"هيئة تحرير الشام" تحتوي انقساماتها بالإفراج عن قياديين متهمين بالعمالة

التنظيم الذي يسيطر على ادلب يشهد سلسلة من الاضطرابات الداخلية على مستوى الصفّين الأول والثاني من القيادة، وبات أمام تحد كبير في إعادة الثقة بين مكوناته وتشكيلاته.

ادلب (سوريا) – أفرجت “هيئة تحرير الشام”، التي تسيطر في إدلب شمال سوريا، خلال الأيام الماضية وبالتتالي عن قياديين في صفوفها كانت اعتقلتهم على خلفية اتهامات بـ”العمالة” مع جهات داخلية وخارجية، مع محاولة احتواء القضية إعلاميًا وأمنيًا عبر بيانات وسلسلة اعتقالات وإفراجات وتوضيحات من الهيئة وقائدها أبو محمد الجولاني الذي قام بزيارة لبعض القياديين البارزين، وتحدث عن أن ما حصل من تجاوزات (التعذيب) خلال التحقيق داخل السجون هو “جريمة بحق الإخوة”.

وتشهد الهيئة" المصنفة على لائحة الإرهاب، سلسلة من الاضطرابات الداخلية على مستوى الصفّين الأول والثاني من القيادة، بدأت باعتقال مفاجئ لأقرب مساعدي زعيم التنظيم أبي محمد الجولاني، وهو العراقي ميسر بن علي القحطاني، المعروف بـ”أبو ماريا القحطاني”. ومحاولة اعتقال أبي أحمد زكور لولا تدخّل الأتراك وإنقاذه من الاعتقال، إضافة إلى اعتقال العشرات من القيادات العسكرية ومرافقيهم، مع اتّهامات متفاوتة في الخطورة تبدأ من الاتصال بجهات خارجية، من دون التنسيق مع الجولاني، وهي تهمة القحطاني في البدء، وصولاً إلى العمالة للتحالف الدولي، ومحاولة الانقلاب على الجولاني نفسه، وتعيين شخصية قيادية أخرى على رأس التنظيم.

وبعد أشهر من الاعتقال، والتحقيق، على يد جهاز الأمن العامّ التابع لهيئة التحرير، وحكومتها في ادلب، بالإفراج عن المعتقلين العسكريين، بحجّة زيف الاتّهامات، وبقاء القحطاني في الاعتقال، وتوجيه اتّهامات معاكسة إلى محقّقي الجهاز الأمني نفسه، بتهمة ممارسة التعذيب القاسي في زنازين الهيئة وانتزاع اعترافات غير صحيحة، حتى يقال الآن إنّ بعض هؤلاء المحقّقين أضحوا الآن قيد الاعتقال، ومنهم اللبناني شادي مولوي، بحسب ما أورده المرصد السوري لحقوق الإنسان.

الجولاني يحاول امتصاص حالة الغضب والسخط ضمن تشكيلات الهيئة، بإخراج بعض القيادات التي تتمتع بنفوذ وشعبية ضمن الهيئة لمنع أي انشقاق أو تمرد ضده.

وأطلقت الهيئة سراح عدد من قيادييها العسكريين، بعد اعتقالهم لفترات زمنية متفاوتة، بتهم “العمالة لجهات خارجية”، والتعاون مع الرجل الثاني في الفصيل والقيادي العراقي المعتقل”أبو ماريا القحطاني”.

ويشير انقلاب الموقف من الاتّهام والإدانة ثمّ التبرئة، خلال أشهر معدودة إلى رغبة الجولاني في احتواء الموقف لتطويق الملف وإنهائه رغم أنه يصطدم بمطالب شرعيين ودعاة مستقلين عن “الهيئة” بإنشاء لجنة قضائية، تشرف على ملف “العمالة” وتحقق في خباياه، معيدين فتح باب التشكيك بما يحصل، ومحذرين من خطر أدهى وأمر.

وفتح الشرعى المستقيل عن “هيئة تحرير الشام” المسيطرة عسكريًا في إدلب، يحيى الفرغلي (أبو الفتح) باب الانتقادات والتشكيك بقضية “العمالة” ضمن الفصيل، مطالبًا بمحاكمة القيادي المعتقل “أبو ماريا القحطاني”، خاصة بعد حديث عن إمكانية الإفراج عنه.

وقال الفرغلي إن بلاغًا وصله بأن “الهيئة” قد تفرج عن “القحطاني” في الأيام المقبلة، راجيًا أن تكون الأخبار “إشاعة”، مضيفًا “أشهد الله وأشهد الناس أن هذا الرجل (في إشارة لأبو ماريا) لا أشك لحظة في عمالته لأعداء الدين التحالف أو الأمريكيين”. وذكر أن لديه من الأدلة الموثقة الكثير، ما لا يجعل أحدًا يشك لحظة، وطالب في حال الإفراج عن “القحطاني” أن يعرض الأدلة على القضاء.

