ياسمين عامر تعترف: أنقذتني الكتابة من الغرق في دوامات الحزن 

الكاتبة الفلسطينية تحلم بتأسيس مشروع غني بهدف تنمية القراءة والكتابة في المجتمع.
كان الحجر ثقيلاً على كاهلي، لكن بالإصرار والتحدي وضعته وحملته وانطلقت لتنفيذ المشاريع الكتابية والأدبية
كتابي "صرخة كيان" لم ير النور بسهولة

حوار أجراه: خالد ديريك

ولدت ياسمين عامر في قرية مقيبلة، وهي قرية فلسطينية تقع في الطرف الجنوبي الشرقي من مرج ابن عامر، نشأت وترعرعت في جو أسري دافئ ذي طابع وخلفية ثقافية أدبية، كان والدها "غازي فياض بطاح" مربيا ومديرا وقائدا مثقفا، رجل علم وأدب وثقافة، وعمها هو الكاتب الفلسطيني "توفيق فياض". 
طفولتها، كانت سعيدة، مليئة بالشغف الأسطوري حول الأبجدية العربية، وكانت ذكية جداً بحيث تم ترفيعها ودمجها مع زملاء يكبرونها في السن، وكانت أصغرهم على مر السنين. فترة شبابها، كانت ثائرة بعض الشيء ومتمردة، فلم تكن الطرق التي سلكتها مفروشة بالورود بل كانت شائكة. وأما الأمومة فكانت بدايتها صفعة مؤلمة ومع مرور الوقت اختفى وجع الصدمة وغرّدت قبلة لطيفة الملمس على خدها حتى سحقت أثر الصفعة، الأمومة علمت ياسمين عامر معنى الصبر والقوة ومنحتها طاقات وقدرات لم تتخيل من قبل أن تصل إليها.
أما الآن، فتكتب الكاتبة والأديبة ياسمين عامر، الخواطر، المقالات والنصوص المسرحية، إنما الأقرب لقلبها وما تجد نفسها به أكثر هي القصص القصيرة والروايات، وتقول في هذا الصدد: عندما نبحر في بحر الكتابة، نجد أنفسنا بين الأمواج، نكتب عدة أجناس، ونتوق لتجربة الجديد والخوض في مختلف دروب الأدب، بعضها نتقنها وبعضها لا. 
وبينت أن لقاءها الأول مع القلم كان في طفولتها وفي المرحلة الابتدائية إلا أنه لم يكن حلمي بل كان كالسحر، كالشغف، أسرتني دوماً قدرة القلم على التخفّي والنبض، لم يكن جماداً بنظري. وأما في الإعدادية والثانوية اكتشفت نفسي غارقة تماماً في ضباب الكلمة ولا أقوى على هجرانها. بينما حجر الأساس للمشاريع الكتابية لم تكن هيناً بالنسبة لها، بل كان الحجر ثقيلاً على كاهلي، لكن بالإصرار والتحدي وضعته وحملته وانطلقت لتنفيذ المشاريع الكتابية والأدبية.  

لقاؤها الأول مع القلم كان في طفولتها
صقل الموهبة يتم بالتعليم والإدراك والشعور بها

