هل ينجح أردوغان بإقناع بوتين بإحياء اتفاق الحبوب

مصير السياسة الاقتصادية الجديدة لأنقرة يعتمد إلى حد كبير على حصول تركيا على الطاقة الروسية الرخيصة أو المجانية والحبوب الروسية والأوكرانية الرخيصة.

موسكو – وعد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بإعلان "بالغ الأهمية" بشأن تصدير الحبوب، بعيد وصوله الإثنين إلى مدينة سوتشي المطلة على البحر الأحمر للقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وبحث حزمة الملفات الساخنة التي تشمل صفقة الحبوب وقضايا الطاقة، والوضع في أوكرانيا وسوريا.
 وقال أردوغان قبيل بدء اجتماعه مع بوتين الاثنين: "بعد لقائنا ستكون الرسالة التي ستوجّه إلى العالم وخاصة البلدان الأفريقية، مهمة للغاية".

ويأتي لقاء أردوغان وبوتين وسط توتر متزايد في منطقة البحر الأسود أعقب إنهاء روسيا العمل باتفاق أتاح لسفن شحن تصدير الحبوب الأوكرانية عبر ممر بحري آمن، مشترطة أخذ مصالحها في الاعتبار لإعادة العمل به بتصدير الحبوب والأسمدة الروسية، أسوة بالأوكرانية
وحسب مصادر تركية، يبحث الرئيسان بالدرجة الأولى تطورات ملف الأزمة الأوكرانية، ومساعي الوساطة التركية لإعادة إحياء المفاوضات السياسية بين الطرفين الروسي والأوكراني، بالإضافة إلى سيناقشان اتفاق الحبوب.
وصرح أردوغان "تتطور العلاقات بين روسيا وتركيا في مختلف القطاعات، ولاسيما في المجال التجاري، حيث وصل التبادل إلى مستوى 100 مليار دولار.

وأضاف "نعتزم إجراء التبادلات التجارية بالعملتين الوطنيتين.العمل جار على تنفيذ مشروع محطة الطاقة النووية في تركيا، وآمل أن تكون هذه الخطوة أساسية في تعميق العلاقات بين البلدين". وتابع أن "اللقاء المرتقب لرئيسي البنك المركزي التركي والروسي يحظى بأهمية بالغة من حيث المضي نحو استخدام العملات المحلية في التبادل التجارية".
بدوره، قال بوتين في مستهل اللقاء إن "هناك ثباتا في العلاقات ويتم الحفاظ على زخمها عبر تطويرها في مختلف المجالات بين البلدين". وأشار إلى أن "حجم التبادل التجاري بين روسيا وتركيا ارتفع بنسبة 86 بالمئة خلال العام الماضي"، مضيفا أنه "في النصف الأول من هذا العام، استمر الاتجاه الإيجابي في التجارة بين البلدين في الارتفاع".
وتطرق إلى الملف السوري، قائلا "حققنا الكثير في سوريا وأعرف أنها قضية حساسة بالنسبة لتركيا، ووضعنا حجر الأساس في هذا الشأن".

ويعتبر الملف السوري بالنسبة للطرفين الأقل أهمية في مباحثاتهما، نظرا للظرف الراهن وصعوبة الوضع الاقتصادي للطرفين، فمصير السياسة الاقتصادية الجديدة لأنقرة يعتمد إلى حد كبير على قدرة تركيا في الحصول على الطاقة الروسية الرخيصة (أو المجانية)، والحبوب الروسية والأوكرانية الرخيصة. وفي الوقت نفسه، فقد تفاقم وضع الميزان التجاري الروسي لعام 2023 بشكل كبير، ما أدى إلى هبوط كبير للروبل. وارتفع ثمن فترة سماح جديدة لسداد ديون تركيا مقابل الغاز الروسي لكلا الطرفين بشكل كبير، فيما تضاءل احتمال منحها.
ويأمل أردوغان في إحياء الاتفاق بشكل يؤسس لمفاوضات سلام أكثر شمولا بين موسكو وكييف، معوّلاً على علاقته مع بوتين التي بقيت وثيقة رغم الغزو الروسي.
وسمح قرار بوتين بخفض وتأجيل سداد دفعات تركيا لقاء واردات الغاز الروسي، بتجنيب أنقرة تداعيات إضافية لأزمة اقتصادية، ما ساهم في فوز أردوغان بولاية جديدة في مايو الماضي.
بدورها، رفضت تركيا الالتحاق بركب العقوبات على روسيا وبقيت منفذا رئيسيا لها في مجال السلع والغذاء. لكن أرودغان حافظ على شعرة معاوية مع أوكرانيا ورئيسها فولوديمير زيلينسكي، من خلال تزويدها بأسلحة ومعدات أبرزها الطائرات المسيّرة التركية الصنع، ودعم طموحاتها للانضمام إلى حلف الناتو.

وأفاد مصدر في الدوائر السياسية في أنقرة، في تصريحات لوكالة "تاس" قبل أيام، إن "أردوغان يود الحصول على بعض الأوراق الرابحة من المفاوضات مع بوتين، والتي سيذهب بها إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، لتعزيز مواقفه، لكن من غير المرجح أن يتمكن من الحصول على ضمانات حقيقية من الجانب الروسي".
وأضاف المصدر أن "الوضع فيما يتعلق بصفقة الحبوب وصل إلى طريق مسدود. لكن قد تكون بعض المناقشات حول استئناف الصفقة بشكل استثنائي لفترة قصيرة".

