وقف تمويل الرواتب يفجر أزمة بين اربيل وبغداد

الحزب الديمقراطي الكردستاني يحذر من أنه في حال عدم إرسال مستحقات الإقليم قبل عيد الأضحى، "سيتم اتخاذ موقف حازم".

بغداد – دخلت أزمة رواتب موظفي إقليم كردستان العراق نفقا مظلما جديدا بعد إغلاق وزارة المالية الباب أمام الاستمرار بتمويلها لـ"تجاوز الحصة المقرّرة بقانون الموازنة الاتحادية وردود فعل سياسية غاضبة في الإقليم لخصها رد حكومة كردستان بأن الحقيقة ستنتصر وأن الشعب الكردي يواجه منذ عقود سياسات "تجويع وإبادة".

وندد الحزب الديمقراطي الكردستاني الخميس، بقرار وزارة المالية الاتحادية بإيقاف تمويل رواتب الموظفين والعاملين في القطاع العام بإقليم كردستان، ملوحا باتخاذ "موقف حازم حيال ذلك".

وذكر المكتب السياسي للحزب في بيان أن "الحكومة الاتحادية لا تزال مستمرة في انتهاك الحقوق الدستورية لإقليم كردستان، وآخر تلك الانتهاكات يتمثل في كتاب وزارة المالية الصادر والذي يتعارض مع الدستور وأسس الاتفاق السياسي لتشكيل الحكومة، ويُعد استغلالاً سياسياً لقوت المواطنين".

وأصبحت أزمة رواتب موظفي إقليم كردستان العراق ملفا دائما في المشهد السياسي، يبرز مع كل توتر بين بغداد وأربيل، حيث تقوم كل جهة بتحميل الجهة الأخرى مسؤولية الأزمة.

وأضاف بيان الديمقراطي الكردستاني، أن "هذا الموضوع سيكون محوراً رئيسياً في اجتماع لجنتنا المركزية المقرر عقده في 2 يونيو/حزيران 2025، لمناقشته واتخاذ الموقف المناسب حياله".

وتابع "نعلن بوضوح أنه في حال عدم إرسال مستحقات وحقوق شعب إقليم كردستان قبل عيد الأضحى، فإننا سنتخذ موقفاً حازماً حيال ذلك".

ووجهت وزيرة المالية طيف سامي الأربعاء، كتابا رسميا إلى حكومة الإقليم تبلغها بموجبه بأن الوزارة "يتعذر عليها" الاستمرار بتمويل إقليم كردستان لـ"تجاوزه الحصة (12.67بالمئة) المقرّرة بقانون الموازنة الاتحادية، بمبلغ (13.547) تريليون دينار من إجمالي الصرف الفعلي".

وذكرت سامي، أن الإيرادات النفطية وغير النفطية لإقليم كردستان، منذ عام 2023 وحتى أبريل/نيسان من هذا العام، بلغت 19.9 تريليون دينار، لكنه سلّم 598.5 مليار دينار إلى الحكومة الاتحادية.

كما اعتبرت أن تجاوز كردستان لنسبة 12.67 بالمئة من حصته في قانون الموازنة العامة بمبلغ 13.5 تريليون دينار، لا يسمح للوزارة بالاستمرار في التمويل.

وفي غضون ذلك أصدر حزب الإصلاح التركماني الخميس، بياناً أعرب فيه عن أسفه لاستمرار الحكومة الاتحادية في "معاقبة" مواطني إقليم كردستان، من خلال انتهاك مواد الدستور والتنصل من الاتفاقات، ولا سيما ما يتعلق برواتب ومستحقات الإقليم.

من جهته، أكد ريباز حملان، وكيل وزارة المالية العراقية السابق الخميس، أن ما يجري حالياً في بغداد والحكومة الاتحادية، هو استهداف مباشر لرواتب موظفي إقليم كردستان.

وقال حملان، في بيان إن "وزيرة المالية العراقية طيف سامي، تخضع لإرادة سياسية"، مشيراً إلى أن "رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني والإطار التنسيقي يستخدمون الملف المالي لأغراض سياسية، في إطار حملات انتخابية ومساومات على حساب تطور واستقرار إقليم كردستان".

