وثيقة تكشف كيف خذل التنظيم الدولي إخوان الكويت بتأييده الغزو

منذ أن تكون للإخوان فرع في الكويت على يد عبدالعزيز العلي وإخوان الكويت تشكل داعماً مالياً رئيساً للتنظيم العالمي وزاد هذا الدعم بعد أن بات هذا الفرع جزءاً من التنظيم العالمي منذ أواخر السبعينيات وحتى إعلان فك ارتباطه عام 1991 كأحد تداعيات زلزال الغزو.

بقلم: صلاح الدين حسن

اجتاحت قوات صدام حسين، الكويت عام 1990، فأصدر التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين بيانًا وقعه مرشد الجماعة حينها: محمد حامد أبو النصر، ندد فيه بالغزو، فيما صرح هذا المرشد ردا على السفير العراقي في القاهرة، بأن نظام بغداد هو «الفئة الباغية».

بيد أن إخوان الكويت سرعان ما أدركوا أن ذلك البيان لم يكن يعبر عن واقع الجماعة، التي ذهب غالبية فروعها في دول عدة، إلى إعلان مساندتهم للغزو العراقي، فضلا عن رموز الجماعة وقادتها الذين أفصحوا عن موقفهم المتعاطف مع الغزو، بحجة أنهم رافضون لدخول القوات الأمريكية للمنطقة حتى لو كان من أجل تحرير الكويت.

صدم إخوان الكويت من أفعال إخوانهم في التنظيم العالمي، الذين وصل الأمر بهم إلى تكوين وفد للذهاب إلى صدام حسين لمقابلته، والشد من أزره في مواجهة قوات التحالف، فيما صمت المرشد العام على تلك الأفعال، بل ظهر بعد ذلك أنها لم تكن تُجرَى من وراء ظهره.

في هذا السياق أرسل علي عبدالعزيز (أحد قادة الإخوان المصريين في الكويت) رسالة إلى حامد أبو النصر، يعاتبه فيها على موقف الجماعة المؤيد لصدّام، وأن هذا التأييد جاء متناقضا مع بيانه الأول، محاولا باستخدام الأدلة الشرعية والمنطقية إظهار خطأ الإخوان الرافضين تحرير الكويت عبر السماح بدخول القوات الأممية.

الصدمة والخذلان

يبدي كاتب الرسالة في بدايتها عجبه من ترك المرشد رموزاً من الجماعة يعلنون عن تأييدهم لصدام حسين في غزوه للكويت والتنكيل بأبنائه فيقول: (أكتب إليك بمرارة الكويت وأهل الخليج، والرحم الذي بيننا وبين نمط من الكويت، من جراء بعض المواقف السلبية من بعض رموزنا، والمتحدثين فينا وأبناء جلدتنا ممن نعرف منهم وننكر، فإننا نعرف الانتماء وننكر الولاء ونعرف الفكر وننكر النهج، ولا أدري كيف يتركون ولا يؤاخذون؟ وكيف ينهجون على خلاف ما ينتمون؟ وقد عاتب الله بعض أهل بدر حين غاير ولاؤه انتماءه بقوله تعالى: «لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء…» إلى آخر الآيات).

يندهش «عبدالعزيز» مما يراه تناقضًا بين موقف المرشد العام الرافض للغزو وبين من يتحدثون باسمه مؤيدين العراق، إلا أن المرشد لا يردعهم: (كيف يصرح أحدهم في إحدى الندوات على مرأى ومسمع من الآلاف في الندوة التي كانت قبل التحرير «بأن الجماعة تقف بجانب العراق»؟ في الوقت الذي صرحتم جنابكم فيه عن العراق «بأنها الفئة الباغية» فأين الالتزام بخط الإخوان الذي قرره مسؤول الإخوان؟ وأين الولاء من الانتماء؟ وأين البيعة التي من بنودها مراعاة خط الكوادر القيادية بالتسلسل حتى قمة هذا النظام؟ أين الآداب حين يلتهم الجلسة ويُشعِر الزائرين بأنه المفوض في الكلام؟).

