هل يصوت القتلى والمفقودون في زلزال 6 فبراير لأردوغان؟

ظروف التصويت في الولايات العشر المتضرّرة من زلزال 6 فبراير تثير قلق العديد من المراقبين فلا أحد يعرف حقيقة ما حدث لبطاقات هوية الموتى والمفقودين خلال الكارثة ولم تنشر السلطات قائمة بعدد القتلى ممن يفترض أنهم على قائمة الاقتراع.

أنقرة -  أيام قليلة تفصل الأتراك عن انتخابات مصيرية ستحدد وجهة تركيا محليا وأقليميا ودوليا بحسب النتائج التي ستفرزها صناديق الاقتراع، لكن السلطات التركية التي أعلنت أن حصيلة زلزال 6 فبراير/شباط فاقت 50 ألف قتيل في 10 ولايت بجنوب البلاد لم تفصح حتى الآن عن مصير بطاقات هوية الناخبين في المناطق التي تضررت بشدة والتي اضطر الناجون فيها من الكارثة إلى الانتقال إلى مناطق أخرى إما مشردين فيخيم الإيواء أو في لجؤوا إلى مساكن بالإيجار أو لدى أقارب لهم ويفترض أن ينتقلوا إلى مناطقهم للتصويت في 14 مايو/ايار القادم.

وتثير بطاقات هوية الناخبين ممن قضوا في زلزال 6 فبراير/شباط أزمة حقيقية مع حالة الغموض وغياب احصائيات رسمية دقيقة حول عدد من قتلوا في الكارثة من الناخبين، وسط مخاوف من أن يصوّت الأموات للرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم الذي يهيمن على السلطة والمشهد السياسي منذ نحو 20 عاما.  

وتعني تلك المخاوف أن لدى شريحة واسعة من الأتراك ومن المعارضة وأنصارها من أن يتم استخدام بطاقات هوية من قضوا في الزلزال الأخير في عملية تزوير للانتخابات بينما تملك السلطة حصرا حقيقة من توفي ومن نجا من الكارثة.

قبل الانتخابات بأشهر قليلة أثارت المعارضة أسئلة حول عملية تنظيم الانتخابات في توقيتها المحدد في ظل تغييرات فرضتها الكارثة بأن دفعت الملايين في الولايات الـ10 المتضررة إلى مغادرتها أو السكن في جوارها، ما يعني تغييرا أيضا في التركيبة الانتخابية والتوزيع الجغرافي لمكاتب الاقتراع. ورجحت أن يذهب أردوغان لتأجيلها، لكنه خرج ليثبت موعد 14 مايو بكل ثقة رغم التحديات اللوجستية التي أنتجها الزلزال.  

كذلك تعرض الرئيس التركي وحكومته لموجة غضب عارم في تلك المناطق بسبب التأخر في التدخل لإنقاذ المئات ممن ظلوا لساعات طويلة تحت الأنقاض إلى أن قضوا نحبهم. كما عانى الناجون من ظروف صعبة في ظل شح المياه والغذاء وبرد قاس حدّ التجمد في تلك الفترة.

ورجح الخبراء أن يواجه أردوغان وحزبه العدالة والتنمية تصويتا عقابيا في الولايات المتضررة، لكنه قام لاحقا بجولات في تلك المناطق وحاول احتواء غضب الناخبين بوعود مغرية حول اعادة الاعمار وتعويضات واعترف بتقصير حكمته في مواجهة الكارثة، لكنه برر التأخير بحالة الطقس السيئ وصعوبة التنقل بين المناطق المتضررة وأيضا بأن الزلزال مباغت ولا يمكن لأي دولة أن تتعامل معه بطريقة افضل من تلك التي تعاملت بها الحكومة التركية.

وتثير ظروف التصويت في المحافظات العشر المتضرّرة من زلزال السادس من فبراير قلق العديد من المراقبين. وكان النائب الألماني فرانك شواب كبير مراقبي مجلس أوروبا الذي سيُرسل حوالي أربعين شخصا إلى تركيا، قد قال في نهاية أبريل/نيسان "لا نعرف حقيقة ما حدث لبطاقات هوية الموتى والمفقودين. إنّه أمرٌ سننظر فيه عن كثب".

ويعرب الكثير من المراقبين ومن المعارضة عن قلق من التعليقات التي أدلى بها وزير الداخلية سليمان صويلو في اليوم السابق، عندما قارن الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلة بـ"محاولة انقلاب سياسي" ضدّ رجب طيب أردوغان، الموجود في السلطة منذ عشرين عاما.

