هل عصفت أزمة الشاهد بالتحالف بين النداء والنهضة؟

حافظ قائد السبسي يهاجم ضمنيا حركة النهضة المتمسكة ببقاء الشاهد وطالبها بتقديم دليل واحد على الاستقرار في أي مجال من المجالات.
المدير التنفيذي لنداء تونس يطالب بتحوير حكومي عميق
مراقبون يرون أنها بداية حرب باردة بين التحالف الهش

هاجم حافظ قائد السبسي المطالب برحيل رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد بشدة ضمنيا حركة النهضة المتمسكة ببقائه تحت عنوان "الاستقرار" وطالبها بـ"تقديم دليل واحد على الاستقرار في أي مجال من المجالات الأمر الذي رأى فيه مراقبون بداية حرب باردة بين التحالف الهش. ويطالب السبسي المدير التنفيذي لحزب نداء تونس بتحوير حكومي عميق وتركيز تركيبة هيكلية جديدة نتيجة فشل حكومة الشاهد فيما تتمسك النهضة ببقائه بذريعة الحفاظ على الاستقرار السياسي ما عمق الخلافات بين الحزبين الكبيرين.

وقال حافظ في تدوينة على صفحته الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي الـ"الفايس بوك" " أريد أن أقول لهؤلاء التالي: ما هو الاستقرار الذي تطالبون بالمحافظة عليه، الاستقرار في تدهور المقدرة الشرائية للشعب التونسي؟ الاستقرار في الانهيار المريع لكل المؤشرات الاقتصادية؟ الاستقرار في انهيار قيمة الدينار؟ الاستقرار في أزمة المالية العمومية؟ الاستقرار في العجز عن إنجاز أي إصلاح وحيد يذكر؟".

وتعكس هذه الأسئلة الإنكارية حقيقة الأوضاع إذ تدهورت المقدرة الشرائية بنسبة لا تقل عن 40 في المئة واستفحال الغش وفق بيانات منظمة الدفاع عن المستهلك ولم تتجاوز نسبة النمو 2 بالمئة وتراجعت قيمة الدينار بشكل مريع مقابل الدولار والأورو فيما تفقم العجز التجاري لترتفع نسبته إلى 72.1 بالمئة وفق إحصائيات المعهد الوطني للإحصاء.  وأضاف السبسي متسائلا "ما هو الاستقرار الذي تطابون به، الاستقرار في التداين من أجل خلاص الأجور؟ الاستقرار في غياب أي رؤية للإصلاح الاقتصادي؟.

وارتفعت نسبة التداين الخارجي لتونس إلى 69.9 بالمئة يتم ضخها على موازنة الدولة لتأمين رواتب الموظفين بعد أن تفاقم عجزها ليصل إلى 6 بالمئة نتيجة غياب أي خطة استراتيجية لإدخال إصلاحات هيكلية كبرى من شأنها إنعاش الاقتصاد المتهالك.

وتوجه السبسي إلى القائلين بتمسك بالشاهد "عن أي استقرار تتحدثون، الاستقرار في التلاعب بالعلاقة مع الأطراف الاجتماعية الفاعلة من المسايرة السلبية إلى التوتر والصدام؟ الاستقرار في انهيار احتياطي العملة الصعبة بشكل غير مسبوق؟  الاستقرار في تثبيت تونس على القائمات السوداء كما لم يحصل أبدا في تاريخها"؟

ويشير حافظ بذلك إلى السياسات التي انتهجها الشاهد في علاقته بمنظمات المجتمع المدني وفي مقدمتها الاتحاد العام التونسي للشغل الذي تحولت علاته بالحكومة من التوتر إلى نوع من الصدام على خلفية التلاعب به وتهميش دوره الاجتماعي والسياسي.

وهذه هي المرة التي يصرح فيها المدير التنفيذي للحزب الذي يقود الحكومة بأن الشاهد يتلاعب بالقوى المدنية وهو موقف ينسجم تماما مع موقف الاتحاد العام التونسي للشغل.

وتستبطن اشارة حافظ إلى تصنيف تونس ضمن اللائحة السوداء في تمويل الإرهاب وتبييض الأموال من قبل الاتحاد الأوروبي اتهام الشاهد بعدم بذل ما يكفي من الجهود لمكافحة الجماعات الممولة للإرهاب بصفة خاصة والجماعات الدينية المتشددة والجمعيات الخيرية التي يشرف عليها سلفيون يعدون أذرعا عقائدية ومالية للنهضة.

وشدد حافظ يقول متوجها على ما يبدو إلى حركة النهضة "فقط فليقدم لنا هؤلاء إنجازا وحيدا لهذا الاستقرار الحكومي لعلنا نقتنع معهم".

وكان رضا سكنداري ممثل النهضة في لجنة الخبراء قال لمراسل ميدل ايست أونلاين إن "عامل الاستقرار هو الذي دفع بالنهضة للتمسك بالشاهد رئيسا للحكومة".

انتقادات لتحركات الغنوشي الخارجية
انتقادات لتحركات الغنوشي الخارجية

وفي تعليق على المؤشرات الاقتصادية التي تظهر غياب أي استقرار اقتصادي أو اجتماعي قال معز الجودي الخبير المالي إن "الاستقرار مرتبط بضرورة إدخال إصلاحات هيكلية كبرى بناء على رؤية استراتيجية من شأنها إنعاش الاقتصاد".

