واشنطن لم تحدد بعد موعد الانسحاب من سوريا
جنيف - قال المبعوث الأميركي جيمس جيفري، اليوم الجمعة، إنه لم يبق لتنظيم الدولة الإسلامية سوى بضع مئات من المقاتلين وأقل من كيلومتر مربع من الأراضي تحت سيطرته في آخر معقل له في سوريا، رغم أنه ربما كان له ما بين 15 ألفا و20 ألف مناصر في سوريا والعراق.
وقال جيفري، ممثل ألولايات المتحدة الخاص لسوريا والمبعوث الخاص للتحالف الدولي الذي يحارب الدولة الإسلامية "نحن على وشك إنهاء الحملة على طول نهر الفرات لاسترداد آخر أراضي الخلافة. لم يبق سوى بضع مئات من المقاتلين وأقل من كيلومتر من الأراضي".
وأضاف أن المعركة ستستمر للقضاء على فكر الدولة الإسلامية ولا يوجد إطار زمني لانسحاب الولايات المتحدة.
وجدد جيفري طلب الولايات المتحدة إلى الدول " للإسراع في استعادة مقاتلي التنظيم الذين تحتجزهم قوات سوريا الديمقراطية وعائلاتهم، والمشاركة في عبء المحاكمات وإعادة التأهيل".
يأتي تصريح جيفري في وقت تعمل فيه قوات سوريا الديموقراطية على تعزيز مواقعها حول الجيب الأخير لداعش في شرق سوريا، بانتظار خروج المزيد من المحاصرين.
وبعدما ساهم انخراط المجموعات الجهادية في تعقيد النزاع الذي بدأ باحتجاجات سلمية سرعان ما قمعتها السلطات السورية، توشك "الخلافة" التي أعلنها التنظيم عام 2014 على مناطق واسعة سيطر عليها في سوريا والعراق المجاور تعادل مساحة بريطانيا، على الانهيار.
وتشهد خطوط الجبهة في بلدة الباغوز الجمعة هدوءاً، بعدما أبطات قوات سوريا الديموقراطية وتيرة عملياتها منذ ظهر الخميس، ما أتاح خروج نحو 1300 من مقاتلي التنظيم وأفراد عائلاتهم.
وقال قيادي في قوات سوريا الديموقراطية، اليوم الجمعة، إن قواته تعمل منذ الليل على تعزيز مواقعها حول الجيب المحاصر، وهو عبارة عن مخيم عشوائي محاط بأراض زراعية تمتد حتى الحدود العراقية على الضفاف الشرقية لنهر الفرات، في انتظار خروج المزيد من المحاصرين.
وأفاد جياكر أمد، متحدث في الوحدات الكردية التي تشكل المكون الرئيسي في قوات سوريا الديموقراطية، عن "احتمال أن تكون العمليات بطيئة الجمعة إفساحاً في المجال أمام خروج المدنيين".
وأضاف "لا نعرف أعداد المتبقين ولا نستطيع أن نقول المئات أو الآلاف"، موضحاً أن "من بقوا في الداخل لديهم عقيدة قوية، فداعش ليس منظمة عادية ويضم فدائيين كثر سيقاومون حتى النهاية".
وشهدت المنطقة ليلة هادئة لم يعكرها، وفق مقاتلين، إلا تنفيذ طائرات التحالف الدولي بضع ضربات قرابة الساعة الثانية ليلاً.
وتراجعت وتيرة القتال الخميس بعد ليلة قصف كثيف واشتباكات بدأت الأربعاء، إثر شن مقاتلي التنظيم الرافضين للاستسلام هجومين معاكسين على مواقع قوات سوريا الديموقراطية، مستفيدين من عاصفة رملية تضرب المنطقة ذات الطبيعة الصحراوية.
وعلى تخوم الباغوز، يظهر مئات من الرجال، بعضهم على عكازات وآخرون مضمدو الأطراف، برفقة نساء منقبات وأطفال مذعورين وهم يشقون طريقهم صعوداً في مسارات وعرة وضيقة قادتهم من جيب التنظيم في الباغوز إلى قمة جرف صخري تتمركز عليها قوات سوريا الديموقراطية.
وبدا غالبية الرجال جرحى وقد أرخوا لحاهم، ويلفّ عدد منهم عينه أو أحد أطرافه بضمادات. وحملت نساء منقبات أكياساً مليئة بالأغراض، وسار إلى جانبهنّ أطفال بدت أجسادهم نحيلة ومتّسخة، وارتفع صوت بكاء عدد منهم.