منذ أن تكون للإخوان فرع في الكويت على يد عبدالعزيز العلي، في أواخر أربعينيات القرن الماضي، وإخوان الكويت تشكل داعماً مالياً رئيساً للتنظيم العالمي، وزاد هذا الدعم بعد أن بات هذا الفرع جزءا من التنظيم العالمي منذ أواخر السبعينيات وحتى إعلان فك ارتباطه عام 1991 كأحد تداعيات زلزال الغزو.. إلا أن هذا الدعم لم يشفع عند الجماعة الأم التي تنكرت لكل هذا وانحازت لصدام حسين ودعمته إعلاميا وشعبيًا.

يكمل الكاتب رسالته في سلسلة من الاستفهامات الاستنكارية المعبرة عن الصدمة والغضب: «كيف تكتب أقلامهم في جريدة الشعب بأن الإخوان معهم في مناصرة صدام؟ وأن التصريح الأول لسيادتكم كان إنكارا للغزو وشجبا للاحتلال؟ وكان ردكم على السفير العراقي بأنهم الفئة الباغية وعليهم ألا يقاتلوا فكيف يتفق هذا مع تصريحات هؤلاء؟ وكيف تسكتون على ذلك الاجتراء من أناس لم يخولوا بذلك ولا يحملون قدرا من الاحترام لرئيس النظام؟».

يتشبث «عبدالعزيز» بالتصريحات الأولية للمرشد بعد الغزو، مع أن نبرة خطابه فيما بعد ستتوجه باللوم للمرشد نفسه، في إشارة إلى أنه مسؤول عن موقف الإخوان من القضية، ثم إنه يعود للتاريخ كي يسوق قصة كان أحد شهودها، كي يدفع المرشد للخروج من صمته لمنع ألسنة الإخوان المؤيدين لصدّام من الحديث باعتباره منكرا يجب وقفه.

عودة إلى سجن طرة

يقول الكاتب: «إن مرشدنا السابق الهضيبي عندما رأى تصرفا مغايرا لاتجاهه ونحن في السجن من الأستاذ محمد قطب، استدعاه وقال له على مرأى ومسمع من إخوان مزرعة طرة ما معناه: إنك بمقتضى ما وجدناه في رسائلك لإخوان قنا وما فيها من مغايرة لاتجاهنا فكرا ونهجا، فإنك من الآن تعتبر نفسك صديقا للإخوان ولست في صفهم ولا تحت لوائهم».

يذكّر صاحب الرسالة «أبو النصر» بهذه الواقعة فيقول: «وإن جنابك تذكر هذه الحادثة جيدا حيث وقعت وإخوان قنا في الامتحانات بسجن طرة، وقد كنت أميرا لهذه الرحلة، وضبطت هذه الرسائل في حوزة أحدهم عن طريق المنشاوي، وسلمتها بدوري إلى المسؤول في طرة، الأخ العزيز، الذي أرسلها بدوره إلى المرشد بالمزرعة، والذي على إثرها كتب الأستاذ المرشد كتابه (دعاة .. لا قضاة) وعلى إثرها أيضا تم فصل (17) أخا منهم سيد وأصحابه وغيرهم من الأِشياع لهذا الفكر الذي يغاير فكر الإخوان ونهجهم واتجاههم، سواء كان على المستوى التكتيكي أو الاستراتيجي».

يعود صاحب الرسالة إلى أسئلته الغاضبة، ويركز على عدم فهمه لموقف المرشد الذي يسكت على تصريحات الإخوان وخطبهم التي تؤيد العراق: (كيف تسكتون عن إنسان يصرح باسمكم أنه لا بأس أن تظل الكويت محتلة عشرين عامًا ولا يسهم الأمريكان في تحريرها؟ وهذا الأمر باطل من عدة وجوه: أولا: إن تصريحا كهذا لا يتفق مع تصريحات حضراتكم. ثانيا: إن الإسلام عنصري كاليهودية والصهيونية والشيوعية لرده الحق إذا جاء من غيره، ثالثا: إن الإسلام يرفض كل ما يأتي من أميركا حتى ولو كان خيرا.. رابعا: أين ذلك من قول الرسول (ص) “لا يكن أحدكم إمعة… بل وطدوا أنفسكم وإن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساؤوا أن تتجنبوا إساءاتهم…”).

