واشنطن تدعو رعاياها إلى مغادرة العراق فورا

وزارة الدفاع الأميركية تؤكد أن قاسم سليماني كان يعكف على وضع خطط لمهاجمة أميركيين في العراق والشرق الأوسط.
حزب الله وحماس والجهاد ينعون مقتل سليماني والمهندس
الجيش الإسرائيلي يعلن حالة التأهب القصوى تحسبا لرد إيراني
أكبر عملية تقوم بها واشنطن بعد مقتل البغدادي وبن لادن

بغداد - دعت وزارة الخارجية الأميركية اليوم الجمعة رعاياها إلى مغادرة العراق فورا، على إثر الضربة الجوية التي نفذتها القوات الأميركية وقتل فيها قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني ونائب الحشد الشعبي قرب مطار بغداد.

وقالت السفارة الأميركية في بغداد في بيان "نظرا لتصاعد التوترات في العراق والمنطقة تحث السفارة الأميريكية جميع الرعايا على الامتثال لإرشادات السفر في يناير/كانون الثاني 2020 ومغادرة العراق على الفور. يتعين على المواطنين الأميركيين المغادرة جوا إذا أمكن ذلك وإن لم يتسن ذلك فعليهم السفر إلى بلدان أخرى برا".

وكانت وزارة الدفاع الأميركية قد أعلنت في بيان صدر بعد مقتل سليماني والمهندس أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمر الجيش بهذه الضربة من أجل "حماية الأفراد الأميركيين في الخارج"، مضيفة أنه كان يعكف على وضع خطط لمهاجمة أميركيين في العراق والشرق الأوسط.

وقال البنتاغون "بتوجيه من الرئيس، نفذ الجيش الأميركي تحركا دفاعيا حاسما لحماية الجنود الأميركيين في الخارج بقتل قاسم سليماني".

وأضاف "هذه الضربة تهدف إلى ردع أي خطط إيرانية لشن هجمات في المستقبل"، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة ستواصل اتخاذ الإجراءات الضرورية لحماية مواطنيها ومصالحها في أنحاء العالم.

وقال البنتاغون إن سليماني "نسق" هجمات استهدفت قواعد التحالف الدولي في العراق على مدى الشهور القليلة الماضية ووافق على "مهاجمة" السفارة الأميركية في بغداد هذا الأسبوع.

وذكر مسؤولون أميركيون طلبوا عدم نشر أسمائهم، أن سليماني قتل في ضربة بطائرة مسيرة. بينما قال الحرس الثوري إنه قتل في هجوم بطائرات هليكوبتر أميركية.

وأظهرت صور حطاما مشتعلا على طريق قرب مطار بغداد.

وقالت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية إن استهداف سليمان جرى بعدة صواريخ من طائرة مسيرة نحو سيارة كانت تنقله مع قادة ميليشيات من مطار بغداد فور وصوله من سوريا.

الضربة الأميركية التي استهدفت سليماني تعد أكبر عملية عند رأس الهرم تقوم بها الولايات المتحدة بعد مقتل البغدادي وبن لادن زعيمي تنظيمي الدولة الإسلامية والقاعدة

وقال القيادي المحلي أبو منذر الحسيني إن سليماني والمهندس كانا في مركبة أصابها صاروخان بينما كانا في طريقيهما للخروج من المطار من صالة الوصول. وأضاف أن المركبة الثانية التي كانت تقل حراسا من الحشد الشعبي أصابها صاروخ واحد.

وقال مسؤول أميركي إن أبو مهدي المهندس، نائب الحشد الشعبي الموالي لإيران في العراق، قُتل في الضربة استنادا لمعلومات أولية على الرغم من أنه لم يكن الهدف الأساسي للضربة.

وأضاف أن وزارة الدفاع الأميركية تدرك أن إيران من الممكن أن ترد وأن مسؤولي الجيش الأميركي مستعدون للدفاع عن أنفسهم. ولم يستبعد المسؤول إرسال أي قوات أو معدات عسكرية إضافية إلى المنطقة.

وقالت نيكي هيلي السفيرة الأمريكية السابقة لدى الأمم المتحدة إن موت سليماني "ينبغي أن يلقى إشادة من جميع الساعين للسلام والعدالة".

وأمس الخميس، قبل تنفيذ الضربة قال وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر إن هناك مؤشرات على أن إيران أو قوات تدعمها ربما تخطط لمزيد من الهجمات وحذر من أن "اللعبة تغيرت" وأنه من المحتمل أن تتخذ الولايات المتحدة إجراء استباقيا لحماية حياة الأميركيين.

