واشنطن تبحث تضييق الخناق على ايران في العراق

وفد اميركي يجري مباحثات في بغداد تناولت الأوضاع السياسية في الشرق الأوسط، وآفاق التعاون الاقتصادي والمالي بين البلدين في ظل التهديدات الايرانية.
الطرفان يتفقان على مواصلة التعاون وتبادل الآراء من أجل حماية الاقتصاد العراقي
واشنطن قد تستعين بسلاح الجو الإسرائيلي لتنفيذ ضربات نوعية وقطع أوصال حلفاء إيران
العراق يقرر ارسال وفود إلى واشنطن وطهران للمساعدة في تهدئة التوترات

بغداد - بحث وفد أميركي رفيع في العاصمة العراقية بغداد، تطورات الأوضاع السياسية في منطقة الشرق الأوسط، وتداعيات التوترات الأخيرة عليها، وإجراءات تطبيق العقوبات على إيران.
جاء ذلك خلال اجتماع وزير المالية العراقي فؤاد حسين، مساء الإثنين، في بغداد، مع مساعد وزير الخزانة الأميركي مارشال بيلينغسلي، والوفد المرافق له، بحضور جوي هود، القائم بأعمال السفير الأميركي.
وذكر المكتب الإعلامي لرئاسة الوزراء في بيان، أن المجتمعين بحثوا الأوضاع السياسية في الشرق الأوسط، وآفاق التعاون الاقتصادي والمالي بين العراق والولايات المتحدة.
وأوضح البيان، أن "بيلينغسلي" تطرق إلى تطورات المشهد السياسي في المنطقة، والإجراءات التي اتخذتها واشنطن لتطبيق العقوبات على إيران.
وقدّم بيلينغسلي "شرحًا موجزًا عن سياسة الولايات المتحدة المستقبلية والعلاقات الثنائية بين العراق وأميركا، خصوصا في مجالي الاقتصاد والمال"، بحسب البيان.

من جانبه أكد الوزير حسين، أن "الوضع في المنطقة معقد وحساس في آن واحد".

وأعرب عن أمله بأن "تحل المشاكل العالقة بالطرق السلمية والدبلوماسية والحوار والمفاوضات"، معتبرًا أن "أي توتر أو صراع سيؤثر بشكل سلبي على جميع دول المنطقة، وبالأخص العراق، وسينعكس ذلك سلباً على الاقتصاد والسوق العراقية".
واتفق الطرفان على "مواصلة التعاون وتبادل الآراء من أجل حماية الاقتصاد العراقي، وضمان استقراره من أية تداعيات تحصل في المنطقة".

 وقال رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي الثلاثاء إن العراق سيرسل وفودا إلى واشنطن وطهران للمساعدة في تهدئة التوترات وسط مخاوف من مواجهة بين الولايات المتحدة وإيران في الشرق الأوسط.

ليس هناك أي طرف عراقي يريد الدفع صوب حرب

وأضاف أنه ليس هناك أي طرف عراقي يريد الدفع صوب حرب، وذلك بعد يومين من إطلاق صاروخ في بغداد وسقوطه قرب السفارة الأمريكية.

وبعد عقود من نزاعات متتالية، يجد العراق نفسه اليوم مجددا محور شد حبال بين الولايات المتحدة وإيران اللتين صعدتا خطابهما أخيرا بشكل غير مسبوق، الأمر الذي يصب في مصلحة أطراف أخرى قد تدفع في اتجاه إشعال فتيل المواجهة، بحسب محللين.

وعزّز التحشيد العسكري الأميركي في الخليج خلال الأسابيع الماضية التكهنات باحتمال اندلاع نزاع في المنطقة، لا سيما أنه جاء بعد عام من انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران، وترافق مع إدراج الحرس الثوري الإيراني على اللائحة السوداء الأميركية "للمنظمات الإرهابية".

لكن سحب واشنطن موظفيها ودبلوماسييها غير الأساسيين من العراق وسقوط صاروخ كاتيوشا الأحد على المنطقة الخضراء المحصنة في وسط بغداد، والتي تضم سفارات أجنبية عدة بينها الولايات المتحدة، يظهرأن "هناك من يريد جر طهران وواشنطن للمواجهة" في العراق، بحسب ما يقول المحلل السياسي العراقي عصام الفيلي.