وفي محالة لتطويق محاولات تزوير محتملة واستخدام بطاقة انتخابية تعود لقتلى زلزال 6 فبراير، يستعد محامون ونشطاء للعب دور مراقبين خاصة في الولايات المتضررة من الكارثة والتي قد تشهد عمليات تلاعب محتملة. ويعتقد هؤلاء أنه لا توجد بدائل لحماية صناديق الاقتراع وبالتالي حماية التحول الديمقراطي الذي ينتظره كثيرون.

وينظر للاستحقاق الانتخابي على أنه سيقود البلاد إما لتغييرات شالمة تعهدت بها المعارضة ومنها العودة للنظام البرلماني والحد من صلاحيات الرئيس التنفيذية أو لما يراه آخرون حكما أشد سلطوية إذا فاز الرئيس التركي بولاية رئاسية جديدة.

وتقول المحامية إيلكيه يعقوب أوغلو "لا توجد طريقة أخرى لحماية أصواتنا سوى عبر حماية صناديق الاقتراع". ويتلقّى المحامون المجتمعون في صالة في أنقرة تدريبات تنظمها منصة "المحامون هنا" من أجل منع التزوير في يوم الانتخابات.

وتضيف إيلكيه يعقوب أوغلو "حقيقة أنّ الحكومة قريبة جدا من الخسارة للمرة الأولى، تجعلنا جميعا نخشى المشاكل المحتملة"، فيما تقول نوراي أوزدوجان المسؤولة في جمعية حقوقيين في أنقرة وعضو حزب الشعوب الديمقراطي (اليساري المؤيد للأكراد)، إنّ "هذه الانتخابات حاسمة. تُظهر تصريحات الحكومة أنّها لن تكون نزيهة ولا عادلة".

ومن المتوقع أن يتم إرسال حوالي 350 خبيرا في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا للمساعدة في مراقبة الانتخابات. ويقول أوزغور يوسف كافوكشو الذي غادر أنطاكيا (جنوب) إلى العاصمة بعد الزلزال "يريد الكثير من الناس الذهاب للتصويت في مسقط رأسهم لمراقبة المخالفات المحتملة... نشعر بالقلق من أنّ الآخرين قد يصوّتون بدلا من موتانا"، مضيفا "هناك أشخاص لم نعثر على جثثهم مثل أولئك الذي كانوا يسكنون المبنى المجاور لنا".

والأسبوع الماضي، اعتُقل حوالي مئة شخص بينهم خمسون محاميا اختارهم التحالف الانتخابي الذي يهيمن عليه حزب الشعوب الديمقراطي لمراقبة الانتخابات في مايو/ايار، في ديار بكر المدينة الرئيسية ذات الغالبية الكردية في الجنوب الشرقي، الأمر الذي أثار جدلا في داخل صفوف الحزب.

وأكد رئيس اللجنة العليا للانتخابات أحمد ينر في نهاية أبريل/نيسان الماضي، أنّ أمن التصويت سيكون مضمونا بما في ذلك في المحافظات المتضرّرة من زلزال السادس من فبراير الذي أودى بأكثر من خمسين ألف شخص وأحدث دمارا هائلا في مدن عدّة.

ولكن مرشّح تحالف المعارضة كمال كيليتشدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري (اشتراكي ديمقراطي) والخصم الرئيسي لأردوغان، يقول إنّه "لا يثق" في اللجنة العليا للانتخابات.

وفي العام 2019، أبطلت هذه اللجنة فوز مرشح الشعب الجمهوري لبلدية اسطنبول بعد استئناف قدّمه حزب العدالة والتنمية الحاكم. ثمّ أعيد انتخاب أكرم إمام أوغلو محقّقا فوزا أكبر في اقتراع جديد.

وبناء على ذلك، ضاعفت المعارضة "عدد المحامين لديها مقارنة بالانتخابات الرئاسية للعام 2018"، على أنّ تُرسل 300 ألف ممثّل عنها، كثير منهم متطوّعون، إلى مراكز الاقتراع البالغ عددها 50 ألفا في البلاد، وفقا لنائب رئيس حزب الشعب الجمهوري المسؤول عن أمن الانتخابات أوغوز كان ساليجي الذي أمام الصحافة الأجنبية "سنحمي 192 ألف صندوق اقتراع".

من جهتها تسعى المنظمة غير الحكومية التركية "التصويت وما وراءه" التي تدرّب مراقبين أيضا، إلى نشر "100 ألف متطوّع في الميدان" في 14 مايو/ايار، مقابل 60 ألفا كحدّ أقصى في الانتخابات السابقة، وفقا لرئيسها إرتيم أوركون.