
واشنطن تتهم موسكو بتهديد الاستقرار الهش في ليبيا
واشنطن ــ أعطى تقرير لوكالة بلومبرغ الأميركية قراءة جديدة للقاء الذي جمع السفير الأميركي في ليبيا ريتشارد نورلاند بقائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر في مصر. أوضحت السفارة أن "الزيارة جزء من الجهود الأميركية لدعم الانتخابات البرلمانية والرئاسية الليبية ".
لكن تقرير بلومبرغ يكشف جانبا آخر وهو المتعلق بروسيا وتحركات الرئيس فلاديمير بوتين الأخيرة التي ترمي إلى تقديم سيف الإسلام القذافي، الذي مازال مكانه مجهولا، كخيار ثالث لتوحيد البلاد، متحديا الولايات المتحدة وأوروبا وكذلك تركيا.
ونقلت الوكالة الأميركية عن مصادرها أن روسيا باتت تضغط على المشير خليفة حفتر لدعم سيف الإسلام، ما سيشكل "مزيجا انتخابيا لا يُهزم"، مستطردة أن حفتر قد لا يقبل بذلك كونه يسعى لحكم البلاد منذ أعوام. كما ذكرت بلومبرغ أن روسيا واثقة من دعم مصر لخطتها.
وبحسب تقرير لشبكة بي بي سي "يشتبه منذ فترة طويلة بأن سيف الإسلام تربطه علاقات مع روسيا ومرتزقة فاغنر، كما يُعتقد بأنه مرشح موسكو المفضل لقيادة ليبيا".
وفكرة مشاركة سيف الإسلام القذاف، الذي مازال مكانه مجهولا، في الانتخابات مازلت أمرا مستبعدا على الأقل في الوقت الحالي باعتبار أنه مطلوب لدى المحكمة الجنائية، بالإضافة إلى الأمر الذي أصدره المدعي العام العسكري الأجهزة الأمنية بطرابلس بالقبض عليه، لكن التفكير في "إعادة حكم القذافي سيكون أجرأ خطوة لبوتين"، حسب بلومبرغ.
تسير المنافسة الانتخابية في ليبيا على خط رفيع بين استعادة الاستقرار وإعادة إشعال الحرب .ويتأكد ذلك مع فشل ملتقى الحوار السياسي الليبي في الاتفاق على الأسس الدستورية التي سيتمّ على أساسها تنظيم انتخابات نهاية العام الجاري الأمر الذي الأزمة إلى المربع الأول، خاصة إذا ما تم ربطها بالتصعيد الأخير بين حفتر من جهة وقادة المجلس الرئاسي من جهة أخرى.
وكان حفتر قال في كلمة بمناسبة ذكرى تأسيس الجيش الليبي إن "قواته لن تخضع لأي سلطة في ليبيا باسم المدنية أو غيرها". واعتبر ذلك ردا على تصريح رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي بأنه القائد الأعلى للقوات المسلحة ووجه جميع الوحدات العسكرية بـ"التقيد بتعليماته في ما يخص الترقيات وتشكيل الوحدات العسكرية وتعيين آمري المناطق العسكرية وغيرها من اختصاصاته".
ودخل رئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة على الخط قائلا في رد ضمني على تصريحات حفتر "لا يمكن للجيش أن ينتسب لشخص". وشدد على أن الجيش يجب أن يكون معول "بناء وليس هدم".
ويشير الخبراء إلى أن هذه الأجواء المتوترة تعيق تنفيذ بقية نقاط اتفاق السلام والتي من ضمنها خروج المقاتلين الأجانب من ليبيا. ما يعني أن المجال سيبقى مفتوحا لقوى مثل روسيا لتعزز نفوذها في ليبيا كما فعلت في سوريا، خاصة وأن دعمها لحفتر وسيف الإسلام القذافي لم يمنع فتح قنوات مع الأطراف في الجهة المقابلة والتواصل مع المجلس الرئاسي.

تركز واشنطن على الجهد الدبلوماسي لحل الأزمة في ليبيا وتنفيذ اتفاق السلام. ووتواصل مع الفاعلين الدوليين على غرار تركيا وفرنسا ومصر، من أجل تثبيت وقف لإطلاق النار وللضغط على الأفرقاء الليبيين، كل على حليفه، من أجل ضمان عقد الانتخابات في موعدها.
في المقابل، تتولى قوات أفريكوم تتبع نشاط روسيا وشركة فاغنر في ليبيا، وتسليط الأضواء عليه، سواء ما تعلق بإرسال طائرات حربية روسية إلى قاعدة الجفرة الجوية، أو الأدلة المتعلقة بزرع فاغنر ألغاما بالأحياء الجنوبية لطرابلس، للضغط عليهما، بالتنسيق مع حلفائها، للانسحاب من ليبيا.
ومؤخرا نشرت بي شبكة بي بي وثائقيا باللغات العربية والانجليزية والروسية يسلط الضوء على "تدخل قوات فاغنر الروسية في الحرب التي أعلنها الجيش الليبي بقيادة خليفة على الميليشيات المسلحة في طرابلس".
استمد التقرير معلوماته من لوح إلكتروني من طراز سامسونغ كان قد خلّفه أحد مقاتلي فاغنر ورائهم بعد أن تقهقروا من مناطق في جنوب طرابلس في ربيع 2020 - عن الدور الأساسي الذي تقوم به هذه المجموعة فضلاً عن أسماء حركية للمقاتلين أمكن تعقبها . كما حصل فريق بي بي سي الميداني على "قائمة مشتريات" لمعدات عسكرية متطورة من أحدث طراز يقول شهود خبراء بأنه لا يمكن أن تأتي إلا من إمدادات الجيش الروسي.
وذكرت وكالة الأنباء الليبية أن اللوح الالكتروني ضمن خرائط باللغة الروسية لجبهة القتال مما يؤكد الحضور الكبير لمقاتلي فاغنر، كما يوفر رؤية معمقة غير مسبوقة للعمليات التي تقوم به هذه المجموعة في ليبيا.
تبدو إستراتيجية موسكو في ليبيا أكثر تقدما من واشنطن، فهي تتواجد ميدانيا، وإن بشكل غير مباشر، وتمتلك طائرات حربية متطورة، ومنظومات دفاع جوي. ولا يبدو أن موسكو تخطط لأي يتراجع عن هدف سعت له منذ عقود، وهو الوصول إلى المياه الدافئة، وأيضا محاصرة حلف الناتو من الجنوب، ردا على تمدده في ما تعتبره حديقتها الخلفية في الغرب (أوروبا الشرقية)، كما أن عودتها القوية إلى الشرق الأوسط ومساعيها لدخول أفريقيا يتطلبان أقداما راسخة في ليبيا.