واشنطن تُقيّم هجوم داعش على سجن الحسكة

حصيلة أولوية قابلة للارتفاع تشير إلى مقتل 123 شخصا في الاشتباكات المستمرة لليوم الرابع على التوالي بين قوات سوريا الديمقراطية ومسلحي تنظيم الدولة الإسلامية.
'قسد' تشدد بدعم من التحالف الدولي حصارها لسجن الحسكة
أنباء عن سيطرة نزلاء من عناصر داعش المعتقلين على سجن الحسكة
داعش يعرض مقاطع فيديو تظهر 'أسرى' من قوات قسد
تنامي الاستياء بين السكان العرب من ممارسات قسد التمييزية

واشنطن/بيروت - اعتبرت الولايات المتحدة أن الهجوم الدموي الذي شنه تنظيم الدولة الإسلامية خلال الأيام الأخيرة على سجن في مدينة الحسكة الخاضعة للإدارة الكردية في شمال شرق سوريا، والمواجهات العنيفة التي خاضتها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في صدّ التنظيم المتطرف وما نجم عنها من خسائر فادحة، تمثل تذكيرا صارخا بالتحديات التي تواجهها المنطقة.

وفيما أشادت واشنطن بجهود شركائها بمن فيهم المقاتلون الأكراد وبردها السريع والتزامها المستمر بمحاربة داعش في شمال شرق سوريا، نددت بشدة بالهجوم الذي شنه داعش على سجن الحسكة في محاولة للإفراج عن معتقلين من مقاتليه، مشيرة إلى القوات الكردية تكبدت خسائر بشرية في هذه المواجهة الدموية.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس في بيان، إن الخسائر التي تكبدها الشركاء في هذه الهجمات "تمثل تذكيرا صارخا بالتحديات الفعلية التي لا تزال المنطقة تواجهها"، مشدد على أن الولايات المتحدة تواصل الوقوف إلى جانب شركائها في المنطقة لمواجهة فلول داعش.

ولفت إلى أن الهجوم "يسلط الضوء على أهمية المبادرات التي يتخذها التحالف الدولي لهزيمة داعش وضرورة تمويلها بشكل كامل بغرض تحسين الاحتجاز الآمن والإنساني لمقاتلي داعش، بما في ذلك من خلال تعزيز أمن مرافق الاحتجاز.

وتابع أن ما حدث يؤكد أيضا على الحاجة الملحة لبلدان المنشأ إلى استعادة مواطنيها المحتجزين في شمال شرق سوريا وإعادة تأهيلهم ودمجهم ومقاضاتهم متى اقتضى الأمر ذلك".

وارتفعت حصيلة المواجهات المستمرة لليوم الرابع على التوالي بين مقاتلين من تنظيم الدولة الإسلامية والقوات الكردية إلى 123 قتيلا على إثر هجوم للجهاديين على سجن الحسكة، وفق ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان الأحد.

وتحدّث المرصد عن مقتل "77 من تنظيم الدولة الإسلامية و39 من الأسايش وحراس السجن وقوات مكافحة الإرهاب وقسد وسبعة مدنيين،" في آخر حصيلة.

وقال المرصد إن "العدد أكبر من ذلك والعدد الحقيقي غير معروف حتى اللحظة، نظرا لوجود العشرات الذين لا يعرف مصيرهم"، إضافة إلى عدد كبير من الجرحى بعضهم في حالات خطرة.

والهجوم الذي يشنه تنظيم الدولة الإسلامية على سجن غويران هو "الأكبر والأعنف" منذ إعلان القضاء على خلافته المزعومة في مارس/آذار 2019 وخسارته كل مناطق سيطرته.

وكان هجوم الجهاديين على السجن الكبير في مدينة الحسكة الذي يضم آلافا من عناصر التنظيم، بدأ ليل الخميس الجمعة. وتحاول القوات الكردية احتواء هذا الهجوم المتواصل لليوم الرابع بدعم من قوات التحالف.

وقال المرصد الأحد "شهد السجن ومحيطه بعد منتصف ليل السبت الأحد اشتباكات عنيفة بين قوى الأمن الداخلي وقوات سوريا الديمقراطية" في محاولة مستمرة للسيطرة على السجن وإنهاء تواجد عناصر التنظيم في محيطه، بدعم وإسناد من التحالف الدولي.

وأشار إلى اعتقال مئات السجناء "من داعش بينما لا يزال العشرات منهم فارين" من دون تحديد العدد الإجمالي للسجناء الذين تمكنّوا من الهرب.

وقال سكان ومسؤولون إن فصيل قوات سوريا الديمقراطية الذي يقوده الأكراد شدد بدعم من قوات أميركية حصاره على سجن يضم مجموعة ممن يشتبه في انتمائهم لتنظيم الدولة الإسلامية وذلك بعد سيطرة النزلاء على منشأة السجن.

وقال شهود ومسؤولون إن متطرفين فجروا سيارة ملغومة قرب بوابات السجن وساعدوا عشرات من النزلاء على الفرار إلى منطقة غويران المجاورة في الحسكة.

وقالت قوات سوريا الديمقراطية في البداية إنها أحبطت عملية الهروب وألقت القبض على 89 نزيلا كانوا يختبئون في مأوى بمنطقة قريبة غير أنها اعترفت في ما بعد بأن النزلاء سيطروا على أجزاء من المنشأة.

وقالت اليوم الأحد إن 17 من أفرادها سقطوا قتلى في أسوأ شغب في مراكز الاحتجاز التي تضم بين جدرانها آلافا من المشتبه في انتمائهم للمتطرفين والذين ألقي القبض عليهم بعد هزيمتهم بدعم أمريكي في شمال سوريا وشرقها.