لكن حملان أوضح أن "قائمة رواتب شهر مايو/ أيار لا تواجه أية مشكلة قانونية أو إدارية، وأن قرار عدم صرفها هو قرار سياسي بحت بنسبة 100 بالمئة ويستهدف مصالح شعب كردستان، كما يمثل انتهاكاً للدستور وقانون الموازنة وقرار المحكمة الاتحادية رقم (224) الذي يُلزم الحكومة الاتحادية بصرف رواتب موظفي الإقليم وفصلها عن الخلافات السياسية".

وأضاف أن "الحكومة الاتحادية لم تُصرف حتى الآن كامل حصة كردستان، بل اكتفت بدفع الرواتب فقط"، مبيناً أن "حصة الإقليم لعام 2025 تبلغ 11 تريليوناً و500 مليار دينار بحسب الاتفاق المُبرم، لكن حتى الآن لم تُصرف سوى 3 تريليونات و800 مليار دينار".

وأشار حملان إلى أن "ما تقوم به بغداد حالياً هو جزء من الضغط المتواصل على مواطني وحكومة كردستان".

ومنذ سنوات، لم يحل ملف الرواتب في إقليم كردستان، وبقي معلقا بين الشد والجذب مع الحكومة الاتحادية، وفي كل عام يتجدد هذا الجدل مع إقرار الموازنة الاتحادية، التي تضع شروطا على الإقليم، مقابل تسلمه حصته منها، وأبرزها تسليمه واردات النفط، لكن منذ عامين، بعد توقف تصدير الإقليم للنفط عبر ميناء جيهان التركي، حولت الحكومة الاتحادية رواتب الموظفين إلى "سلف" تقدم للإقليم.

وقال عضو اللجنة المالية السابق، أحمد الحاج رشيد، في يناير/ كانون الثاني الماضي، أنه لا يوجد أمل لحل أزمة رواتب كردستان بشكل جذري، متوقعا تكرارها كل شهر لعدم التزام حكومة الإقليم، بتسليم 50 بالمئة من الإيرادات الداخلية.

وفي محاولة للتفاهم حول كيفية حساب بغداد تلك الأموال، وإيجاد صيغة حل لما يجري، يعتزم وفد من إقليم كردستان، زيارة بغداد خلال الأسبوع المقبل، لعقد اجتماع مشترك بين وزارة المالية الاتحادية وبحضور رئيس الوزراء محمد شياع السوداني.

وقال مصدر مطلع إن "الاجتماع سيبحث كيفية حساب وزارة المالية حصة الإقليم في الموازنة، ووضع حد لملف الرواتب الذي بات يؤجج الأوضاع في الإقليم".

وعاش الموظفون في الإقليم، أزمات متوالية طيلة السنوات الماضية، أدت إلى شلل تام في الأسواق، نتيجة تأخر صرف الرواتب، وتطبيق نظام الادخار الإجباري الذي مارسته حكومة إقليم كردستان لسنوات عدة، بعد اعتماد رئيس الوزراء الأسبق، حيدر العبادي سياسة "التقشف"، بالإضافة إلى الخلافات المالية بين بغداد وأربيل، مما أدى إلى أزمة خانقة وكبيرة.

وأكد عضو اللجنة المالية النيابية جمال كوجر الخميس، أن قرار وزارة المالية الاتحادية بشأن رواتب موظفي إقليم كردستان "غير مدروس"، وأنه "غير مدروس وغير ملائم خصوصا في هذا التوقيت الحساس".

وقال كوجر لوكالة شفق نيوز المحلية، إن "حكومة بغداد تستهدف مواطني إقليم كردستان بشكل خاص، خاصة وأن المتضرر الوحيد هم موظفو الإقليم الذين يبلغ عددهم أكثر من مليون و200 ألف موظف".

وأوضح أنه "يتعين علينا اتخاذ عدد من الخطوات لحل هذه المشكلة"، مشيرا إلى "ضرورة مناقشة هذا الموضوع أولا مع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني".

وطالب كوجر، رئيس الحكومة بـ"الرد على المواطنين العراقيين بشكل يعزز العدالة حيث لا يمكن أن تستلم رواتب موظفي العراق وتقطع رواتب موظفي اقليم كردستان، مع التأكيد على ضرورة التحرك أيضا مع المحكمة الاتحادية لاتخاذ قرارات أخرى بشأن هذا الأمر".

وكانت المحكمة الاتحادية العليا، ألزمت في شهر فبراير/شباط الماضي، حكومة بغداد بدفع رواتب موظفي الإقليم مباشرة، دون إرسالها إلى حكومة الإقليم وذلك بعد تأخر لأشهر بتسليم تلك الرواتب.