وسائل القوة والتحوّل العربي

العرب بحاجة الى خطوة عملية وقرارات مختلفة للمضي نحو مجاراة العالم وعدم الالتفات الى الموروثات التي تشكل عائقا في سبيل التحوّل الذي بات اكثر من ضرورة.
العرب باتوا من الأمم غير القادرة على التحوّل وفق القواعد المتعارف عليها
التحدي الأكبر والأصعب في صيرورة الدول يكمن في تحويل عناصر القوة الى وسائل
الشباب العربي يتطلع الى حياة كريمة يتخطى فيها واقعا ملَّ العيش فيه والتفكير بتداعياته

تسعى الدول عادة الى تحديد وتجميع عناصر القوة لديها بهدف استثمارها بوجهات مختلفة بحسب سياساتها وبالتالي أهدافها ومصالحها، الا ان ذلك التوصيف يبقى نظريا غير قابل للصرف عمليا ما لم تتمكن الدول من تحويل عناصر القوة الى وسائل، وهو التحدي الأكبر والأصعب في صيرورة تعاطيها مع ما تملك بمواجهة التحديات الداخلية والخارجية. وربما يعتبر العرب النموذج الأكثر وضوحا للمحاكاة والتوصيف والتنظير، لما تختزن هذه الامة من إمكانات دون القدرة على تحويلها الى وسائل وبالتالي استغلالها واستثمارها في قضاياها المركزية المشتركة، فأين تكمن المشكلة وأين معطيات الحل؟

لا جدال ولا خلاف حول حجم القوة ووزنها ومداها في العديد من المجالات عند العرب، وهي إمكانات متوفرة وبعضها مستدام، كما ان بعضها محدد ومستقر وبعضها الآخر متغير، الا ان جمعها كميا ونوعيا وكيفيا بالشكل الصحيح يجعل من هذه القوة ذات إمكانات هائلة؛ ثمة الأرض والموارد وكل العناصر المادية والى جانبها الكثير من العناصر المعنوية الجامعة، الا ان العرب باتوا من الأمم غير القادرة على التحوّل وفق القواعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتعارف عليها، بل باتوا استثناءً في معظم عناصر التحوّل، بل عصية في الكثير من المسائل والقضايا على إمكانات الحل ولو كانت متاحة ومتوفرة.

ثمة متغيرات كثيرة ومتسارعة عبر التاريخ وبخاصة في التاريخ المعاصر، حيث الوقائع تستوجب الاستجابة لابتكار الحلول وعدم الوقوف امام صياغات فكرية وأيديولوجية محددة، بل ان تطوير بعضها ووضعها في نصابها الطبيعي تتيح عمليات تبدّل وتحوّل دون اكلاف باهظة، وهي بالمناسبة مطلوبة وعناصرها متاحة. وفي مقاربة بسيطة ان معظم التحولات الإقليمية والدولية باتت على تماس مباشر مع القضايا العربية وعاصرها وظروفها، وباتت في هذا الاطار تحديدا تشكل تحديات داهمة لم تعد قادرة على استهلاك مزيد من ترف الوقت، بل هي بحاجة للإسراع وانتقاء ما يناسبها من طروح متاحة حاليا.

وبالعودة الى اساس القوة المفترضة وعناصرها ووسائلها، ثمة إمكانات متاحة لدى العرب حاليا للاستفادة في مجال تحويل العناصر الى وسائل في حال أُحسن انتقاء السياسات والاحلاف في محيطها الإقليمي وفي مجالها الدولي الأوسع، اذ ان عناصر القوة المادية والمعنوية تستلزم محيطا ذاتيا وموضوعيا واعيا لما يحيط من مخاطر وتحديات تستوجب التصرف واتخاذ المواقف بعناية ودراية فائقتين.

لقد دفع العرب اثمانا باهظة في العديد من المحطات نتيجة السياسات البينية والخارجية، ولم تتمكن من انجاز الكثير في وقت كانت الأمم والشعوب الأقل إمكانيات قد وفّرت ظروفها للانتقال نحو مواقع ومستويات متقدمة في النظام العالمي، بل بعضها تمكّن من حصد مواقع مؤثرة لم تكن متوفرة له من قبل، علما انها لا تمتلك العناصر الكافية لذللك ولا الوسائل أيضا، انما بفضل الوعي الهادئ والمرونة في التعاطي وانتقاء السياسات المتاحة ولو لم تكن تمثل معطى هاما في هرم أولوياتها واستراتيجياتها.

ثمة العديد من الأمثلة المتاحة في هذا الشأن مع اختلافات بسيطة في حجم القوة ونوعيتها، فمثلا روسيا والصين اللتان امتلكتا إمكانات هائلة بعد تغير النظام العالمي وتفرد الولايات المتحدة، في الحالة الأولى تمكنت روسيا من تحويل عناصر قوتها المتهالكة الى وسائل نابضة في تقرير السياسات الدولية بعد عقد من الزمن، فيما تمكنت الصين من استثمار العامل الأيديولوجي في استبدال وسائل القوة المتاحة من عناصرها، فمزجت بين الوسائل الليبرالية في الاقتصاد مع الوسائل الاشتراكية واعادت تموضعها في مستويات القوة الدولية مجددا ولم تعتبر هذا التحوّل انتقاصا من قدراتها المادية والمعنوية،

اليوم العرب بحاجة الى خطوة عملية وقرارات مختلفة للمضي نحو مجاراة العالم وعدم الالتفات الى الموروثات التي تشكل عائقا في سبيل هذا التحوّل الذي بات اكثر من ضرورة. فثمة شباب عربي بات يتطلع الى حياة كريمة يتخطى فيها واقعا ملَّ العيش فيه والتفكير في تداعياته، مجتمعنا اليوم يبحث عن وسائل القوة التي تضعه بين الأمم والشعوب التي تستحق التقدير والحياة.