الإخوان الفاشيست

لا يبدو من الرسالة إذا كان صاحبها لديه تفسير لتناقض جماعته أم لا.. فالواضح أن الجماعة أصدرت بيانا في البداية دان الغزو، لكنه لم يكن يتمنى في الوقت ذاته هزيمة صدام، أو خروج قواته من الكويت، وأنها انحازت للدكتاتور الذي بدا قويا في البداية على أمل الحصول على امتيازات، وما إن شعرت بأن قوى خارجية قادرة على هزيمة صدام، انتفضت واستنفرت حتى تمنع ذلك، وفي كلا الأحوال ضمرت الجماعة التعاطف مع المحتل في مواجهة الضحية.

يعود عبدالعزيز ليعلق على القيادي الإخواني الذي صرح بأن ليس لديه مانع بأن تظل الكويت محتلة عشرين عاما: «إن بقاء الكويت محتلة عشرين عاما يعني دوام الهتك والفتك والسطو والقتل والتمثيل والتنكيل، وما لا يتصوره إنسان مما يفوق كل صور الاستعمار والاحتلال منذ التتار بعد الصليبيين والأندلس ومحاكم التفتيش ودول الغرب مجتمعة كالنازية والفاشيستية وبريطانيا وفرنسا، وما شابه ذلك حتى اليهود في القديم والحديث مع الأنبياء وغير الأنبياء، مع أن خطنا لا يفرق بين طاغوت عربي أو غربي».

يستمر صاحب الرسالة بالبوح عن غضبه: (فمن ذا الذي يرضى لبلده وأرضه وعرضه وماله وأهله أن يصير كالكلأ المباح، ترعى فيه سوائم العراق على مرأى ومسمع من الإسلاميين بل بإفتاء من رموز المسلمين ودعاة المسلمين؟ أين هذا من قول الرسول: «المسلم أخو المسلم لا يسلمه ولا يظلمه ولا يخذله.. كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه» وأين ذلك من هبة الرسول لامرأة عبث بوجهها يهود؟ وأين ذلك من نجدة المعتصم لامرأة في أواسط آسيا؟)

بحثا عن العطف

يحاول صاحب الرسالة أن يقرب المرشد من الصورة المأساوية التي يلقاها الشعب الكويتي على يد قوات صدام في الكويت: «لا شك أيها الوالد الحبيب أن هذا الكلام ليس مسؤولا على الإطلاق، لقد شهدت أفعالاً يندى لها الجبين ويقتلع لها حبات القلب أسى، أن يصدر ذلك من مسلمين يقولون لا إله إلا الله، فما كانوا يرون في مؤمن إلا ولا ذمة، فضلا عن عدم تحضرهم في سلوكهم وأسلوبهم مما جعل الإنسان يغير رأيه في العراق كبلد ذات أصالة تاريخية ومنارة ثقافية في القديم قبل الحديث، ثم علمنا عن نهضتها الفكرية وتقدمها العلمي والتقني حديثا مما كان يثلج الصدر ويريح الخاطر، حتى إذا دهمنا بغزوهم ورأينا بطشهم ومدى إذلال غيرهم، علمنا أن الإعلام هو الذي كون لدينا هذه الفكرة الخاطئة وأنهم أظلم من الصهاينة».

ويستهجن كاتب الرسالة فعل الإخوان الذين طالبوا بسحب القوات المصرية من حرب تحرير الكويت: «كيف يطالب الإخوان بسحب القوات المصرية من المعركة احتجاجًا على الوجود الأجنبي؟ على الرغم من أنكم تعلمون مسبقا بقرار الجامعة العربية يوم 10 أغسطس (آب) في القاهرة والقاضي بدخول القوات الصديقة مع الشقيقة؟ هذا أمر، وأمر آخر وهو كيف يقف المسلم عند رد الفعل ويجرمه والإسلام لم يجرم إلا فاعل الفعل ولم يجرم فاعل رد الفعل: (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم).. ويقول الرسول (لعن الله من لعن والديه قالوا: وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال: يسب أبا الرجل فيسب أباه وأمه) فكيف التوقف عند رد الفعل وتجريمه وجعله حائلا بين الاعتراف الأول منكم بإدانة الفعل وفاعله وهو الغزو لبلد مسلم؟».