وحملت امرأة على كتفيها امرأة أخرى مصابة بجروح في رجلها، من دون أن يتضح عمراهما أو صلة القربى بينهما.
وكانت قوات سوريا الديموقراطية أعلنت في وقت سابق أن "ثلاثة آلاف إرهابي.. استسلموا" يومي الاثنين والثلاثاء.
وفي الأسابيع الأخيرة، علّقت هذه القوات مراراً هجومها ضد جيب التنظيم، ما أتاح خروج عشرات الآلاف من الأشخاص، غالبيتهم نساء وأطفال من أفراد عائلات المقاتلين، وبينهم عدد كبير من الأجانب.
ومنذ بدء العمليات العسكرية في سبتمبر/ أيلول، خرج نحو 60 ألف شخص منذ ديسمبر/ كانون الأول من مناطق كانت تحت سيطرة التنظيم في شرق سوريا، قبل أن يُطرد منها تباعاً.
وخضع الرجال والنساء والأطفال وغالبيتهم من عائلات مقاتلي التنظيم لعمليات تفتيش وتدقيق في هوياتهم بعد خروجهم. وتمّ نقل الرجال المشتبه بأنهم جهاديون إلى مراكز اعتقال، فيما أرسل الأطفال والنساء إلى مخيمات في شمال شرق البلاد أبرزها مخيم الهول الذي بات يؤوي أكثر من 66 ألفاً.
ويعاني القاطنون في هذا المخيم من أوضاع "بائسة"، وفق المنظمات الإنسانية الدولية التي تبذل جهودا قصوى لتوفير الحد الأدنى من احتياجاتهم.
وأفاد صندوق الأمم المتحدة للسكان في بيان الخميس عن "اكتظاظ داخل مخيم الهول وشروط غير ملائمة للسكن تهدد كرامة الإنسان وحياته". وأوضح أن الوافدين "يضطرون للنوم على الأرض في ظل ظروف مناخية قاسية كالمطر وانخفاض درجات الحرارة".
وبحسب لجنة الإنقاذ الدولية، فإن 120 شخصاً، غالبيتهم من الأطفال، لقوا حتفهم خلال رحلتهم الى مخيم الهول أو بعد وصولهم بفترة قصيرة.
وقدّرت منظمة إنقاذ الطفل "سايف ذي تشيلدرن" الخميس وجود أكثر من 3500 طفل أجنبي من أكثر من ثلاثين دولة، في ثلاثة مخيّمات للنازحين في شمال شرق سوريا. وأفادت أن أكثر من ألفين منهم هم دون الخامسة من العمر.
وتوشك "خلافة" التنظيم على الانهيار في سوريا، بعد سنوات أثار فيها الرعب بقوانينه المتشددة واعتداءاته الوحشية.
ولا يعني حسم المعركة في منطقة دير الزور انتهاء خطر التنظيم، في ظل قدرته على تحريك خلايا نائمة في المناطق الخارجة عن سيطرته واستمرار وجوده في البادية السورية المترامية الأطراف.
وتشكل جبهة الباغوز دليلاً على تعقيدات النزاع السوري الذي بدأ الجمعة عامه التاسع، مخلفاً أكثر من 370 ألف قتيل، بينهم ما يزيد عن 112 ألف مدني، وفق حصيلة نقلها المرصد السوري لحقوق الإنسان الجمعة.
ومن بين القتلى المدنيين أكثر من 21 ألف طفل و13 ألف امرأة.
وتعد هذه الحصيلة السنوية الأدنى منذ اندلاع النزاع بعد تراجع المعارك على جبهات عدة. وباتت القوات الحكومية السورية تسيطر راهناً على نحو ثلثي مساحة البلاد بعدما تمكنت من حسم جبهات عدة على حساب فصائل معارضة وجهادية، بفضل دعم حلفائها لا سيما روسيا منذ بدء تدخلها العسكري في سبتمبر/أيلول.
وفي 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قراره بسحب قوات بلاده من سورية، معلنا تحقيق الانتصار على داعش. لكن البيت الأبيض كشف لاحقاً أن واشنطن ستترك 200 جندي أميركي في سورية لفترة من الوقت لحفظ السلام بعد انسحابها.