من جانبها حثت السفارة الفرنسية في طهران مواطنيها هناك اليوم الجمعة على الابتعاد عن التجمعات العامة بعد اغتيال سليماني.

وذكرت السفارة في بيان على تويتر "أُعلن الحداد ثلاثة أيام بعد مقتل الجنرال سليماني. في هذا السياق نناشد المواطنين الفرنسيين بالابتعاد عن أي تجمعات والتصرف بحكمة وحذر والامتناع عن التقاط صور في الأماكن العامة".

وفي إسرائيل التي تعتبرها إيران العدو الثاني بعد الولايات المتحدة وأقرب حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط، استدعى وزير الدفاع القادة العسكريين والأمنيين إلى تل أبيب اليوم الجمعة لبحث تداعيات العملية الأميركية في بغداد.

وقال مسؤولون في وزارة الدفاع إنه نظرا لزيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اليونان، دعا وزير الدفاع نفتالي بينيت كبار القادة صباح اليوم الجمعة "لتقييم الوضع".

وقالت إذاعة الجيش الإسرائيلي إن الجيش أعلن حالة التأهب القصوى في ظل مخاوف من أن تنفذ إيران ضربة عبر حلفائها في المنطقة مثل جماعة حزب الله اللبنانية على شمال إسرائيل وأيضا سوريا أو عبر حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة.

ونقل تلفزيون المنار عن الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله قوله إن جماعته ستواصل السير على نهج سليماني بعد مقتله.

ونسبت القناة إلى نصر الله قوله إن الولايات المتحدة لن تستطيع تحقيق أي من أهدافها بهذه "الجريمة الكبيرة" مضيفا أن القصاص العادل سيكون مسؤولية كل المقاومين.

وفي غزة نددت حركة حماس، التي تتلقى دعما ماليا وعسكريا من طهران منذ وقت طويل، بمقتل سليماني وعبرت عن خالص تعازيها لإيران.

وكتب باسم نعيم القيادي في حماس على تويتر إن اغتيال سليماني بقصف جوي أميركي "يفتح أبواب المنطقة على كل الاحتمالات ولكن ليس من بينها الهدوء والاستقرار، وأميركا تتحمل المسؤولية الكاملة عن ذلك".

من جهتها أدانت الحكومة السورية اغتيال قائد فيلق القدس ونائب رئيس الحشد وعدد من كوادره، واعتبرت العملية "تصعيداً خطيراً وكبيرا".

وكتب أفيخاي أدرعي المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي على تويتر "نتابع تقييم الوضع، لا يوجد أي تعليمات إضافية للسكان في منطقة هضبة الجولان وتمضي الأنشطة المعتادة على نحو طبيعي".

وطالما اعتبرت إسرائيل سليماني تهديدا رئيسيا. وفي أغسطس/آب العام الماضي قال الجيش إنه أحبط هجوما لفيلق القدس أعده سليماني وكان يشمل عدة طائرات مسيرة من سوريا.

واتهمته إسرائيل أيضا بقيادة جهود فيلق القدس لتدشين برنامج صواريخ دقيقة التوجيه لجماعة حزب الله.

وقال معلقو وسائل الإعلام الإسرائيلية إن وزراء الحكومة الائتلافية التي يرأسها نتنياهو لديهم تعليمات بعدم الحديث علنا عن مقتل سليماني.

أما روسيا حليفة إيران في الشرق الأوسط فقد اعتبرت مقتل سليماني تصعيدا للتوتر في المنطقة كلها، ونقلت وكالتا ريا نوفوستي وتاس عن وزارة الخارجية أن "العملية تعتبر مغامرة ستؤدي لزيادة التصعيد في المنطقة، مشيرة إلى أن "سليماني خدم بإخلاص للدفاع عن المصالح الوطنية لإيران".

وأضافت الخارجية "نعرب عن خالص التعازي للشعب الإيراني".

ودعت الصين إلى ضبط النفس من جميع الأطراف "وخصوصا الولايات المتحدة" بعد العملية.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية غينغ شوانغ لصحافيين "نحض الأطراف ذات الصلة، وخصوصا الولايات المتحدة، على الحفاظ على الهدوء وممارسة ضبط النفس لتجنب المزيد من تصعيد التوتر".

وتخوض إيران صراعا طويلا مع الولايات المتحدة، تصاعد بشكل حاد الأسبوع الماضي بهجوم على السفارة الأميركية في العراق نفذه أفراد فصائل موالية لطهران في أعقاب غارة جوية أميركية على فصيل كتائب حزب الله الذي أسسه المهندس.