يتساءل عبدالعزيز: «فما معنى أن تجرموا الفعل ورد الفعل والرسول لم يجرم سوى الفعل؟ فكان يجب عدم الانشغال برد الفعل (التحالف) حتى يزال الفعل».

المعركة الشرعية

ثم يبدأ عبدالعزيز في الولوج للمساحة الشرعية، والرد على من حرم دخول القوات الأجنبية، ومنهم التيار السروري، فيقول: «إن مسألة الاستعانة بالأجنبي ليس فيها غضاضة شرعية ولا نكارة إيمانية، إن الرسول استعان بالنجاشي لحماية أصحابه، وسمح لخزاعة بالدخول في جيشه يوم الفتح مؤمنهم وكافرهم، واستعان باليهود لحماية المدينة، وعاهد الأعراب حول المدينة لحمايتها، ناهيك عما وقع في عهد عمر بن الخطاب حين سمح للكتابيين بالانخراط في جيوش المسلمين أيام الفتوحات… إلخ. وإذا كانت المسألة خلافية فلا يصح تبني الخلاف لأنه يؤدي إلى فتنة والأولى مراعاة الخلاف؛ لأن الفقهاء يجمعون على أنه لا يصح الإنكار في الأمور الخلافية».

في سبيل دعم موقفه يبدأ عبدالعزيز في السرد الشرعي فيقول: «إن هذه المسألة فضلا عن وضوحها في الهدي وسيرة الصحابة، إلا أنها يمكن أخذها وسندها من بعض قضايا التحريم في القرآن، فالله سبحانه ما ذكر تحريما في كتابه إلا وأعقبه بأداة استثناء، وما ذكر كفرا إلا وذكر فيه هذا الاستثناء، فالذي يقع في محرم أكلا أو شربا وهو مضطر فلا بأس، والذي يتلفظ بكلمة الكفر وهو مطمئن القلب بالإيمان فلا بأس، إذن فلا بأس على المسلم إن اضطر أو أكره أن يقع فيما لم يكن مباحا له قبل هذا الاضطرار وذاك الإكراه».

ويسترسل: «بالإضافة إلى ما مر ذكره، فإن هناك من القواعد الأصولية ما تبيح اقتراف المحظورات عند الضرورات، بل هناك من الفقهاء من يرى أن الإكراه الأدبي كالتهديد مثل الإكراه المادي في اقتراف المحظورات، وليس بالضرورة أن ينتظر المسلم هذا الإكراه المادي حتى يقترف المحظور لأن الرسول (صلى الله عليه وسلم)، قال لعمار: (إن عادوا فعد إلى آخر ما في هذا الموضوع من مقررات».

يقول صاحب الرسالة: «إن الوجود الأجنبي جاء عن طريق حكومات سواء كان ذلك بقرار القمة العربية، أو وزراء خارجية الدول العربية أو وزراء دول منظمة المؤتمر الإسلامي أو الدول الخليجية أو المملكة العربية السعودية… إلخ. فلا صلة إطلاقا للشعوب بذلك، فلا يمكن لها أن ترفض ولا أن تطلب ولا أن تقبل على الإطلاق، فلماذا نستعدي الشعوب على الحكومات أو نستعدي الحكومات على الشعوب؟».

يسوق الرجل حجة يراها منطقية: «إن توقفنا عند هذا الوجود الأجنبي ليكون حائلا دون وقوفنا بجوار الانسحاب العراقي، على الرغم من شجبنا للاحتلال ووصفنا له بالبغي، وطلبنا له بعد القتال يعتبر غير منطقي، فكيف تكون المقدمات الإنكار وتكون النتائج تعليق هذا الإنكار على النفاذ حتى يتم الانسحاب الأجنبي وعندئذ يتم الانسحاب العراقي؟ إن هذا الربط شبيه بربط قضية الخليج بفلسطين أو تحرير الكويت بالقدس».

