هل يدفع السبسي إلى بناء جبهة ديمقراطية لمواجهة النهضة

رضا بلحاج يشدد على أن هيمنة النهضة على المشهد السياسي وعلى مراكز القرار يفرض بناء جبهة ديمقراطية.
حركة النهضة التفت على المسار الديمقراطي
بلحاج يصف مؤسسات الدولة بأنها مشلولة

تونس ـ قفزت مسألة بناء جبهة سياسية مدنية ديمقراطية عريضة لمواجهة تغول حركة النهضة لتتصدر اهتمامات الأوساط السياسية التونسية وسط تصريحات رضا بلحاج رئيس الهيئة السياسية لحزب حركة تونس في أعقاب لقائه بالرئيس الباجي قائد السبسي.

وربطت تلك الأوساط بين اللقاء الأول من نوعه بعد شهرين وبين تأكيد بلحاج على أن الأوضاع في تونس اليوم تفرض في نفس الوقت تدخل الرئيس السبسي وإعادة تشكيل المشهد السياسي لمواجهة التطورات وفي مقدمتها تغول حركة النهضة.

ولم تكن فكرة بناء الجبهة الديمقراطية بالفكرة الجديدة إذ تم طرحها في أكثر من مرة من قبل عدد من الأحزاب الديمقراطية وأيضا من قبل عدد من الشخصيات السياسية العلمانية غير أنها عادت اليوم بقوة في ظل الأزمة السياسية التي تشهدها البلاد.

والثلاثاء قال رضا بلحاج لوسائل الإعلام المحلية "إن الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية تقتضي تدخل رئيس الدولة باعتباره ضامن للدستور كما تقتضي إعادة رسم خارطة سياسية جديدة تجمع مختلف القوى الديمقراطية ويكون النداء نواتها الأولى لمواجهة نزعة هيمنة النهضة على الشأن العام".

وشدد بلحاج على أن "هيمنة النهضة على المشهد السياسي وعلى مراكز القرار وقطعها للتوافق بطريقة أحادية الجانب بعدما رأت أنها تقوت وعندما رأت أن يوسف الشاهد رئيس الحكومة بات بين يديها تسوقه كما تشاء، كل ذلك يفرض بناء جبهة ديمقراطية". وشدد على أن كل المؤشرات تؤكد على أن النهضة "التفت على المسار الديمقراطي".

وتظهر قراءات أن النهضة استغلت حالة الفراغ السياسي الناجم عن أزمة النداء وتشتت القوى الديمقراطية العلمانية لتتسلل إلى مفاصل الدولة وإلى مراكز القرار بطرق مختلفة وآخرها استئثارها برئاسة بلدية تونس ممثلة في مرشحتها سعاد عبدالرحيم.

انتقادات كبيرة للغنوشي

كما نجحت النهضة في اختراق خطير للنداء حيث أقر الناطق الرسمي باسم الحزب منجي الحرباوي أن عددا من الندائيين منحوا أصواتهم لمرشحة النهضة عبدالرحيم وأيضا لمرشحة النهضة لرئاسة بلدية باردو وسط العاصمة.

وقال الحرباوي لمراسل ميدل ايست أونلاين إن "النداء فتح تحقيقا في الندائيين الذين منحوا أصواتهم للنهضة وأنه سيتخذ ضدهم الإجراءات اللازمة وفق القانون الداخلي".

ورأى سياسيون أنه ما كان للنهضة أن تفوز برئاسة بلدية تونس التي تعد معقل القوى الوطنية الحداثية لو تكتلت تلك القوى وقدمت مرشحا واحدا ممثلا لها.

ووفق تسريبات حصل عليها مراسل ميدل ايست أونلاين لم ير السبسي في فوز عبدالرحيم سوى ضربة موجعة للنداء بصفة خاصة وللقوى الديمقراطية بصفة عامة.

ووفق نفس التسريبات بدا فوز مرشحة النهضة بالنسبة للسبسي مؤشرا قويا على أن النهضة باتت تهيمن على المشهد السياسي وتقوده إلى حالة من اختلال التوازن لتعيد تونس إلى مربع العام 2011 قبل 2012 تاريخ تأسيسه للنداء لمواجهتها.

ويبدو كما يذهب إلى ذلك أكثرية المحللين السياسيين أن الوعي بخطر النهضة الداهم هو الذي دفع بقائد السبسي بلقاء بلحاج تمهيدا للقاءات قادمة مع عدد من رؤساء الأحزاب الديمقراطية وقيادات النداء الغاضبة وبعدد من الشخصيات السياسية العلمانية.

وقال حسان القصار المحلل والناشط السياسي إن لديه معلومات موثوقة تؤكد أن "السبسي اتصل بعديد رؤساء الأحزاب وقيادات النداء المناهضة لنجله حافظ وأيضا بعدد من الشخصيات الوطنية وحثهم على الترفع عن التجاذبات السياسية وبناء جبهة ديمقراطية".