وأكدت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة نفذ ضربات جوية دعما لقوات سوريا الديمقراطية في سعيها لإنهاء التمرد داخل السجن.

وقالت شخصيات من العشائر العربية على اتصال بسكان المنطقة إن قوات التحالف سيطرت على مواقع حول السجن وإن طائرات شوهدت تحلق في سماء المنطقة.

ولم يتضح عدد النزلاء في السجن الذي يعد أكبر منشأة تحتجز فيها قوات سوريا الديمقراطية الآلآف. ويقول أقارب عدد كبير من النزلاء إنهم صبية اعتقلوا هم وغيرهم باتهامات واهية لمقاومة تجنيدهم إجباريا لدى قوات سوريا الديمقراطية.

وأغلب النزلاء العرب محتجزون دون أن توجه لهم اتهامات أو تجري محاكمتهم الأمر الذي يغذي مشاعر الاستياء بين أفراد العشائر الذين يتهمون القوات الكردية بالتمييز العنصري وهو اتهام ينفيه الفصيل الذي يقوده الأكراد.

وتقول منظمة هيومن رايتس ووتش ومقرها الولايات المتحدة إن قوات سوريا الديمقراطية تحتجز حوالي 12 ألفا من الرجال والصبية الذين يشتبه بانتمائهم إلى تنظيم الدولة الإسلامية بينهم ما بين 2000 و4000 أجنبي من حوالي 50 دولة.

وتقول منظمات مدنية إن آلافا غيرهم محتجزون في مراكز سرية ينتشر فيها التعذيب. وتنفي القوات الكردية السورية هذه الاتهامات.

وتقول هيومن رايتس ووتش وجماعات حقوقية أخرى إن النزلاء محتجزون في سجون مزدحمة الأوضاع فيها غير إنسانية في كثير من الحالات.

ويتهم بعض العرب الذين يشكلون أغلبية السكان في المناطق الخاضعة لسيطرة وحدات حماية الشعب الكردية السورية الأكراد بالتمييز. وينفي مسؤولون أكراد هذا الاتهام.

وتقول قيادات محلية إن التأييد تنامى لتنظيم الدولة الإسلامية الذي لجأ إلى أساليب حرب العصابات منذ فقد السيطرة على آخر قطعة من الأرض كانت تحت سيطرته في سوريا في 2019 وذلك مع تزايد الاستياء المحلي من سيطرة الأكراد على حكم المنطقة.

ويفسر الظهور المفاجئ لداعش وهذه العودة القوية إلى حدّ ما بتنامي غضب السكان من نفوذ الأكراد وإدارتهم الظهر لشركائهم العرب في المنطقة

وسُمعت في حي غويران أصوات اشتباكات عنيفة في المناطق المحيطة بالسجن الذي يضم ما لا يقل عن 3500 شخصا يُشتبه بانتمائهم إلى تنظيم الدولة الإسلامية.

وقالت مصادر إن "قوات سوريا الديمقراطية" تنتشرُ بكثافة في الأحياء المحيطة بالسجن، وتنفذ عمليات تمشيط، وتستخدم مكبّرات الصوت لدعوة المدنيين إلى مغادرة المنطقة.

وقال أحد المدنيين الفارين بعد عبوره المناطق المشتعلة "الوضع سيء جدا والاشتباكات عنيفة. يدخلون البيوت ويقتلون الناس فيها".

وأضاف الرجل الثلاثيني الذي كان يحمل طفلا رضيعا لف ببطانية من الصوف "نجونا بأعجوبة".

وتحدثت همشة سويدان (80 عاما) والتي كانت محاصرة في منزلها القريب من السجن، عن معاناة المدنيين "بدون خبز أو ماء" مع احتدام المعارك.

وقالت بعد هروبها هي الأخرى من منطقة الاشتباكات "نكادُ نموت من الجوع والعطش لا نعرف إلى أين نذهب الآن؟"

ويشنّ التنظيم المتطرف منذ انهيار دولته المزعومة، بين الحين والآخر هجمات ضد أهداف حكومية وكردية في منطقة البادية مترامية الأطراف، الممتدة بين محافظتي حمص (وسط) ودير الزور (شرق) عند الحدود مع العراق، وهي المنطقة التي انكفأ إليها مقاتلو التنظيم.

لكن هجومه الأخير على السجن، يعد الأكبر منذ دحره، ويمثّل مرحلة جديدة في عودة ظهور التنظيم مرة أخرى.

وقال تنظيم الدولة الإسلامية في بيان نشره عبر حساب وكالة أعماق الدعائية التابعة له على تطبيق تلغرام، إنه سيطر على مخزن أسلحة في السجن وأطلق سراح المئات من مقاتليه منذ بدء العملية.

ونشر التنظيم شريطا مصورا عبر وكالة أعماق يُظهر عددا من مقاتليه وهم يرفعون علم التنظيم الأسود ويهاجمون السجن حيث يحاصرون ما يبدو أنه مجموعة من حراس السجن.

ونشر أيضا شريطا مصورا ثانيا السبت، يُظهر نحو 25 رجلا قال إنه اعتقلهم خلال هجومه على السجن، وبعضهم يرتدي زيّا عسكريا.

وتعليقا على هذه المشاهد قال مدير المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية فرهاد شامي إن "هؤلاء من العاملين بمطبخ السجن"، موضحا أن "قواتنا فقدت الاتصال معهم خلال التصدي للهجوم الأول"، من دون الكشف عن المزيد من التفاصيل.