هل يجني المحافظون ثمار جهود الإصلاحيين؟

السياسة الإقليمية تخضع لقبضة خامنئي القوية وللحرس الثوري وهذا يعني أنه من المرجح أن يكون هناك توافق واسع بعد الانتخابات التي من المرجح جدّا أن يفوز فيه إبراهيم رئيسي المدعوم من المؤسسة الدينية.
خامنئي وليس الرئيس هو صاحب القول الفصل في سياسات إيران النووية والخارجية
الاقتصاد يمثل مكمن الخطر ونقطة الضعف الأساسية للمحافظين
رجال الدين يخشون من عودة احتجاجات الشوارع وسط غضب شعبي متفاقم
إنقاذ الاقتصاد مهمة صعبة في انتظار حكومة خامنئي

طهران - سيفتح انتصار أحد صقور المحافظين مثل إبراهيم رئيسي مرشح المؤسسة الدينية والمدعوم من الحرس الثوري الإيراني، الباب أمام الحكومة الإيرانية الجديدة للادعاء بأنها صاحبة الفضل في تحقيق أي مكاسب اقتصادية تجنيها البلاد بعد إحياء الاتفاق النووي الموقع عام 2015.

ومن المستبعد أن يؤدي فوز مرشح محافظ بالانتخابات الرئاسية في إيران يوم الجمعة إلى إبطاء الخطى نحو إحياء الاتفاق النووي والتحرر من قيود العقوبات، مع إدراك رجال الدين الحاكمين في طهران أن حظوظهم السياسية معلقة بمعالجة الصعوبات الاقتصادية الآخذة في التفاقم.

ومن المرجح أن يستتبع إحياء الاتفاق رفع القيود الأميركية الصارمة التي تخنق صادرات النفط، مع بدء تدفق العائدات في مستهل ولاية الحكومة الجديدة.

وفي الوقت نفسه، فإن وجود حكومة مناهضة بشدة للغرب، قد يجعلها تتردد في تخفيف حدة التنافس الإقليمي مع دول الخليج العربية المتحالفة مع الولايات المتحدة، ما لم تأمر بذلك السلطة العليا في البلاد متمثلة في الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي.

ويبدو أن رئيسي وهو قاض محافظ، هو المرشح الأوفر حظا في السباق بين خمسة مرشحين، لأنه مدعوم من خامنئي. وقد أعلن رئيسي دعمه للمحادثات النووية مع القوى العالمية.

لكن هل ستغير إيران موقفها في المحادثات النووية؟

تغيير الموقف في هذه القضية شيء مستبعد، فخامنئي وليس الرئيس هو صاحب القول الفصل في سياسات إيران النووية والخارجية.

وفي ظل أوضاع اقتصادية بائسة يشعر بها المواطنون في الداخل، لا يستطيع حكام إيران المجازفة بالعودة وبدء المحادثات من الصفر بعد الانتخابات.

وتتفاوض طهران مع ست قوى عالمية لإحياء الاتفاق النووي الذي تخلى عنه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في 2018 واصفا إياه بأنه متساهل للغاية مع طهران. وبموجب الاتفاق وافقت إيران على كبح برنامجها النووي مقابل رفع العقوبات الدولية.

وأعاد ترامب فرض العقوبات مما ترتب عليه تراجع عائدات النفط وإخراج إيران من النظام المصرفي الدولي. وتتطلع طهران للتحرر من قيود العقوبات الأميركية في حالة إحياء الاتفاق.

وعلى غرار خامنئي، يؤيد رئيسي المحادثات لكنه يقول إن "تنفيذ ذلك يجب أن يكون على يد حكومة قوية".

ولا تزال استعادة العلاقات مع الولايات المتحدة مسألة غير مطروحة للنقاش في بلد دأب حكامه على وصفها بـ"الشيطان الأكبر" منذ توليهم السلطة بعد ثورة 1979.

ومن الأسئلة المطروحة في خضم المشهد الملتبس هو هل سيغير الرئيس الجديد السياسة الاقتصادية؟

وبغض النظر عن اسم الفائز بالانتخابات، سيظل إنعاش الاقتصاد والتخلص من قيود أشد العقوبات الأميركية قسوة على رأس قائمة الأهداف الاقتصادية.

المرشحون يقدمون الوعود بتوفير الوظائف ووقف انهيار الريال، لكن لم يضع أي منهم خريطة مفصلة بالخطوات اللازمة لإدراك هذه الأهداف

ويمثل الاقتصاد مكمن الخطر ونقطة الضعف الأساسية للمحافظين، حتى في الوقت الذي يستبشرون فيه بفوز أحدهم يوم الجمعة.

