"هي والذاكرة" سيمفونية الوحشة

كتاب منى علي عبده ينقسم إلى ثلاثة مقاطع تتداخل بين الحب والغربة والألم والانتظار والشوق والخيانة.
كل جملة تمثل عتبة للنصوص اللاحقة التي تدونها الكاتبة بروح تلك العتبة وتأويلاتها التي تختبر الوجود والحياة نفسها
السيرة الكاتبة تبدأ بأمها التي علمتها الحب، ووالدها الذي كان الحب الصادق في حياتها

عمّان ـ "هي والذاكرة" لمنى علي عبده الصادر عن "الآن ناشرون وموزعون" بعمّان، بمثابة سيرة تتوزع بين الجملة الشعرية والسردية التي تتبع فيها الكاتبة محطات الحياة.
الكتاب الذي يقع في 90 صفحة من القطع الوسط وصمم غلافه الفنان محمد خضير، انقسم إلى ثلاثة مقاطع تتداخل بين الحب والغربة والألم والانتظار والشوق والخيانة.
تستهل كل مقطع بنص مستعار للشاعر الفلسطيني محمود درويش، والشاعر السوري نزار قباني والكاتب المصري مصطفى محمود، وتمثل كل جملة عتبة للنصوص اللاحقة التي تدونها الكاتبة بروح تلك العتبة وتأويلاتها التي تختبر الوجود والحياة نفسها، فهي ليست مدونات شخصية بمقدار ما هي شهادة على الحياة. 
ومن المقطع الأول، الذي بدأته الكاتبة بنص لمحمود درويش "أجمل ما في الصدفة أنها خالية من الانتظار"، وتقول:
"مجازية الحب
هو أننا لا نشعره في الوقت ذاته
ومجازية الوحدة
هو أننا نشعرها في الوقت ذاته".
وتبدأ السيرة بأمها التي علمتها الحب، ووالدها الذي كان الحب الصادق في حياتها، والرحلة الأولى في الطائرة والقطار، والموعد الأول في المقهى.

رحلة بحث عن الذات ضمن هذا العالم الملئ بالقسوة والحروب والغياب، وحتى الكتابة تصبح مهمة صعبة لأنها تشعل الذاكرة بالفراغ الذي يحيط بالكائن

وتدون من مذكرات امرأة حالمة، تتخيل أن يأتي العاشق على فرس أبيض، ولأن عصر الفرسان سرقته السيارات، فهي تحلم أن تلتقيه مصادفة في فضاء الغرباء الذين لا ينتظرون شيئا سوى اللحظة التي تتيح لقاء غريب مثله:
"أصدق اللحظات
تلك التي تعثر علينا ولا نعثر عليها
في أماكن لم نتعمد أن نقصدها
مع غرباء في انتظارنا
يجلسون فوق مقعد اللهفة
حول طاولة الصدفة"
ولم يكن ذلك الحلم الذي يداعب خيالها في "لوحة" سوى فرصة لتطلق لجناحي الأنثى فرصة التحليق، ولم يكن سوى جملة في كتاب الأمنيات الذي تشيد فيه صورا جديدة وغير مألوفة لمدن العشق.
وتعيد تعريف الوطن، بأنه ليس المكان الذي نسكنه، بل الذي يسكننا، ومثل ذلك في الكتابة التي تتحول إلى قبلة.
في المقطع الثاني تراهن على الكتابة التي لا تموت، وحينما يقترن الحب بالكلمات بين أوراق العاشق، فهو يخلد، وكذلك الألم فهو يمكث طويلا، بل لا يغيب، وتقول: "يصعب على الإنسان – على ما يبدو - أن ينسى الأشياء التي تؤلمه، ليس ذلك فقط، بل هو يتذكرها بإلحاح عجيب، في طعم الجرح مرارة، لا تنسى، وفي الألم ملوحة لا تغيب".
وفي المقطع الأخير الذي تستهله بجملة لمصطفى محمود "لو دخل كل منا قلب الآخر، لأشفق عليه"، ويكون حوارها مع الذات أمام مرآة الوحدة، وتقول: "هي، تحارب دون أن تحظى بمن يحارب من أجلها، تحب، فهل من فارس يحبها".
وحينما تتذرع بالكتابة تصادف اللاجدوى التي تزيد حزنها الأبدي، لتلك المشاعر التي تفيض في هذا الزمان الجاف، وخلال ذلك فهي رحلة بحث عن الذات ضمن هذا العالم الملئ بالقسوة والحروب والغياب، وحتى الكتابة تصبح مهمة صعبة لأنها تشعل الذاكرة بالفراغ الذي يحيط بالكائن.
 تقول: "تغدو الكتابة مؤلمة
تمسي سيمفونية موزارت موحشة، 
وعليه قررت أن تغلق عينيها
أن تتوسد أملا قد يكون كاذبا
...   ...
نحن لا نختار الحزن
هو الذي يختارنا".