وأضاف الجودي وهو يتحدث إلى مراسل ميدل ايست أونلاين أن الآلية الأكثر نجاعة لإنعاش الاقتصاد تتمثل في إطلاق مشاريع استثمارية منتجة وتوجيه التداين الخارجي إلى الاستثمار لا إلى ضخها على ميزانية الدولة وعلى النفقات العمومية".

وفي رد على تدوينة حافظ قائد السبسي دعا زياد العذاري القيادي بحركة النهضة ووزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي الى "ضرورة احترام المعطيات والمؤشرات التي تقدمها المؤسسات الرسمية التونسية على غرار المعهد الوطني للإحصاء.

وقال ''اذا دخلنا في لعبة التشكيك في الأرقام والمؤشرات فهذا تمشي خطير''، داعيا إلى عدم الانخراط في ما سماها "الموجة التي تبخّس الأرقام الإيجابية، في حال وجود أرقام ايجابية، مقرّا في الآن ذاته أنّ المؤشرات ليست مثالية ولكن يمكن تحسينها".

وعلى الرغم من إجماع الخبراء في التنمية الاقتصادية على أن مختلف المؤشرات تنسجم مع رؤية حافظ وتؤكد أن تونس باتت تقف على مشارف إفلاس حقيقي تحاول النهضة التقليل من خطورة الوضع والتشديد على أن الاستقرار السياسي من شأنه أن يوفر ظروف ملائمة لتحسين المؤشرات وإنعاش الاقتصاد.

غير أن مثل هذه الرؤية لم ير فيها حافظ سوى مخاتلة مشددا يقول "يعلم الجميع أن مفهوم الاستقرار في كل الديمقراطيات يتعلق بالمؤسسات وليس بالأشخاص .. رئيس جمهورية منتخب وبرلمان منتخب وهيئات دستورية تشكلت وأخرى في طور التشكل ودستور ديمقراطي كمرجعية للجميع مهما اختلف الرأي تجاهه، هذه هي عناصر الاستقرار التي يقرها الرأي الموضوعي وكل تجارب السياسة في العالم".

وأضاف "أما رحيل حكومات ومجيء أخرى وخاصة في ظل مراحل الانتقال الديمقراطي وفي تجارب الأنظمة شبه البرلمانية فهي مسألة طبيعية وعادية حيث لا يمثل الأشخاص وخاصة منهم غير المنتخبين أي دلالة في الاستقرار مقارنة بالمؤسسات والمرجعيات المنتخبة".

وتؤشر تدوينة حافظ الذي كان يقود شقا داخل النداء قريبا من النهضة، كما يذهب إلى ذلك محللون سياسيون، على أن وثيقة قرطاج 2 وما رافقها من تمسك النهضة بالشاهد في ظل شبه إجماع على رحيله حولت وجهة "التحالف" إلى نوع من "الحرب الباردة.

ويبدو ان حافظ لم يفوت التلميح إلى علاقة راشد الغنوشي ببعض الجهات الخارجية مثل تركيا وقطر والجزائر ومساعيه إلى ربط علاقات "شراكة" خارجية وإصراره على المشاركة في المحافل الدولية وفي مقدمتها منتدى دافوس العالمي.

وقال "أذكر من يتحدث عن الشركاء الدوليين لتونس أن بلادنا تحترم جيدا شركاءها الدوليين ولكن في إطار سيادتها واستقلالية قرارها واذا لأصدقاء تونس حاجة للاطمئنان على الاستقرار في بلادنا - وهذا طبيعي وجيد- فإنه يكون عبر ضمانة المؤسسات المنتخبة وعلى رأسها رئيس الجمهورية وليس الأشخاص المعينين".

ويواجه الغنوشي انتقادات لاذعة بشأن تحركاته الخارجية إذ لا ترى فيها خصومه من القوى العلمانية سوى نوع من الدبلوماسية الموازية الأمر الذي دفع بالرئيس قائد السبسي إلى التأكيد في أكثر من مناسبة على أن الدبلوماسية الوحيدة التي تنتهجها تونس هي دبلوماسية الدولة ممثلة في رئيس الجمهورية وفق ما ينص عليه دستور البلاد.

ويرى مراقبون أن تدوينة حافظ لا تعبر عن رأيه الشخصي بقدر ما تعكس توجها جديدا لحزب نداء تونس الذي تضرر كثيرا جراء تحالفه الهش مع حركة النهضة.

وشددوا على أنه ليس من الصدفة أن يهاجم المدير التنفيذي للنداء الحركة الإسلامية قبل ساعات قليلة من اجتماع لجنة وثيقة قرطاج بإشراف الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي.

وتجتمع الجمعة الأطراف الموقعة على اتفاق قرطاج بإشراف الرئيس السبسي للمصادقة على وثيقة قرطاج 2 التي تمّت صياغتها في اجتماعات الخبراء الممثلين للأحزاب والمنظمات الوطنية وتتضمّن أولويات الإصلاحات في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية إلى جانب إمكانية النظر في تركيبة الحكومة.