الميليشيات العراقية المدعومة من ايران
'أذرع إيران في العراق لا يمكنها التصرف من دون قاسم سليماني'

وأشار مسؤولون أميركيون إلى أن الخطوة الأميركية بسحب الموظفين غير الأساسيين من العراق جاءت على خلفية "تهديدات" مصدرها إيران و"ميليشيات عراقية تحت سلطة الحرس الثوري الإيراني"، في إشارة الى فصائل الحشد الشعبي التي تشكلت بفتوى المرجعية الدينية الشيعية الأعلى في العراق لقتال تنظيم الدولة الإسلامية، وتضم تنظيمات مقربة من إيران.

وبعيد سقوط الصاروخ، سارعت تلك الفصائل إلى النأي بنفسها عن الهجوم.

فاعتبر زعيم عصائب أهل الحق قيس الخزعلي أن ما حصل "مصلحة إسرائيلية"، فيما لفت قائد منظمة بدر هادي العامري إلى أن "كل أطراف الحرب لا تريد الحرب"، بينما أكدت كتائب حزب الله العراقية أن الهجوم "غير مبرر".

ويوضح الخبير في شؤون الشرق الأوسط لدى معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس كريم بيطار أن "الخطاب التحريضي خلال الأسابيع الماضية يصب مباشرة في مصلحة المتشددين في إيران، لكنه في الوقت نفسه يفرّح السعودية المصممة على مواجهة التهديدات الايرانية.

وقد يشكل العراق ساحة مؤاتية لمواجهة ايران. لكن بيطار يلفت الى أن "المخاطر كبيرة، لدرجة أن أذرع إيران في العراق لا يمكنها التصرف من دون ضوء أخضر من قاسم سليماني والحرس الثوري الإيراني". وعليه، فإن واشنطن وطهران تعرفان جيدا أن "المواجهة الشاملة لا رابح فيها، وستكون مدمرة لكليهما".

لكن التصعيد يتواصل. فقد هدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاثنين بتدمير إيران في حال أرادت خوض الحرب، في ما وصفه وزير الخارجية الإيراني بـ"التبجحات".

 أي سيناريو؟

ويصعب التنبؤ بسيناريو "حرب بالوكالة" في العراق، لكن المحللين يشيرون الى ضربات محدودة أو عمليات استنزاف.

ويقول المحلل السياسي هشام الهاشمي "بحسب تجربة سابقة، لن تكون هناك حرب مباشرة. فالولايات المتحدة تعتمد على الإنهاك الاقتصادي الذي قد تصاحبه ضربات جوية محدودة لاستنزاف العمق الإيراني".

الولايات المتحدة تعتمد على الإنهاك الاقتصادي الذي قد تصاحبه ضربات جوية محدودة

ويضيف "قد تستعين واشنطن أيضا بسلاح الجو الإسرائيلي لتنفيذ ضربات نوعية وقطع أوصال حلفاء إيران في العمق السوري واللبناني والعراقي"، في إشارة إلى حزب الله اللبناني والفصائل الشيعية في العراق وسوريا المدعومة من إيران.

وغالبا ما تقصف إسرائيل مواقع أو شحنات سلاح لحزب الله في سوريا حيث يقاتل الى جانب قوات النظام السوري. كما أعلنت خلال الأشهر الماضية قصف أهداف إيرانية في سوريا.

رسائل على أرض العراق

ويرى الباحث في معهد الشرق الأوسط بجامعة سنغافورة فنر حداد بدوره أن العراق "يدفع ضريبة" تجاذبات واشنطن-طهران، ما "يعطيه موقعاً لا يحسد عليه في خط المواجهة في أي نزاع مستقبلي بين الطرفين".

ويحتفظ العراق بمصالح حيوية مع الدولتين المتعاديتين. فقد دعمته واشنطن في حربه على تنظيم الدولة الإسلامية، لا سيما عبر الضربات الجوية التي نفذها التحالف الدولي بقيادتها. بينما جهزت طهران فصائل الحشد الشعبي بالسلاح والتدريب والمستشارين العسكريين.

ويرى حداد أن التصعيد قد يكون في النهاية "مجرد زوبعة في فنجان".

ويقول بيطار "ما لم يسد الجنون المطلق، فإن حرباً مباشرة كبيرة مفتوحة لا تزال غير مرجحة"، مشيرا الى أن الأمر سيقتصر على "رسائل يمكن إرسالها على الساحة العراقية".

ففي لعبة العصا والجزرة، يعرف الأميركيون تمام المعرفة، بحسب بيطار، أن مهاجمة إيران "ستجعل من حروب أفغانستان والعراق وليبيا تبدو وكأنها كانت نزهة".