هل يصنع 'غاندي كمال' ربيع تركيا؟

كمال كليتشدار أوغلو يلفت إليه أنظار العالم كمخلص لتركيا من عقدين من الاستبداد والسياسات الصدامية والتدخلات الخارجية من خلال وعود أطلقها بإعادة تركيا إلى المسار الديمقراطي والقطع مع إرث أردوغان.
كليتشدار أوغلو واثق من أنه سيهزم أردوغان في انتخابات الرئاسة
تركيا قد تتخذ مسارا جديدا بعد عقدين تحت حكم أردوغان

أنقرة - يُتوقع محللون أن تتخذ تركيا مسارا جديدا بعد عقدين تحت حكم الحزب الواحد ممثلا في حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان الطامح لولاية رئاسية جديدة في الانتخابات التي انطلقت الأحد، وسط توقعات بأن تفضي المنافسة إلى دورة ثانية في 28 مايو/ايار مع تقارب حظوظه مع مرشح تحالف الأمة المعارض كمال كليتشدار أوغلو.

ولفت كليتشدار أوغلو أنظار العالم إليه كمخلص لتركيا من عقدين من الاستبداد والسياسات الصدامية والتدخلات الخارجية من خلال وعود أطلقها بإعادة تركيا إلى المسار الديمقراطي والقطع مع إرث أردوغان والعودة للنظام البرلماني والإفراج عن المعتقلين السياسيين.

وربما لا يتمتع بشخصية كاريزمية مثل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لكن كليتشدار أوغلو صاحب الحضور الهادئ الذي يطلق عليه الإعلام التركي لقب "غاندي كمال" لشبهه به بسبب نظارته الطبية ومظهره البسيط، يبدي تفاؤلا كبيرا بشأن فرصه في الفوز على أردوغان في الانتخابات التي تجري اليوم الأحد ويرى أن تركيا على موعد مع ربيع جديد بعد عقدين من حكم مضطرب.

وبعدما ظل متواريا لفترة طويلة خلف ظل أردوغان وحزبه ذي الجذور الإسلامية، لمع نجم كليتشدار أوغلو خلال الحملة الانتخابية، بينما تظهر استطلاعات الرأي تقدمه بفارق ضئيل.

وقال لرويترز في مقابلة بمكتبه في أنقرة، قبل يومين من الانتخابات التي يعتبرها كثيرون الأهم في تاريخ تركيا الحديث "أطالب الجميع بالتزام الهدوء وأن يتذكروا أننا نحمل ربيعا لهذا البلد".

وتابع في رسالة لأنصاره "إياكم والتشاؤم... وتذكروا أننا سنقصي حكما استبداديا بالأصوات التي ندلي بها". وتعهد بوضع تركيا، ثاني أكبر دولة في أوروبا، على مسار جديد والتخلص من الكثير من إرث الرجل الذي سيطر بقبضة قوية على معظم مؤسساتها.

لكن الأولوية القصوى لكليتشدار أوغلو هي العودة إلى السياسات الاقتصادية التقليدية ونظام الحكم البرلماني واستعادة استقلال القضاء الذي يقول المنتقدون إن أردوغان استغله لقمع المعارضة.

وقال في المقابلة "نحتاج إلى تكليف شخص تثق به الدوائر المالية بمنصب رئيس البنك المركزي. هذا هو أول ما يراقبه المستثمرون الأجانب. وإلى جانب ذلك، سنضمن استقلالية البنك المركزي".

وأضاف "نشكل فرقا من المتميزين في كل الأقسام. من السياسة إلى الاقتصاد ومن التعليم إلى الثقافة. سنحكم البلاد بالكوادر الأكثر كفاءة".

وتهدف خطته إلى احتواء التضخم الذي وصل إلى 85 بالمئة العام الماضي وحل أزمة غلاء المعيشة التي أثقلت كاهل كثير من الأتراك.

واختار تحالف من ستة أحزاب معارضة الموظف المدني السابق الجاد والمشاكس أحيانا مرشحا له لينافس أردوغان في انتخابات اليوم الأحد.

وتظهر استطلاعات الرأي أن كليتشدار أوغلو (74 عاما) يتفوق على أردوغان وربما يفوز عليه في جولة ثانية من التصويت، بعد حملة شاملة تعد بحلول لأزمة ارتفاع تكلفة المعيشة التي أدت إلى تآكل شعبية الرئيس في السنوات الأخيرة.

