هيئة بن سدرين تنهي مهامها بعد سنوات من التجاذبات السياسية

هيئة الحقيقة والكرامة المكلفة بالعدالة الانتقالية في تونس تقدم توصياتها التي تستهدف الحيلولة دون تكرار الانتهاكات في مجال الحريات وحقوق الإنسان التي ارتكبت على مدى نصف قرن، محددة نهاية ديسمبر تاريخا لانتهاء التفويض الممنوح لها.

هيئة الحقيقة والكرامة تعرضت طيلة عملها لانتقادات
هيئة بن سدرين واجهت متاعب كثيرة وسط جدل وتجاذبات سياسية
الهيئة درست 62716 ملفا تتعلق باغتيالات والاغتصاب والفساد والسجن القسري
توقعات بحصول 25 ألف شخص تعويضات من صندوق الكرامة

تونس - بعد ثماني سنوات من ثورة يناير/كانون الأول 2011 التي أطاحت بنظام الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، تقدّم هيئة الحقيقة والكرامة التي تترأسها المعارضة السابقة سهام بن سدرين والمكلفة بالعدالة الانتقالية في تونس الجمعة، توصياتها الهادفة للحيلولة دون تكرار الانتهاكات في مجال الحريات وحقوق الإنسان التي ارتكبت على مدى نصف قرن.

ويأتي هذا التطور بعد أربع سنوات من عمل شاق تخللته انتقادات وتجاذبات سياسية.  

واستمعت هيئة الحقيقة والكرامة منذ تأسيسها في 2014 بعد ثلاث سنوات من سقوط نظام زين العابدين بن علي، إلى حوالى خمسين ألف شخص يقولون إنهم كانوا ضحايا هذه الانتهاكات وحوّلت بضع عشرات من الملفات إلى القضاء بهدف تسليط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان في تونس في الفترة الممتدة بين 1955 و2013 .

وشكلت بعض الجلسات العلنية التي بثها التلفزيون العمومي في أوقات ذروة المشاهدة بالنسبة إلى التونسيين، فرصة تاريخية للاطلاع على روايات التعذيب والجرائم المقترفة لا سيما زمن حكم زين العابدين بن علي.

وحدد قانون العدالة الانتقالية للهيئة مهمة "تحقيق المصالحة الوطنية وحفظ الذاكرة وإرساء ضمانات كي لا تتكرر هذه الانتهاكات" في تونس، بلد الربيع العربي الوحيد الذي يواصل مسار الديمقراطية.

وستعرض الهيئة الجمعة توصياتها التي وضعتها في تقرير نهائي تعرضه على السلطات بحلول 31 ديسمبر/كانون الأول، تاريخ انتهاء التفويض المعطى لها. وسيكون أمام الحكومة مهلة سنة بعد ذلك لإعداد مخطط لتنفيذها بمراقبة لجنة متابعة برلمانية.

وتتوقف هيئة الحقيقة والكرامة التي تم تمديد مهمتها مرة واحدة لبضعة أشهر خلال الربيع الماضي، عند المعارضة والعدائية اللتين تعرضت لهما خلال أدائها لمهامها.

ويقول عضو الهيئة المحامي خالد الكريشي "تعرضنا إلى القصف منذ البداية، وواجهنا مشاكل في غياب إرادة سياسية".

وبيّن أن كل مطالب الهيئة للحصول على ملفات قضائية تتعلق بملفات فساد والنفاذ إلى أرشيف المساجين الذين تفيد تقارير عن تعرضهم للتعذيب في وزارة الداخلية، قوبلت بالرفض.

وصادق البرلمان التونسي العام الماضي على قانون المصالحة الذي تقدم به الرئيس الباجي قائد السبسي وأثار جدلا خصوصا في ما يتعلق بالعفو عن الموظفين المتورطين في قضايا فساد إداري، ما قوض جهود البحث عن الحقيقة.

كما تنامت الشكوك في عمل الهيئة مع العودة التدريجية لمسؤولين في النظام السابق إلى السلطة، بالإضافة لتوتر العلاقة بين رئيسة الهيئة سهام بن سدرين المعارضة زمن حكم بن علي وبعض القيادات في السلطة.

ودرست الهيئة 62716 ملفا تتعلق باغتيالات واغتصاب وفساد والسجن القسري جمعتها من 49654 جلسة.

وبث التلفزيون الحكومي جلسات علنية تابعها العديد من التونسيين كشف خلالها شهود ممارسات التعذيب في مراكز التوقيف بوزارة الداخلية.

وأنشئت 13 محكمة متخصصة في العدالة الانتقالية باشرت منذ نهاية مايو/أيار النظر في القضايا التي جمعت فيها الأدلة الكافية حول الانتهاكات.

وحولت هيئة الحقيقة والكرامة العشرات من الملفات إلى المحاكم التي تنظر حاليا في 20 ملفا تتعلق بضحايا ثورة 2011 والمعارضين السياسيين الإسلاميين واليساريين زمن حكم بن علي وسلفه الحبيب بورقيبة.

ونظمت الهيئة جلسات مصالحة، فأبرمت عشر اتفاقات مصالحة في ملفات فساد مالي قامت بها شخصيات في النظام السابق، وفقا للكريشي الذي يترأس لجنة التحكيم.

وتعهد سليم شيبوب صهر الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، بناء على معلومات كُشفت خلال عمل اللجنة، بإرجاع مبلغ مالي يقدر بحوالى مئة ألف يورو للدولة.

في المقابل، رفضت الدولة المتهمة بقضايا تعذيب وعنف جنسي، ألف ملف مصالحة مع الضحايا.

وأثير في الفترة الماضية جدل بخصوص التعويضات لضحايا الانتهاكات الشديدة.

وعارض نواب في البرلمان التونسي بقوة مقترح مساهمة الدولة في صندوق "الكرامة"، مبررين ذلك بأن المنتمين إلى حركة النهضة الإسلامية سيكونون المستفيدين منه.

ونشرت الهيئة نهاية نوفمبر/تشرين الثاني شروط الانتفاع من التعويضات، مستثنية المسؤولين الذين تولوا مناصب حكومية وبرلمانية بعد ثورة 2011.

ومن المتوقع أن ينال حوالى 25 ألف شخص تعويضات من صندوق "الكرامة" الذي تم إحداثه في 2014 ويتم تمويله بجزء من الأموال المسترجعة من المصالحة وجزء آخر من مساهمة الدولة (حوالى 3.3 ملايين يورو)، وفقا للكريشي.