحو 120 كيلومترا، تصل الى "سبعين في المئة"، مشيرا الى أن "عدد الوحدات السكنية المهدمة بلغ 45 ألف وحدة".

ونجم جزء من هذا الدمار عن الغارات التي شنّتها اسرائيل بشكل شبه يومي منذ الثامن من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وتقول خبيرة شؤون حزب الله في المعهد الإسرائيلي لدراسات الأمن القومي أورنا مزراحي، إن تل أبيب تسعى للحصول على "بعض الضمانات بأنّ حزب الله لم يعد قريبا من الحدود وليس بمقدوره شنّ أي هجمات على الجزء الشمالي من إسرائيل"، مضيفة "لكنني لا أعتقد أن الأمر سيكون بمثابة منطقة عازلة.. نريد ان يعيش الناس على الجانب الآخر لكننا لا نريد حزب الله هناك".

وبحلول السابع من نوفمبر/تشرين الثاني من الشهر الحالي، كان أكثر من نصف الوحدات السكنية في عشر قرى حدودية قد دمر، وفق خرائط من مايكروسوفت وتحليل صور أقمار اصطناعية أجراه الباحثان الأميركيان كوري شير وجامون فان دان هوك.

وبين تلك القرى ميس الجبل الملاصقة للشريط الحدودي الفاصل بين البلدين، حيث جرى استهداف أكثر من ألف وحدة سكنية وفق مسؤول محلي. ويقول رئيس بلديتها عبدالمنعم شقير "هدف التدمير الإسرائيلي للقرية هو تحويل المنطقة الحدودية إلى أرض محروقة".

وكانت البلدة تؤوي قرابة ثلاثين ألف شخص قبل نزوحهم منها تباعا خلال الأشهر الماضية. ويقول شقير "لقد دمروا المدارس والمساجد والبنى التحتية، حتى أن المقابر لم تسلم من القصف".

وفي قرية محيبيب الواقعة على هضبة مجاورة، تمت تسوية أكثر من 84 في المئة من المنازل بالأرض في 7 نوفمبر/تشرين الثاني، بينما لم تبق إلا بضع وحدات سكنية على أطراف القرية. وكانت محيبيب من أولى القرى التي فجّرتها القوات الإسرائيلية عند الحدود.

وفي يارون، اختفت 380 وحدة سكنية من إجمالي نحو 500 ضمّها وسط البلدة الحدودية. وتحولت أحياء بأكملها في عيتا الشعب الى ركام، بعد دمار ستين في المئة منها.

ويرى العميد المتقاعد في الجيش اللبناني حسن جوني أن إسرائيل تريد عبر تدمير القرى الحدودية وحرق الأحراش المحيطة بها، أن تعزز قدرتها على مراقبة المنطقة الحدودية.

واتهم لبنان مرارا الجيش الإسرائيلي بحرق مناطق حرجية واسعة وحقول زراعية قرب الحدود، باستخدام أسلحة حارقة بينها الفوسفور الابيض.

ويقول جوني "يريد أن تصبح المنطقة العازلة مكشوفة أمامه من أجل الرصد والمراقبة في حال فكر أحدهم أن يعيد تجربة السابع من أكتوبر/تشرين الاول 2023 التي حصلت في غزة، في جنوب لبنان".

وكانت اسرائيل اتهمت مرارا قوة الرضوان، وحدة النخبة في حزب الله، والتي وجهت لها ضربات دامية، بوضع خطة لاقتحام منطقة الجليل الحدودية مع لبنان والسيطرة عليها.

ويقول هارلنغ إن إسرائيل "تختبر دفاعات حزب الله بهدف القيام بعمليات برية أكثر طموحا وتحاول تعميم مبدأ العمليات الانتقامية الواسعة المطبق في غزة على أجزاء معينة من لبنان".

شبكة أنفاق

وفي عام 2000، انسحبت إسرائيل من جنوب لبنان تحت وطأة ضربات حزب الله بعد 22 عاما من الاحتلال. وصيف 2006، خاض الحزب والجيش الاسرائيلي حربا مدمرة انتهت بصدور القرار الدولي 1701 الذي أرسى وقفا للأعمال الحربية ونصّ على انسحاب إسرائيل الكامل من لبنان وتعزيز انتشار قوة الامم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) وحصر الوجود العسكري في المنطقة الحدودية بالجيش اللبناني والقوة الدولية.

إلا أنه لم يصر إلى تطبيق الاتفاق من الطرفين. وتقود الولايات المتحدة حاليا جهود وساطة بين الطرفين تتمحور حول تطبيق القرار كاملا.

ويقول المحلل السابق في وزارة الخارجية الإسرائيلية كاليف بن دور إن هناك "تهديدين رئيسيين يشكلهما حزب الله"، يتمثل الأول "بالصواريخ بعيدة المدى" التي يمكن للحزب إطلاقها من مسافات بعيدة.

أما التهديد الثاني فتجسده "قوة الرضوان التي كانت تتواجد قرب الحدود ونعرف أنها كانت تستعد لغزو مشابه للسابع من أكتوبر/تشرين الأول" في غزة.

وفي 16 أكتوبر/تشرين الأول أعلن الجيش الإسرائيلي أنه "دمّر شبكة أنفاق" تابعة لحزب الله، قال إنها مبنية تحت المنازل في قرية في محافظة النبطية جنوبا وخصصتها قوة الرضوان "للاستعداد لتنفيذ خطة ما يسمى احتلال الجليل".

ويرى بن دور أن "المنطقة العازلة لا يمكنها أن تفعل الكثير أمام الصواريخ" لكنها "ستمنع حزب الله من العودة الى الجنوب وإقامة مواقع هناك".

أما حسن جوني الخبير العسكري اللبناني، فيرجح أن تكون خطة اسرائيل محكومة بالفشل، موضحا أنه "لا يمكن للإسرائيلي أن يحافظ على هذا المعطى (منطقة عازلة) لأن أي اتفاق سياسي سيسمح للناس بالعودة إلى مناطقهم وإعادة بناء منازلهم".