ووفق مصادر مطلعة فإن الرواية التي ساقتها الهيئة عن خلايا العملاء كانت تستهدف تفكيك "امبراطورية القحطاني"، الذي ثبت لدى قيادة الهيئة أنه ينوي القيام بانقلاب عليها، وجاءت الاعتقالات لكل القيادات والأذرع التي كانت تنسق معه، إلا أن حجم الاعتقالات أثار حالة من التمرد ضمن الهيئة والرفض للتشهير بقيادات معروفة واتهامها بالعمالة.

وأوضحت المصادر، أنه وبعد أن تمكنت قيادة الهيئة من السيطرة على الموقف، وتفكيك كل الأتباع الذين جندهم "القحطاني" في كل المفاصل العسكرية والأمنية، منهم مرافقين لقياديين كبار، بدأت بمحاولة امتصاص حالة الغضب والسخط ضمن تشكيلاتها، من خلال الإعلان عن انتهاء التحقيقات، وإخراج بعض القيادات التي تتمتع بنفوذ وشعبية ضمن الهيئة لمنع أي انشقاق أو تمرد ضدها.

وذكرت أن قيادة الهيئة تعيش حالة من التخبط الأمني، على خلفية الضغوطات التي تتعرض لها من قبل الأجنحة الأمنية والعسكرية، بعد كشف حقيقة المخطط واعتقال القيادات، وباتت أمام تحد كبير في إعادة الثقة بين مكوناتها وتشكيلاتها، لذلك لجأت للإفراج عن بعض القيادات كبادرة لحسن النية، مع نفي تهم العمالة التي روجتها هي بحقهم.

وفي 15 يناير/كانون الثاني 2024، أعلن "جهاز الأمن العام" التابع لـ"هيئة تحرير الشام" في بيان رسمي، ما أسماه "إحباط مخطط أمني وتعزيز القوة والاستقرار في المناطق المحررة"، معتبراً أن إن إفشال هذا المخطط وكسره سيشكل "إنجازا جديدًا يضاف لإنجازات المشروع الثوري، في المناطق المحررة، وسيكون مال ذلك مجتمعًا آمنًا ومشروعًا متماسكا تتحطم آمال العدو على أسواره وتحت أقدامه".

وقال البيان "في الأشهر القليلة الماضية، تمكنا مـن إحباط مخطط أمني تقف خلفه جهات معادية، يهدف إلى تجنيد بعض الأفراد والعمل من خلالهم على بث الفتنة وشق الصف وزعزعة الأمن والاستقرار في مناطقنا المحررة، ومع إعلاننا استكمال التحقيقات واستيفاء أركان القضية وشواهدها، فإننا نطمئن الجميع بأننا شارفنا على إنهاء الأعمال الأمنية المتعلقة بها"، واعتبر بأن "الثورة اليوم هي أقوى من ذي قبل، وقادرة على مواجهة النوازل بصدق وأمانة وشفافية".

وبنظر الخبراء، فإن اتهام " أبو ماريا القحطاني" بالعمالة لجهة خارجية، كان لصرف الأنظار على الحدث الحقيقي الذي واجهته الهيئة خلال الأشهر الماضية، والذي تمثل في كشف مخطط لـ "الانقلاب" على قيادتها "أبو محمد الجولاني" من قبل تيار يقوده "أبو ماريا القحطاني" وبمساندة "أبو أحمد زكور"، أحد أبرز قيادات وأذرع الهيئة سابقاً، بعد هيمنة تيارات أخرى على القرار، تبين أن "القحطاني" اخترقها جميعاً بشبكة من التابعين، اعتقلوا جميعاً على أنهم "عملاء".

وتثير "هيئة تحرير الشام" القلق لدى الفصائل الموالية لتركيا في نزعتها نحو توحيد المنطقة الخارجة عن سيطرة دمشق، بالترغيب والترهيب، وربّما بتنسيق مع أنقرة، فراحت تمدّ أذرعها إلى الشمال حيث النفوذ التركي، والجيش الوطني المموّل من الأتراك، والمستخدم في بعض الحالات، للقتال التطوّعي في أصقاع أخرى من العالم خارج سوريا (ليبيا، وأذربيجان، وربّما في غيرهما)، على نسق ما كان يفعله الروس مع منظمة فاغنر في أوكرانيا وسوريا ودول إفريقية مضطربة.