ورأى الخبير الأميركي في المجموعات الشيعية المسلحة فيليب سميث أن الضربة هي "أكبر عملية عند رأس الهرم تقوم بها الولايات المتحدة، إلى جانب العمليتين اللتين قتلتا أبا بكر البغدادي وأسامة بن لادن"، زعيمي تنظيمي الدولة الإسلامية والقاعدة.

وتداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي بكثافة صورا وفيديوهات من مكان الضربة الجوية قرب مطار بغداد ظهرت فيها أشلاء المستهدفين.

وتجد بغداد نفسها منذ سنوات عالقة في موقع حرج بين حليفيها الكبيرين، الولايات المتحدة وإيران، فيما يتصاعد التوتر بينهما لا سيما حول الملف النووي الإيراني.

وينعكس العداء بين طهران وواشنطن على المؤسسة الأمنية العراقية، إذ قامت الولايات المتحدة بتدريب وتسليح وحدات النخبة في هذه القوات، لا سيما وحدات مكافحة الإرهاب، فيما قامت إيران بتمويل وتسليح وتدريب معظم قوات الحشد الشعبي التي حاربت إلى جانب القوات العراقية لهزم داعش.

ويملك فيلق القدس الذي كان يقوده سليماني، إلى جانب وكلائه مثل حزب الله اللبناني والحشد الشعبي في العراق، سبلا كافية لشن هجمات مركبة على أعدائه.

وفي سبتمبر أيلول، ألقى مسؤولون أميركيون باللوم على إيران في هجوم بصواريخ وطائرات مسيرة على منشأتين للنفط في أرامكو بالسعودية، وشنت طهران أيضا عبر ميليشيات الحوثي وكلائها في اليمن هجمات على ناقلات نفط وسفت تجارية في مضيق هرمز الاستراتيجي.

وفي يونيو الماضي تراجع ترامب في آخر لحظة عن توجيه ضربة لإيران بعد اسقاط الحرس الثوري لطائرة مسيرة أميركية فوق مضيق هرمز.

ومن جانبها، شهدت إيران عشرات الضربات الجوية والهجمات الصاروخية، التي نفذتها إسرائيل بشكل أساسي ضد المقاتلين الإيرانيين ووكلاء طهران في سوريا والعراق.

لكن محللين يقولون إن إيران من المرجح أن ترد بقوة على اغتيال سليماني، الذي حولته إلى أسطورة مع انتشار هيمنتها عبر المنطقة في أعقاب الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق في 2003 واحتلاله بعد ذلك.

وذاع صيت سليماني في الداخل والخارج بعد أن روجت فيه طهران لذراعها الخارجية للعب دور محوري في المعارك ضد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في سوريا والعراق.

ونجا سليماني من عدة محاولات لاغتياله من وكالات مخابرات غربية وإسرائيلية وعربية على مدى العقدين المنصرمين.

وحشد فيلق القدس، الذي كان منوطا بتنفيذ عمليات خارج حدود إيران، الدعم للرئيس السوري بشار الأسد عندما بدا أنه على شفا الهزيمة في الحرب الأهلية المستعرة منذ 2011 كما ساعد الفصائل الشيعية المسلحة على هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق ليحكم سيطرة طهران فيما بعد على مفاصل الدوائر السياسية والأمنية والعسكرية في البلاد.

وتولى سليماني قيادة فيلق القدس في عام 1998، وهو منصب ظل فيه خلف الكواليس لسنوات بينما كان يعزز روابط إيران بجماعة حزب الله اللبنانية والحكومة السورية والفصائل الشيعية في العراق.

أما المهندس، الذي اغتيل مع سليماني، فأشرف على الحشد الشعبي العراقي وهو مظلة تنضوي تحت لوائها في الأغلب فصائل شيعية تدعمها إيران تم دمجها رسميا في القوات المسلحة العراقية.

ولطالما كانت كتائب حزب الله، التي تلقت تدريبا ميدانيا من جماعة حزب الله اللبنانية، تستهدف القوات الأميركية وكانت واحدة من أول الجماعات التي دفعت بمقاتلين إلى سوريا لدعم الأسد.

وفي 2009، أعلنت واشنطن كتائب حزب الله منظمة إرهابية أجنبية، قائلة إنها تهدد الأمن في العراق وأعلنت المهندس إرهابيا. وفي 2007، قضت محكمة كويتية بإعدامه غيابيا بسبب دوره في تفجير السفارتين الأمييكية والفرنسية في الكويت عام 1983.