واشنطن تعيد للعراق.. ديناره

الحكومة العراقية على طريق اصلاح سوق الصرف بعيدا عن مافيات مزادات العملة وتهريبها.

اكتسبت رحلة وفد العراق، برئاسة وزير الخارجية السيد فؤاد حسين أهمية وحساسية تختلف عن سابقاتها.

فرغم أن مثل هذه الزيارات تجري عادة لمناقشة العلاقة بين بغداد وواشنطن والقضايا المشتركة بين الجانبين، وأهمها الاتفاقية الإستراتيجية بين الجانبين التي ترسم العلاقة بين الطرفين، لكن تزامنها مع الأزمة الاقتصادية الخطيرة، التي عصفت بالدينار وجعلته ينخفض بصورة لافتة أمام الدولار، جعلها مهمة لمصلحة العراق واقتصاده.

الواقع أثبت أن بغداد ما زالت بحاجة إلى الدعم الأميركي في معالجة الاقتصاد الداخلي وأهمها تقوية الدينار العراقي. كما أن موارد العراق جميعها تقريبا أمست بيد واشنطن خصوصاً وأن العراق ما زال يخضع لقانون البنك الفيدرالي الأميركي وسياسة البنك الدولي، في آليات الحصول على الدولار لتمشية أعمال الحكومة ومشاريعها وتغطية واردتها.

عملية التلاعب بدأت في "مزاد العملة" والذي بدأته الولايات المتحدة عام 2004 للسماح للمصارف العراقية بالوصول إلى الدولار وبأسعار تفضيلية لتمويل المشاريع بالإضافة إلى السلع الواردة له. ويتم ذلك من خلال حساب عراقي في بنك الاحتياط الفيدرالي ومقره نيويورك، ويتم من خلاله توجيه عائدات النفط. لكن عمليات الفساد الكبيرة والتلاعب من خلال مافيات الفساد، وتهريب الأموال إلى دول الجوار عبر شركات وأشخاص وهميين في محاولة لتهديد الاقتصاد العراقي، جعل واشنطن والبنك الفيدرالي الأميركي ينتبهان لهذه العملية الخطيرة في تهريب العملة، ويحذران بغداد من هذه المافيات الخطيرة.

يقال في أروقة الاقتصاد السياسي، أنه ومنذ عام 2012 ما يصل إلى 80% من مبيعات المزاد بالدولار كانت مرتبطة بصفقات غير قانونية يتم تحويلها إلى الخارج!

عام 2015 قيدت واشنطن مؤقتاً تدفق الدولار لإيقاف عمليات التحويل، ولكنها تراجعت عندما احتجت بغداد، ووافقت على إجراء بعض الإصلاحات، التي وصفت بالتجميلية، على عمليات التحويل التي يقوم بها "سوق الأوراق المالية". وبسبب القلق المستمر من إمكانية وعدم الاستقرار في العراق، عمدت واشنطن إلى إلقاء الوضع الاقتصادي العراقي في أزمة كبيرة وخطيرة، من خلال إيقاف تدفق الدولار لبنكه المركزي، وإيقاف تمويل الواردات العراقية، وقننت هذه الواردات حتى وصلت إلى النصف.

يعتقد كما يرى كثير من المحللين السياسيين أن البنك المركزي العراقي لديه الإمكانيات الجيدة للسيطرة على عمليات التهريب المنظمة وإجراء إصلاحات اقتصادية على سوق العملة، وملاحقة عمليات التهريب التي تقوم بها عصابات الجريمة، عبر منافذ متعددة في العراق، ومكافحة غسيل الأموال.

حكومة السيد السوداني مطالبة اليوم بإيجاد آليات عملية وحقيقية لمعالجة ملف سعر صرف العملة، وربما هناك حلول قريبة كما يتداول، ولكنها لن تكون سريعة وآنية، وهذا طبيعي أمام المشاكل الكبيرة المتراكمة. فلا يمكن بأي مقاييس سياسية أو اقتصادية أن يكون حلها سريعا.. وأي إجراء تقوم به الحكومة لمعالجة هذا الملف وغيره، سيكون كفيلاً بالتغير الإيجابي نحو اقتصاد مستقر.