وقال كليتشدار أوغلو خلال مؤتمر انتخابي حاشد "أعرف أن الناس يناضلون من أجل تدبر أمورهم. أعرف تكلفة المعيشة ويأس الشبان... لقد حان وقت التغيير. من الضروري وجود روح جديدة وفهم جديد".

أردوغان لا يبدو في وضع مريح
أردوغان لا يبدو في وضع مريح

ويقول منتقدون إن كليتشدار أوغلو الذي سخر منه أردوغان بعد هزائمه الانتخابية المتكررة كرئيس لحزب الشعب الجمهوري، يفتقر إلى قدرة خصمه على حشد الجماهير وكذلك القدرة على الهيمنة حتى يتسنى له قيادة تحالفه بعد الانتخابات.

وقال بيرول باشكان وهو كاتب ومحلل سياسي مقيم في تركيا، إن كليتشدار أوغلو "يرسم صورة معاكسة تماما لأردوغان، الذي يعد شخصية مستقطبة ومقاتل... يعزز قاعدته الانتخابية".

وأضاف "كليتشدار أوغلو يبدو أكثر كرجل دولة يسعى للوحدة والوصول إلى أولئك الذين لا يصوتون له... هذا هو سحره ومن الصعب جدا القيام بذلك في تركيا... لست متأكدا من أنه سيفوز لكنه الشخص المناسب في الوقت المناسب".

وحتى لو انتصر، يواجه كليتشدار أوغلو تحديات تتمثل في الحفاظ على وحدة تحالف للمعارضة يضم قوميين وإسلاميين وعلمانيين وليبراليين. وجاء اختياره مرشحا بعد خلاف استمر 72 ساعة انسحبت فيه لفترة وجيزة ميرال أكشينار زعيمة الحزب الصالح، ثاني أكبر حزب في البلاد.

وستكون مهمته الأكبر هي التخلص من البصمات التي تركها أردوغان وحزبه في جميع أجهزة الدولة من الجيش إلى القضاء والإعلام والتي قام بتكديسها بالموالين له وتهميش الليبراليين والمعارضين.

ويرى كليتشدار أوغلو أن المشكلة الأساسية للسياسة الخارجية التركية خلال فترة حكم حزب العدالة والتنمية كانت استبعاد وزارة الخارجية من عملية صنع السياسة.

وقال "سننتهج سياسة خارجية تجنح للسلام وتعطي الأولوية للمصالح الوطنية لتركيا. أولويتنا هي مصالحنا الوطنية والعمل بما يتوافق مع قواعد العالم الحديث".

ويقول محللون إن أردوغان صار أقرب للهزيمة من أي وقت مضى رغم إنفاق حكومته المالي القياسي على المساعدات الاجتماعية قبل الانتخابات.

وشددت المعارضة على أن مسعى أردوغان لخفض أسعار الفائدة أطلق أزمة تضخمية أضرت بشدة بميزانيات الأسر. وتقول الحكومة إن هذه السياسة أدت إلى نمو الصادرات والاستثمار ضمن برنامج يشجع حيازات الليرة.

وولد كليتشدار أوغلو في إقليم تونجلي في شرق البلاد، وهو من العلويين. ونال استحسانا كبيرا من الناس في عام 2017 عندما أطلق "مسيرة من أجل العدالة" لمسافة 450 كيلومترا من أنقرة إلى إسطنبول بسبب اعتقال نائب من حزب الشعب الجمهوري.

وعمل قبل دخوله عالم السياسة في وزارة المالية ثم كان رئيسا لمؤسسة التأمين الاجتماعي التركية خلال معظم فترة التسعينيات. وانتقص أردوغان في خطاباته مرارا من أداء كليتشدار أوغلو عندما كان في ذلك المنصب.

وكان خبيرا اقتصاديا وأصبح نائبا في البرلمان عن حزب الشعب الجمهوري في عام 2002، عندما وصل حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان إلى السلطة لأول مرة. وحزب الشعب الجمهوري المنتمي ليسار الوسط هو حزب أنشأه مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك وناضل حتى يتجاوز أصوله العلمانية ويقترب من المحافظين.

وتحدث كليتشدار أوغلو خلال السنوات الماضية عن الرغبة في مداواة الجروح القديمة مع المسلمين المتدينين والأكراد. وصعد إلى الصدارة باعتباره مناهضا للكسب غير المشروع، وظهر على شاشة التلفزيون ملوحا بملفات أدت إلى استقالات لمسؤولين رفيعي المستوى. وبعد مرور عام على خسارته سباقا على رئاسة بلدية إسطنبول، تم انتخابه دون أي منافسة زعيما للحزب في عام 2010.