وداد الحبيب تكشف عن ثرثرة الأنثى

الكاتبة التونسية تنسج قصصها في عوالم واقعية جارحة يطمس فيها كيان المرأة وعواطفها الأعمق من أن تلمس من قبل أرواح غير شاعرية.
الواقع العائلي لا يشبع الرغبات العاطفية
خيبة أمل في الزواج تعيشها بطلة قصة "عطر السراب"

بقلم: هيام الفرشيشي
                                                         
هي الأنثى بكل محمولها العاطفي والحدسي وخيالها الرهيف تنسج عوالمها الأثيرية كما تنسج الطبيعة أثواب الفراشات التي تتعطر بالشذى رغم الأغصان المدببة بالأشواك، هكذا هي وداد الحبيب الشاعرة تنسج قصصها في عوالم واقعية جارحة يطمس فيها كيان المرأة وعواطفها الأعمق من أن تلمس من قبل أرواح غير شاعرية. 
تتحول الكتابة الى رتق لفراغات في الواقع ومشاهده المؤذية، وتتحول المرأة في أغلب أقاصيص المجموعة إلى موضوع سؤال عن موقعها في بيئة لا تراعى أنوثتها ازاء زوج خائن أو متسلط أو متحجر الإحساس يسخر من وجودها فتستعيذ الشخصيات القصصية النسائية بأحلام اليقظة "كان زوجها يشاهد المسرحية منسجما مع أحداثها ولم يخطر بباله بأنها في اللحظة ذاتها تراقص الخيال وتسبح في عالم شخصيات قصص الحب التي تكتبها".
فالواقع العائلي لا يشبع الرغبات العاطفية أمام زوج متسمر أمام التلفاز يشاهد المسرحية وزوجة تغازل أحلام اليقظة ترحل بخيالها نحو السحاب. والزوج يوجه رسالة عن طريق الخطأ لعشيقته فتصلها وهي في المطبخ. إن أحلام اليقظة حين تتحول إلى اختلاق قصص حب في الخيال فهي تعويض عن واقع لم يقم بتلبية الرغبات العاطفية المأمولة، فيشبعها الخيال ولكن يصدها الواقع بقسوة. 

الكتابة بالنسبة إلى وداد الحبيب نمو الذهن وإثراء الخيال عبر اللعب والتقمص والاسترخاء، تغمض عينا عن الواقع استجابة إلى دوافع باطنية عبر التخيلات المرئية

خيبة أمل في الزواج  تعيشها بطلة قصة "عطر السراب" بعد مرور الزمن وخط آثاره على الجسد المنهك، مع ذلك تبقى أحلام اليقظة تراود الشخصية القصصية الأنثوية، وهي تنشط الذاكرة: "كانت تتذكر الحكايات التي مرت بها فتتعطر بالأماني وأحلام اليقظة وتتوه في حيرة تحزنها: أكان حقا؟". 
أحلام يقظة تسترجع جمال الجسد قبل أن يتهرم ويتجعد الجبين ويحدودب الظهر. وقبل أن تسرق الأيام من المرأة عطرها ومشطها بعد الزواج. فحلم اليقظة يسترجع صورا بعيدة ويحلم بما يستحيل تحقيقه، ولكن حالة الإشباع الخيالي تباغتها صور الذاكرة القاتمة فتعبر عن حالات سلبية. 
وتستمر تلك الحالة في قصة "موعد آخر مع الخريف" إذ "انطفات المشكاة فانبعثت من داخلها عتمة غطت القلب وزادت في منسوب غربتها" غربة في مجتمع ذكوري أرعن تصور فيه المرأة الرجل بصورة الجلاد، ولكن في هذه القصة نلاحظ تحولا نحو حالات التفكير الإبداعي "لكن تعلمت أن تكتفي بنفسها وترى الضياء بعين بصيرتها فهي المشكاة والطريق والبداية والنهاية".
إن أحلام اليقظة في هذه القصص تلامس العاطفة في قصة "ماهية الحب" في جسد شبقي، سماء تحتضن البحر، إحساس يجمع بين كينونتين. إنها تبرز ذلك الفقدان الذي يوقد أحلام اليقظة: "آه لو أن عتمة أيامها تضاء، لو تنهض من سبات أنوثتها العميق، هل تكون تلك الرغبة الجامحة في الحب قادرة على أن ترى النور يوما ما ليصبح حلمها واقعا أو تظل مجرد وهم لن يزيدها إلا حزنا".
في ظل ممارسات الحياة التي لا ينتبه فيها الزوج إلى تفاصيل التغيير في يومياته البسيطة حتى أن العشيقة هي التي اختارت هدية ميلاد الزوجة، فتعيش الزوجة حالات متقلبة بين صور الشؤم يحلق بها في صورة البوم وصور الجمال والعشق عبر الخيالات حيث النوارس تحملها إلى جزيرة مزهرة وحيث صورة زوجها مختلفة لتجد فيها صدى أحلامها.  

حلم اليقظة يسترجع صورا بعيدة
انبعثت من داخلها عتمة غطت القلب

في قصة "حدثتني مرآتي قالت" فالزوج يستكثر على زوجته السراب والعيش في الأحلام، لتصغي إلى سيمفونية مرعبة من الأصوات وتتراءى الصور البشعة. إذن نحن أمام مواقف صادمة عنيفة عاشتها المرأة تترك آثارها كشظايا مرآة كسرت بعنف. بل ينقض على زوجته كما ينقض أسد على غزال بمخالبه في قصة "صياد الغزلان" فهو يصطاد النساء للزواج كضحايا يلتهمها بنفسه، في قصة "ذاكرة متعبة" رجل ارتشف عذريتها واختفى. 
إن البيئة التي عادت إليها وداد الحبيب في قصصها وخاصة الطبيعية والثقافية والاجتماعية ليست متوترة بل هادئة مريحة تحقق الاسترخاء، وكانت محفزة للتأمل الخيالي بالرؤى وتحقيق التوازن بين التدفق العاطفي والتحليل العقلي للأحداث. 
"كان أقصى حلمها أن تجالس همسات الصباح وصمت الغروب على ضفاف البحر أو تطل على القرية من فوق كتف الجبل".
وهي محفزة للحب والتعبير عنه بطرق إبداعية. فهي كالمنوم المغناطيسي تحمل الذهن على تخيل المشاهد المخففة للتوتر وهي التي تهيئ لاختراع أحداث وقصها .. إلا أنها لا تشرد تماما خارج الواقع ولا تتلقى العيش بسلبية. إذ تبدو الأفكار متسلسلة رغم التحليق في عالم رحب من الخيال والأفكار وتحقق لذتها الإيروسية .. ثم تعود إلى الواقع، وتحقق التوازن النفسي، فدوافع الاستغراق هي ملء الفراغ العاطفي ولكنها لا تدوم طويلا وهي تبرز العوالم الجمالية المنشودة المحققة للسعادة. ولا نلمس منها دوافع انتقام وهلاوس وتخيل صور سلبية تشتت الانتباه أو حالة دامية من القلق والكآبة. بل ترويض المشكلات النفسية وتجسيدها واقعا.
إن الكتابة بالنسبة إلى وداد الحبيب نمو الذهن وإثراء الخيال عبر اللعب والتقمص والاسترخاء، تغمض عينا عن الواقع استجابة إلى دوافع باطنية عبر التخيلات المرئية، هي أحلام الأطفال والفنانين، أحلام عاطفية خلاقة.