الإخوان في حضرة صدام

يستخدم «عبدالعزيز» الطريقة الإخوانية في محاولة تدعيم رأيه وإثباته، فيفرد الحاضر ثم يقوم باقتباس مواقف من السيرة النبوية، أو الأحكام الشرعية، لإسقاطها على حال جماعته.

يقول: «كيف تسمحون بإيفاد وفد إلى العراق علما بأن القرآن صريح في نصه حين ذكر المصالحة مع المقاتلة وذكر القتل مع البغي، وواقع الحال يقول: إن العراق باغ فالمقابل له إعلان الحرب عليه منكم باعتبار المخاطبين في النص عن البغي «فقاتلوا…» قبل أن يعلن الحلفاء عليه الحرب، وعلى هذا فإن إيفاد الوفد للمصالحة غير متسق مع البغي، وإن السكوت عن إعلان الحرب غير متسق أيضا مع وجود البغي، وقد ذكرت ذلك «فضلا من الله ونعمة» على المنبر بعد أيام من قرار الحرب بما يفيد تحميل الأمة تبعة النكوص وعدم القيام بواجبها المناط بها وهو إعلان الحرب على الباغي، وترك إعلان الحرب للآخرين في مجلس الأمن، وقد عقب على ذلك بعض الأحبة بأن بعض رموزنا ليس لديهم مثل هذا الفقه حول هذه المسألة الصريحة في القرآن، والتي لا لبس فيها على الإطلاق كما أبلغني بذلك الأخ العالم في حوار دار بينه وبين بعض الأحباب».

يستمر الرجل في سلسلة اندهاشه: «من العجيب ألا يتفهم الوفد مهمته التي هي محصورة في مسألة الغزو وضرورة الانسحاب، فإذا بنا نفاجأ به يصدر بيانا عقب الزيارة يذكر فيه: رفع الحصار الاقتصادي عن العراق… انسحاب القوات الأجنبية من الخليج.. ربط تحرير الكويت بتحرير القدس… بل ربط قضية الخليج بقضية فلسطين… إلخ».

يستمر الرجل في سلسة أسئلته الاستنكارية: «ما صلة هذه الأمور بالغزو؟ وكيف نترك الكويت ترزح تحت نير الاحتلال حتى يتم تحرير فلسطين؟ ولماذا لم تنكروا هذا البيان في حينه؟ كيف تسمحون لوفد كهذا لم يكن عنده تغطية علمية وإعلامية وسياسية مسبقة لجوانب القضية أو المهمة التي أنيطت به وهي الغزو وضرورة الانسحاب لا غير بالتحدث في أمور لا صلة لها إطلاقا بمهمته كالنقاط سالفة الذكر؟ ففي ذلك خروج كل الخروج عن مهمته الأساسية وما كان ينبغي له ذلك، إن من أهم شروط الرسل كما علمنا الإسلام للتقيد بها هي الفطانة.. فأين هي؟».

يعود الكاتب إلى واقعة صلح الحديبية: «إن رسول قريش في صلح الحديبية: سهيل بن عمرو، لم يترك كبيرة ولا صغيرة من شأنها الحفاظ على نجاح مهمته، وهي تنفيذ سياسة قريش، إلا عملها واستطاع بوعيه السياسي وحنكته الدبلوماسية أن ينال ما أراد آنذاك حتى عاد بابنه مكبلا بالأغلال من بين يدي المسلمين حسبما تم الاتفاق».

في دهاليز الجماعة

يدخل عبدالعزيز إلى أروقة الجماعة الداخلية، وما يتم صبه في عقول الإخوان في محاضنهم التربوية، ويتساءل: «كيف تسمحون لرموزكم في كتيبة إخوانية أن يقولوا (إن بقاء الكويت في يد صدام خير من تحرير الكويت على يد الأمريكان) أين هذا الفقه من قول الرسول ما يفيد بأن الله قد ينصر هذا الدين (لا الكويت فقط) بالرجل الفاجر أو الرجل الكافر كما ينصره بالرجل الصالح؟».