ومن أشد المؤيدين للمؤسسة إلى الطبقة العاملة وحتى نخبة رجال الأعمال، يشعر الجميع بوطأة التضخم والبطالة وإن كان بدرجات متفاوتة.

ويخشى رجال الدين في إيران من عودة احتجاجات الشوارع التي اجتاحت البلاد في 2017. ويعترف المسؤولون بضعف السلطات أمام الغضب الناجم عن تفاقم الفقر.

وقال مسؤول حكومي "التحدي الأكبر في انتظار رئيسي هو الاقتصاد. اندلاع الاحتجاجات سيكون حتميا إذا فشل في العثور على علاج لآلام الاقتصاد".

ويقدم المرشحون الوعود بتوفير الوظائف ووقف انهيار عملة البلاد الريال، لكن لم يضع أي منهم خريطة مفصلة بالخطوات اللازمة لإدراك هذه الأهداف.

وترتفع أسعار السلع الأساسية كالخبز والأرز يوميا وأصبحت اللحوم حلما بعيد المنال للكثيرين، بعد أن قفز سعر الكيلوغرام لما يعادل 40 دولارا فيما يقف الحد الأدنى للأجور عند حوالي 215 دولارا.

وبحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، من المتوقع أن يزيد التضخم إلى 39 بالمئة هذا العام ارتفاعا من 36.5 بالمئة في العام الماضي، في حين سيقفز معدل البطالة إلى 11.2 بالمئة في السنة الحالية ارتفاعا من 10.8 بالمئة في 2020.

وتشكل ايرادات النفط الشريان المالي الحيوي للاقتصاد الإيراني ولن يتغير الهدف وهو تحرير الصادرات النفطية من قيود العقوبات.

وكلفت العقوبات إيران مليارات الدولارات التي كانت ستتحصل عليها من بيع النفط وفقدت طهران حصتها السوقية في منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك)، التي ذهب قسم كبير منها لمنافستها الإقليمية السعودية.

التضخم قد يقفز إلى 39 بالمئة ارتفاعا من 36.5 بالمئة في 2020، في حين سيقفز معدل البطالة إلى 11.2 بالمئة ارتفاعا من 10.8 بالمئة في العام الماضي

ويقول محللو الصناعة النفطية إنه في حال رفع العقوبات، قد ترفع طهران الإنتاج من 2.1 مليون برميل يوميا حاليا إلى مستوى ما قبل العقوبات البالغ 3.8 ملايين برميل يوميا في غضون أشهر.

لكن تأثير التحول العالمي لمصادر الوقود ذات الانبعاثات الكربونية المنخفضة يتضافر مع تأثيرات جائحة كوفيد-19 في خفض الطلب على الطاقة، فيما يجعل إيران سوقا أقل جاذبية للعديد من شركات الطاقة الكبرى.

وفي الوقت الذي أبدت فيه بعض مصافي النفط الأوروبية اهتماما بشراء الخام الإيراني حال رفع العقوبات، لم تبد كثير من شركات النفط الغربية بشكل معلن استعدادها للاستثمار في إيران.

وقالت شركة لوك أويل الروسية المنتجة للنفط والغاز في وقت سابق من هذا الشهر إنها مهتمة بالعودة إلى إيران بعد رفع العقوبات.

إنها مسألة يلفها الغموض، لكن على أي حال فإن الكلمة الأولى والأخيرة في السياسة الخارجية تبقى لخامنئي وليست للرئيس.

ويريد جيران إيران العرب في منطقة الخليج وقف محاولات طهران للسيطرة على المنطقة التي تتنافس فيها مع السعودية على النفوذ في مناطق تمتد من سوريا والعراق إلى اليمن والبحرين.

وقال هنري روما المحلل في مجموعة أوراسيا في إشارة إلى الحرس الثوري الإيراني "السياسة الإقليمية تخضع لقبضة خامنئي القوية والحرس الثوري... هذا يعني أنه من المرجح أن يكون هناك توافق واسع بعد الانتخابات".

وفي اعتقاد الرياض أن إحياء اتفاق 2015 يجب أن يكون نقطة انطلاق لمناقشات تهدف لتقييد برنامج إيران الصاروخي وهو أحد أكبر برامج الصواريخ في الشرق الأوسط. في الوقت نفسه، أجرت الرياض محادثات مباشرة مع طهران في محاولة لخفض حدة التوتر.

وقال صلاح نصراوي الخبير في شؤون الشرق الأوسط، إن "إيران قد تحرز انتصارا في حالة عدم إدراج قضايا تمارس الرياض وحلفاؤها ضغوطا بشأنها مثل برنامج طهران الصاروخي ووكلائها (في المنطقة) ضمن الاتفاق النووي".