ترى بأن صقل الموهبة يتم بالتعليم والإدراك والشعور بها: الصعوبات كلمة عميقة جداً لمن عايشها وأدرك فحواها، ليس كافياً أن تحمل هذا الحب للكتابة في قلبك وتسير، الحب هو احترام، وحب اللغة يعني أن نحترمها، نقدرها ونقدسها، لذلك علينا فعل كل ما ينبغي من أجل صقل هذه الموهبة، علينا تعلمها وإدراكها وقبل هذا علينا أن نشعر بها عميقاً بداخلنا. 
والدها كان أول من أمسك بيدها وشجعها، وتضيف: وهو الذي اكتشف حكايتي في عشق لغتنا العربية ولاحظ أنها حكاية انتماء، وكان يطلب مني كتابة المزيد، ويحثني على القراءة لأتعلم أكثر وأغذي عقلي أكثر. كان يقول: إن الكنز يكمن في الكتب، وأنا أدركت ذلك الكنز. 
كتبت أول نص وهي في سن الثامنة، وقرأت أول كتاب وهي في سن العاشرة: النص الأول الذي كتبته كان في سن الثامنة وكان عبارة عن نص مسرحي لحفلة في المدرسة، وأذكر أنه كان طريفاً جداً. بينما أول كتاب قرأته، كان في سن العاشرة تقريباً حين مللت من قصص الأطفال، فلم تعد تستهويني وذهبت إلى مكتبة والدي الضخمة التي كنت ألتقط منها أكبر الكتب وأحاول أن أقرأ بعض النصوص منها، لكن الكتاب الأول الذي قرأته هو كتاب "الأيام" لعميد الأدب العربي "طه حسين".
أصغت لنبض حروفها المتأججة بداخلها، فأطلقت لها ولنفسها العنان: كثيراً ما أسرني الخوف وكسر رصاص أقلامي وسكب بقسوة حبرها، لكني سحقت هذا الهاجس وأصغيت لنبض حروفي المتأججة بداخلي، فأطلقت لها ولي العنان، فالكتابة حرية، نستطيع من خلالها ترجمة أفكارنا ومشاعرنا وسطرها على الورق دون قيود، وهذا عكس ما يحصل تماماً في واقع الحياة، فنحن بطبيعتنا نتردد ونصمت ولدينا مشكلة في التعبير عن ذواتنا بطرق سليمة، الكتابة كانت طريقتي وطريقي لكسر هذا الصمت.
وحول مفهومها للإبداع أوضحت: الإبداع هو كون واسع مليء بالإثارة والتشويق والحياة ويملأ أيامنا بكل أنواع الطاقات الإيجابية، لكن هذا لا يعني بأنه لا يشاكسنا أحياناً، ويبدو مخادعاً مراوغاً في أحايين أخرى، لكن في النهاية هو انعكاس لما نحن عليه، هو مرآة شفافة نبصر بها دواخلنا.
تحدثت عن كتابها الأول "صرخة كيان" وصداه بإسهاب: كتابي "صرخة كيان" كتاب جمعت به عدة نصوص نثرية كتبتها منذ سنوات مضت، يحتوي على نثريات عاطفية ووطنية واجتماعية، هذا الكتاب لم ير النور بسهولة، أعوام طويلة وأنا أزرع العثرات والعقبات في دربي وأختلق الأسباب واخترع الموانع، فأنا مؤمنة بأن ليس كل من كتب بعض النصوص من حقه التطفل على اللغة وإصدار كتاب باهت يجلس على رفوف المكتبات ليلتهمه الغبار. دعم زوجي المستمر وثقته بي وإلحاح وتشجيع والدتي وإخوتي هو السبب الرئيسي لولادة كتابي وسأكون ممتنة لهم دوماً على إيمانهم بي. وأما عن صدى صرخته فقد كانت نابضة جداً، أصداء ممتازة، ولاقى الإعجاب والثناء من قبل كبار الأدباء.
كشفت لنا الكاتبة والأديبة ياسمين عامر عن بعض أسرارها الإبداعية: هي أسرار لم أفصح عنها من قبل، فأنا بطبيعتي متكتمة جداً، لكن حان الوقت ولأول مرة أن أعلن عن كتابي القادم وهو رواية بعنوان "جريمة حرف" وهي رواية انتهيت من كتابتها في العام الماضي لكن تمت عرقلتها بسبب المواضيع الجريئة التي تتحدث عنها والتي تشمل السياسة، الوطن، العنف، القتل، الحرب، المرض وعدة قضايا نعيش ونتعايش معها. 
لن أتنازل عنها ولن أحذف حرفاً منها، وسأنتظر لحظة صدورها بفارغ الصبر، فأنا لست في سباق مع الزمن، وما يهمني هو أن تصدر الرواية بالطريقة التي ترضيني وترضي القراء. وأما عن السيناريو، فأنا بصدد كتابة قصة وسيناريو فيلم فلسطيني، كلامي عنه في الوقت الحالي ليس لصالحي ولا لصالح الأطراف الأخرى، ما زلنا نحتاج للكثير ليخرج هذا العمل إلى النور بالشكل اللائق.
أسست صحيفة "الكلمة العربية" بالاشتراك مع زوجها: في البداية كانت فكرة زوجي، وقمنا بتأسيس الصحيفة معاً، ومن ثم انطلقت في كتابة المقالات والتقارير والخواطر وغيرها، كانت صحيفة "الكلمة العربية" تصدر في منطقة المثلث في فلسطين، وهي صحيفة إخبارية أدبية تعمقت بالأدب والعلم والمعلومات العامة واحتوت على زوايا متنوعة مشوقة، وكانت لي زاوية خاصة بها بعنوان "الخيط الرفيع" قمت من خلالها بتسليط الضوء على مواضيع مثيرة للجدل، استمرت لعدة سنوات ناجحة وبعدها تم إغلاقها نتيجة مشاغل أخرى وظروف وأولويات خاصة.
وتعترف أنها مدمنة على القراءة وتقول: أستنشق عبق الكتب والكتابة وأتناول جرعات مكثفة من عبيرها، وأحقن وريدي من شهدها، أحتضن الكتب ولا تكفيني منها نظرة أو قبلة خاطفة أو ذلك الوعد المرسوم بين الأهداب والمقلة، بل أطمع دوماً أن يغفو بين طياتها عمري، فلطالما كانت الكتب وما زالت منهاجاً لحياتي أدرس وأتعلم من خلالها، وترافقني الموسيقى دوماً هذا الإدمان، وتضيف: لا يمكنني التقليل منها. وأما وقت الأمور الحياتية الأخرى فهو محفوظ، لكن كلّ منا يعيش هذه التفاصيل على طريقته الخاصة للتوفيق ما بين الحياة الطبيعية العادية وبين العالم الخاص الذي نجد به أنفسنا.  