يعود الرجل في مواجهته لاستخدام أسلوب الإخوان في الإقناع: «لقد سخر الله ملك الأخدود ليجمع الناس في صعيد واحد لكي يسمعوا كلمة الحق على يد غلام الأخدود، وسخر أيضا فرعون ليجمع الناس في مناسبة واحدة ليسمعوا كلمة الحق على يد موسى (عليه السلام)، وسخر أبا جهل ليجمع الناس يوم الإسراء ليسمعوا كلمة الحق على يد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وسخر أبا طالب لنصرة الحق طيلة ثلاث عشرة سنة، ولماذا دخل المصطفى مكة من الطائف في حماية المطعم؟… إذن أين هذا من تقرير الأستاذ في الكتيبة؟ أنسمع لكلامه في التربية أم لسيرة نبيه في التربية ونصوص قرآنه؟».

يضرب عبدالعزيز في المكون التربوي لدى الجماعة، وأهلية القائمين عليه: «إن أمر التربية وإسنادها لغير أهلها خطير جدا على النشء سنا ووعيا، وما كان يجب السكوت عليه، بل كان يجب الاقتداء برسولنا الكريم في عدم سكوته عندما علم أن معاذ بن جبل وصف أحد أصحابه بالنفاق فنهره المصطفى وقال له: أفتان أنت يا معاذ؟، وكذلك الشأن عندما أفتى بعض الناس لجريح بأن يستحم من جنابته وأدى ذلك إلى قتله وعلم الرسول بذلك فدعا عليهم بالهلاك بقوله: (قتلوه قتلهم الله).

ويتساءل الرجل في محاولة لإرجاع المرشد لتصريحه الأول: «فأين هذا من تربية الرسول ومن تحفظكم في ردكم المقتضب والقاطع على السفير العراقي بأن بقاءكم بغي ولا بد من انسحابكم فورا وعدم القتال».

إخوان في مساجد ضرار

يشن عبدالعزيز هجوما على الإخوان الذين شاركوا في مؤتمر باكستان، وأفتوا من هناك بجواز الجهاد تحت الراية البعثية: «كيف يشترك الإخوان في مؤتمر باكستان؟ والكل يعلم أن رموزه مفصولة من نظام الإخوان؟ أين التمييز للشخصية الإخوانية؟ كيف تسمحون لهؤلاء يتصدرون المجالس والمحافل ثم يصدرون قراراتهم باسمكم؟ وكيف يفتون بشرعية القتال تحت راية البعث حقيقة وإن رفعت راية الإسلام تورية؟ كيف ننسى مسجد الضرار الذي بني باسم الإسلام وشعائر الإسلام وهو في حقيقته “كفر وتفريق بين المؤمنين وإرصاد لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردن إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون».

يسوق عبدالعزيز حجة منطقية أخرى: «إن الرفض الإخواني للأجانب كان مؤسسًا على احتمال وجود أميركا في الخليج، ولكن واقع الحال كان يقول: إن احتلال العراق كان حقيقة.. فكيف تؤسس الأمور على الاحتمالات ولم تؤسس على الحقائق؟».

يعود عبد العزيز إلى سيرة الرسول: «إن الرسول عنف صحابيا قتل مشركا في المعركة بعد أن قال: لا إله إلا الله، محتجا أن قوله ذلك كان خدعة أو تقية، فلم يغفل الحقيقة وهي قوله لاحتمال أن هناك خدعة أو تقية وحكم بإدانة صاحب الاحتمال، فأين نحن من هدي رسول الله (صلى الله عليه وسلم)؟».

في نهاية رسالته يوجه عبدالعزيز رسالته للمرشد مباشرة دون تورية: «فماذا نقول للناس اليوم وجنود الحلفاء ينسحبون؟ بل ماذا تقولون أنتم للعراقيين شمالا وجنوبا الذين يتشبثون بجنود الحلفاء بالبقاء خشية بطش العراق بهم وإبادتهم، بمنطق المتحدث في الكتيبة ومنطق المتحدث في ندوة حزب العمل (إن بطش العراق وإبادة العراق لمواطنيه خير من حماية الحلفاء لهؤلاء النازحين أو الفارين من جحيم العراق)».

نشر في مركز المسبار للدراسات والبحوث