ويرى خبراء آخرون أن زيارة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى موسكو قبل أيام من زيارة الرئيس التركي إلى سوتشي وعقده مفاوضات مع نظيره الروسي سيرغي لافروف تعد مؤشر إلى احتمال التوصل إلى اتفاق جديد.
وقال هؤلاء أن وجود احتمال كبير للتوصل إلى اتفاق فيما يتعلق بتصدير مليون طن من الحبوب الروسية إلى تركيا بتمويل من دولة قطر، والمبادرة عبارة عن مقترح روسي يهدف لإيصال الحبوب إلى تركيا لتتم معالجتها فيها، ثم إعادة إرسالها إلى عدة دول محتاجة.

وفي وقت سابق علقت روسيا تنفيذ اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية بسبب تقاعس الغرب عن تنفيذ الجزء الروسي منه. وتقول أنقرة، إن "المطالب الروسية محقة حيال ضرورة تطبيق الشق الروسي من الاتفاق.
فيما يتحدث كبار المسؤولين الأتراك عن أن العقوبات الغربية على روسيا، هي التي تعقد المشهد أمام استئناف تصدير الحبوب والأسمدة الروسية، وتحمل أنقرة المسؤولية عن ذلك لواشنطن ولندن على وجه التحديد.
ومن المتوقع أن يبحث الجانبان إنشاء مركز دولي لتوزيع الغاز في شمال غربي تركيا، وذلك وفقا للمقترح المقدم من الرئيس الروسي في وقت سابق، إضافة إلى مسألة إنشاء محطة طاقة نووية ثانية بشراكة تركية روسية، في منطقة تراكيا في الشمال التركي، وذلك على غرار محطة "آكويو" التي تقيمها روسيا في ولاية مرسين جنوبي تركيا.
وفي مجال الطاقة أيضا، سيبحث الجانبان إمكانية زيادة صادرات روسيا من الطاقة إلى تركيا، خاصة مع اقتراب فصل الشتاء الذي تزداد فيه الحاجة للمزيد من الغاز لأغراض التدفئة والتصنيع.

ولقطاع السياحة نصيب من هذه المحادثات أيضا، إذ يشكل السياح الروس النسبة الأكبر من السياح الذين يصلون إلى تركيا، إضافة لبحث مجمل العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الطرفين.

ويرى بعض المحللين السياسيين أن الوضع على الجبهة يدفع القيادة الروسية إلى ضرورة اتخاذ إجراءات أكثر صرامة وفعالية، ما يقلل من احتمالية التوصل إلى تسوية مع تركيا بشأن صفقة الحبوب، في الوقت الذي لا يسمح الوضع الاقتصادي في روسيا بمزيد من الكرم المفرط.

هجوم روسي ضخم ضد مواقع أوكرانية
هجوم روسي ضخم ضد مواقع أوكرانية

وقبل ساعات قليلة من لقاء الرئيسين التركي والروسي في سوتشي، نفذت روسيا هجوماً "ضخماً" بمسيرات استهدف منطقة أوديسا الأوكرانية الاثنين، بحسب السلطات الأوكرانية، ما أدى إلى تضرر بنى تحتية.

وفي منطقة أوديسا الجنوبية التي استهدفها هجوم آخر خلال الليلة السابقة، أعلن الحاكم المحلي أوليغ كيبر الإثنين عبر تلغرام أن "دفاعاتنا الجوية أسقطت 17 مسيرة".

وأشار إلى "تضرر مستودعات ومباني إنتاج وآليات زراعية وتجهيزات شركات صناعية في عدة بلدات في محيط منطقة اسماعيل" جنوب غرب أوديسا، مشيراً إلى أن الهجوم استمر ثلاث ساعات ونصف ولم يتسبب بوقوع ضحايا.

وأصبح ميناء إسماعيل الواقع على نهر الدانوب بالقرب من رومانيا، العضو في حلف شمال الأطلسي، ممرا مهما للصادرات الأوكرانية منذ انسحاب روسيا من اتفاق الحبوب في منتصف يوليو.

من جهتها أفادت قيادة العمليات في جنوب أوكرانيا عن "هجوم ليلي كبير" بواسطة مسيرات على "بنى تحتية مدنية في منطقة الدانوب".

وكان مكتب المدعي العام الأوكراني ذكر أن مسيّرات روسية قصفت ليل السبت الأحد مواقع صناعية على نهر الدانوب.

فيما أفاد الجيش الروسي أنه ضرب ميناء ريني في منطقة أوديسا بواسطة مسيرات مستهدفاً "منشآت لتخزين الوقود تستخدم لإمداد معدات عسكرية تابعة للقوات المسلحة الأوكرانية".
والاثنين، أعلنت أوكرانيا تحقيق مكاسب محدودة على الجبهة الجنوبية واستعادة ثلاثة كيلومترات مربعة بالقرب من باخموط (شرق).

كما أعلنت موسكو الاثنين أنّها دمّرت أربعة زوارق سريعة على متنها جنود أوكرانيّون في البحر الأسود.
وذكرت وزارة الدفاع الروسيّة على تلغرام أنّ "طائرات تابعة لأسطول البحر الأسود دمرت" ليل الأحد الاثنين "في الجزء الشمالي الغربي من البحر الأسود أربعة زوارق عسكريّة سريعة من طراز ويلارد سي فورس أميركيّة الصنع (تحمل) مجموعات إنزال أوكرانية مسلّحة".
وأشارت الوزارة إلى أن الزوارق كانت تتّجه نحو رأس طرخانكوت في غرب شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا في 2014، بدون إعطاء المزيد من التفاصيل.