وشدد القصار وهو يتحدث إلى مراسل ميدل ايست أونلاين على أن "اختلال توازن الخارطة التونسية لا يمكن أن يخدم المسار الديمقراطي" ملاحظا أن الديمقراطيات العريقة ما كان لها أن تنجح إلى في ظل نوع من التوازن بين القوى الفاعلة سياسيا".

ويبدو تحليل القصار منسجما مع رؤية رضا بلحاج الذي شدد على أن "الوضع الدقيق التي تمر به تونس اليوم وما يرافقه من أزمة سياسية خانقة يفرض تركيز كيان سياسي ديمقراطي يعيد التوازن للخارطة السياسية" لافتا إلى أن النداء يمكن أن يقود ذلك".

ومما عمق حديث الأوساط السياسية حول فرضية إعطاء السبسي الضوء الأخضر للقوى الديمقراطية برص صفوفها في إطار جبهة واحدة هو تأكيد رضا بلحاج أنه وجد الرئيس السبسي "ملم بكل المعطيات وأن حديثه كان سلسا وأصغى إليه وتفاعل مع رؤيته".

وكان بلحاج من أبرز قيادات النداء قبل أن يدخل في خلاف مع حافظ قائد السبسي المدير التنفيذي للنداء وينشق عنه ليؤسس حزب حركة تونس أولا.

ووصف بلحاج مؤسسات الدولة بأنها "مشلولة" ووجه انتقادات لاذعة للشاهد مشددا على أنه لم يصارح الشعب التونسي بحقيقة الأوضاع بل اختار الهروب إلى الأمام حتى أنه مازال يجاهر بأنه قادر على قيادة البلاد بعد أن باتت النهضة تسوقه كما تشاء".

وخلال هذه الفترة التي استأثرت بها النهضة بغالبية رئاسة البلديات علا صوت قيادات الحركة التي باتت تجاهر بطريقة مخاتلة بأنها المؤهلة والأكثر قدرة على حكم تونس.

وشدد بلحاج على أن "تغول النهضة هو من طبيعة الإخوان وتاريخهم السياسي إذ هم كلما شعروا بالقوة كلما عادوا إلى طبيعتهم وأصولهم التي تسعى إلى الهيمنة والسيطرة".

وأضاف إن الحل لمواجهة النهضة هو "صياغة أرضية مشتركة بين القوى الديمقراطية والعلمانية في شكل تحالف أو جبهة خاصة وأن القواسم الديمقراطية موجودة".

وأشار بلحاج إلى أن القوى الديمقراطية وفي مقدمتها الائتلاف المدني الذي يضم 11 حزبا منها حزب البديل الذي يرأسه مهدي جمعة رئيس الحكومة السابق وحزب آفاق تونس الذي يرأسه ياسين إبراهيم والحزب الجمهوري الذي يرأسه عصام الشابي وغيرها من الأحزاب والشخصيات السياسي مستعدة للتحالف مع النداء لمواجهة خطر النهضة.

ويرى مراقبون أن بلحاج الذي يحظى بثقة السبسي روج بطريقة ذكية لرؤية الرئيس في مواجهة الأزمة السياسية وأن ما عبر عنه من أفكار ما هي إلا ضوء أخضر من رئاسة الجمهورية التي يعلق التونسيون الآمال عليها لوضع حد لأزمة ما انفكت تتعمق حتى أنها باتت تهدد البلاد بعودة احتجاجات هي في غنى عنها.

والثلاثاء أعلن نورالدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل أنّ تحركات احتجاجية ستنطلق بداية من يومي 10 و12 من يوليو/تموز الجاري للمطالبة بتحسين الأوضاع الاجتماعية.

وذهب الطبوبي إلى حد التوقع بـ"انفجار وثورة اجتماعية على ما وصفها بـ"سياسة التجويع والتفقير التي تنتهجها حكومة غير عابئة ولا تقدر خطورة الأوضاع العامة.

وتبدو تصريحات الطبوبي تحذيرا مباشرا للحكومة ممثلة أساسا في النهضة ويوسف الشاهد بأن المركزية النقابية نفد صبرها وأنها قررت الالتجاء إلى الشارع لممارسة ضغوطها باتجاه إنهاء الأزمة السياسية.

غير أن رضا بلحاج رأى أنه بالإمكان تجاوز الأزمة واللجوء إلى الشارع في حال "تركيز قطب ديمقراطي عريض وقوي يعيد ثقة التونسيين في السياسة من خلال استقطابها لكل القوى الديمقراطية والشخصيات الوطنية التي تتبنى قواسم مشتركة.

ويرجح مراقبون أن تشهد تونس خلال الفترة القليلة القادمة تركيز كيان سياسي جبهوي عريض منفتح أكثر ما يكون على المشهد السياسي لعيد له توازنه.

ويضيف المراقبون أن البلاد قادمة على انتخابات برلمانية ورئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 وهو ما يفرض رجة قوية في أوساط القوى الديمقراطية لتقطع طريق الحكم أمام النهضة على أن تترفع تلك القوى عن انهداميتها وانتهازيها التي عمقت أزمة البلاد.