وجه الشبه بين عادل عبد المهدي وسعد الحريري

طهران تملك النفوذ داخل الحشد الشعبي العسكري والأمني المباشر يتمثل في قيادتها المباشرة لفصائل كتائب حزب الله العراق وحركة النجباء وسرايا الخراساني هذه الفصائل كانت خارج التشكيلات الرسمية للحشد وعلى رغم أنها ممولة من الحكومة العراقية.

بقلم: حازم الأمين

هل يمكن تصديق أن في العراق من طالب بحل الجيش؟ نعم فعلها “مقربون من الحشد الشعبي”، والأخير هو قوة عسكرية طائفية ممولة من الحكومة، ولطهران نفوذ كبير فيها. واعتبر المُطالبون بحل الجيش، أن لواشنطن نفوذاً في هذه المؤسسة، وأن فصائل الحشد يمكن أن تعوض الفراغ الذي يمكن أن يخلفه حل الجيش، كما ذكّروا بالهزائم التي منيت بها القوات المسلحة العراقية عندما تدفق “داعش” على مدن الشمال والغرب، وكاد يطيح ببغداد.

والحال أن هذه الدعوات لا تبلغ من الخطورة حداً كبيراً، ذاك أن أصحابها هم “هوامش الحشد”، وليسوا متونه الممثلة في البرلمان وفي الحكومة، لكنها تبقى مؤشراً على ما غرسته طهران في العراق وفي لبنان وسوريا، لجهة خلق هوامش تحركٍ بموازاة المؤسسات، وتعمل بشكل مستقلٍ عنها. وهذه الهوامش تتحول متوناً في لحظة المواجهة الحقيقية. وتذكرنا هذه المعادلة بنظير لبناني لها، وقد عبر عنها أخيراً النائب عن التيار العوني شامل روكز، وهو صهر رئيس الجمهورية وقائد سابق لفوج المغاوير في الجيش اللبناني، عندما قال إن “لا أحد يمكنه أن يضرب أسفيناً بين الجيش والمقاومة، فالجيش مهمته حفظ الأمن في الداخل وحماية الوحدة الوطنية”. وفي العراق، تأسس “الحشد الشعبي” بموجب فتوى أصدرها المرجع الديني علي السيستاني، ثُبتت بقانون صوت عليه مجلس النواب، وكانت المهمة المُعلنة لهذا التشكيل هي الحرب على “داعش”. اليوم أنجزت المهمة، لكن الحشد باقٍ وعلى الحكومة العراقية أن تدفع رواتب 150 ألفاً من عناصره، لا بل أن هذا الرقم مرشح للزيادة في موازنة عام 2020، ذاك أن مسؤولاً عراقياً كبيراً أكد لـ”درج” أن اللوائح التي قدمتها فصائل الحشد إلى الحكومة لكي تلحظها في موازنة 2020 يبلغ عدد الأسماء المدرجة فيها نحو 200 ألف عنصر وضابط.

لكن الدعوة إلى “حل الجيش” على هامشيتها، تحمل أيضاً دلالات كبيرة في هذه اللحظة التي يعيشها العراق، ذاك أن دعوات سبقتها إلى حل الحشد، أو إدراجه تحت قيادة الجيش. وهذا يعني إشراك المؤسسة العسكرية الرسمية في قرارات الحشد، وفي تشكيلاته وفي وظائفه، وهذه الدعوة ترافقت مع ضغوط أميركية على الحكومة، وذلك بعدما شعرت واشنطن بأن هذه التشكيلات غير النظامية والتي تملك طهران نفوذاً كبيراً فيها، يمكن أن تستخدم في أي مواجهة في الخليج.

طهران تملك أكثر من نوع من النفوذ داخل تشكيلات الحشد الشعبي العراقي. النفوذ العسكري والأمني المباشر يتمثل في توليها القيادة المباشرة لفصائل مثل “كتائب حزب الله العراق” و”حركة النجباء” و”سرايا الخراساني”. هذه الفصائل كانت خارج التشكيلات الرسمية للحشد، وعلى رغم أنها ممولة من الحكومة العراقية، إلا أنها تتحرك من دون تنسيق مع الأجهزة العسكرية الرسمية، وهي تملك مقرات في معظم المحافظات العراقية، وقاتلت ولا تزال تقاتل في سوريا. أما الفصائل الأخرى، كـ”سرايا السلام” التابع للتيار الصدري، و”عصائب أهل الحق” و”جماعة بدر”، فتقيم طهران علاقات غير مباشرة مع قادتها، وتملك تأثيراً فيها، إلا أنه لا يوازي تأثيرها بالنوع الأول من الفصائل.

الدعوة إلى “حل الجيش” على هامشيتها، تحمل أيضاً دلالات كبيرة في هذه اللحظة التي يعيشها العراق، ذاك أن دعوات سبقتها إلى حل الحشد، أو إدراجه تحت قيادة الجيش.

لكن مأزق العراق مع الحشد لا يقتصر على الوظائف غير العراقية لهذا التشكيل العسكري، فالفساد الذي يرافق ظاهرة الحشد يكشف عن المضامين السياسية والعسكرية للتمسك به. فعندما حاول رئيس الحكومة السابق حيدر العبادي الحد من فساد التشكيلات الحشدية التي ترسل قوائم بعدد مقاتليها بهدف تحصيل الرواتب من الحكومة، عبر دفع الرواتب مباشرة لأصحابها من خلال شركة “كي كارت”، اعترضت الفصائل الموالية مباشرة لطهران، وطالبت بأن تحصل قيادتها على الرواتب وأن تتولى هي توزيعها، لأسباب أمنية!

لكن الأسابيع الفائتة أضافت إلى مأزق العراق مع الحشد مشهداً جديداً، ذاك أن طائرات الدرونز الإسرائيلية استهدفت مواقع للحشد في بغداد وفي الشمال، أعقبتها انفجارات غامضة أحدثت ارتجاجات غامضة. ضربت الحكومة العراقية صمتاً حول ما حصل، لا بل قالت إنها ناجمة عن سوء تخزين للأسلحة. “هآرتس” أشارت إلى أن الطائرات الإسرائيلية استهدفت مخازن صواريخ سكود استقدمتها إيران إلى العراق، استباقاً لاحتمالات مواجهة في الخليج، وخزنتها في مراكز للحشد الشعبي.

هذا السيناريو يفسر الكثير مما يحصل في العراق وفي المنطقة، إلا أنه يضع بغداد في موقع شديد الحساسية والإرباك. واشنطن ستضاعف ضغوطها لدمج الحشد الشعبي بالمؤسسة العسكرية، وبالنسبة إلى طهران فإن توظيف النفوذ في المواجهة، حان وقته. وبين مطرقة طهران وسندان واشنطن لا يملك رئيس الحكومة العراقية عادل عبد المهدي، إلا أن يقول إن ما سمعه أهالي بغداد في تلك الليلة ليس انفجارات، بل أضغاث أحلامٍ. إنه الموقع نفسه الذي وجد رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري نفسه فيه. استدعي إلى واشنطن ليُقرّع فيها على نفوذ “حزب الله” في حكومته، وها هو عائد إلى بيروت وينتظره فيها عقاب “حزب الله” ذاته، على زيارته “المريبة” إلى “الشيطان الأكبر”.

نُشر في صفحة درج