أصداء ممتازة
كانت الكتب وما زالت منهاجاً لحياتي 

الكتابة أنقذتها في بعض الأوقات والمحن من الغرق في دوامات الحزن عندما شعرت بأن هذا العالم الفسيح بدأ يتلاشى من حولها، فتقول: عندما مَرض والدي بمرض عضال أثر عليّ وعلى تحصيلي العلمي، قلب حياتي رأساً على عقب، انهار العالم من حولي وابتعدت عن كل شيء، وكنت أمضي أيامي ما بين البيت والمدرسة والمستشفى، حتى وافته المنية وترك مكانه فارغاً في حياتي وأنا على عتبة المرحلة الإعدادية. لم أعد أجتهد وأهملت واجباتي المدرسية وتغيبت عن دروسي، لكني لم أتوقف عن القراءة والكتابة يوماً، بل أخرجت كل ما خالجني على الورق، وبدأت بكتابة الخواطر والقصص القصيرة ومن ثم تألقت في الكتابة الإبداعية وكنت من بين الطلاب المبدعين في مدرستي، شاركت وفزت بعدة مسابقات أدبية. اتخذت القراءة نمطا يوميا وأسلوب حياة، وتنقلت من كتاب لكتاب، حصدت الدرجات العالية ونلت احترام وتقدير المعلمين، وعادت حيويتي. كما حصل هذا عندما أنجبت بكري والذي خضع لعمليات جراحية فور ولادته وعانى من وضع صحي صعب ومعقد، أمضيت معه فترات طويلة في المستشفى لا أعرف الليل من النهار. وأدركت في لحظة ولادته بأن حالته ليست مؤقتة بل حالة خاصة مصيرية كتبت علينا لمدى الحياة. نعم أنقذتني الكتابة في تلك الأوقات والمحن من الغرق في دوامات الحزن، وجعلتني أنتفض إلى ما فوق الجرح الغائر.
النشر الأدبي على متن مواقع التواصل الاجتماعي له عدة وجهات نظر وتشعبات: لا يوجد تحديد عام وبالمطلق ولا يمكننا الجزم بشكل قاطع، التعميم هنا سيظلم فئة الأقلية الرائعة ممن يستحقون هذه الثورة والقيمة، فهنالك إبداع وثقافة ونقاط تواصل جميلة حصلت، لكن بالمقابل لدينا موهبة الإبداع بالنسخ واللصق، تزوير أسماء، سرقة نصوص، اغتصاب ألقاب، تزييف شهادات، ونعم هذا يثير فوضى عارمة لا نهاية لها، بل وأيضاً يضعف من قيمة لغتنا العريقة ولا يضيف لها أبداً.