يندم العراقيون متأخرين

اياد فتيح الراوي كان قائدا عسكريا في لحظة عصيبة من تاريخ العراق. حوكم على جريمة هي بمثابة وسام على صدر كل عراقي.

كان اياد فتيح الراوي جنديا عراقيا برتبة فريق أول ركن. كان مقاتلا مخلصا لشرفه العسكري إذا ما تعلق الأمر بسلامة وأمن وسيادة وطنه وهي المهمة التي نذر نفسه كأي جندي من أجلها.

سيرته العسكرية حافلة بالإنجازات التي تؤهله لكي يكون رجل تاريخ. وهو ما يُفترض أن يفخر به العراقيون كما تفعل الأمم حين تلتفت الى ماضيها لتكرم أولئك الرجال الصامتين الذين لم يكونوا مادة للدعاية والإعلام بالرغم من أن حجم ما قدموه من تضحيات تصغر أمامه كل شهرة.

الراوي الذي ينبغي أن يرفع العراقيون رؤوسهم فخرا به مات قبل أيام وحيدا في سجنه بعد أن تم اعتقاله حين قامت قوات الغزو الأميركي باختطاف قيادة العراق الشرعية بعد أن وزعت صورهم على بطاقات اللعب الـ"55" الشهيرة. وهي عملية غض الكثير من العراقيين للأسف نظرهم عما تنطوي عليه من إذلال ومهانة واستخفاف بكرامة الشعب وتاريخ البلد.

ما لم يكن يحق لقوات الاحتلال بحكم القانون الدولي أن تقوم به وافق عليه ورحب به عراقيون ما كان في إمكانهم أن يصلوا إلى السلطة لولا الغزو الذي قامت به الولايات المتحدة وبريطانيا للعراق، لا ليؤكدوا انتهازيتهم وتمكن روح النفاق منهم حسب بل وأيضا ليجذروا مبدأ الانتقام الذي يفتح أبواب إيران لهم.

لقد حوكم اياد فتيح الراوي على جريمة هي بمثابة وسام على صدر كل عراقي. فالرجل قاتل بتفان في حرب الثمان سنوات ضد إيران دفاعا عن العراق الذي هو واحد من جنوده.

وكما يبدو فإن الولايات المتحدة قد نسقت مع النظام الإيراني لتضم لائحتها مطلوبين من قبل ذلك النظام لدورهم البارز في حماية العراق أثناء تلك الحرب وكان الراوي وسلطان هاشم، وزير الدفاع في مقدمة أولئك المطلوبين الذين قدمتهم الولايات المتحدة لإيران عربون صداقة.

كان اعتقال قيادة العراق جريمة حرب لم يكن هناك مسوغ لاشتراك العراقيين فيها. اما أن تتماهى الحكومة العراقية مع تلك الجريمة حتى بعد أن "انتهى" الاحتلال صوريا عام 2011 حين سحبت الولايات المتحدة قواتها من العراق فإن ذلك معناه أن تلك الحكومة لا يمكن الثقة بها. فهي لا تنظر إلى العراق إلا من خلال الثقب الإيراني.

الراوي وسلطان كانا رمزي بطولة للعراق الذي تصدى لمشروع الخميني التوسعي. كانا بطلين في بلد لم يضعف أحد من أفراد قيادته في مواجهة أسوا محاكمة في التاريخ.    

مات أياد فتيح الراوي بطلا في سجنه. ذلك لأن بطولته سبقته إلى الخلود ولم تعد ملكه. لم تعد واحدة من مقتنياته الشخصية التي يحرص عليها وهو العسكري الفذ الذي نذر نفسه من أجل الدفاع عن وطنه.

كان أمرا مهينا بالنسبة للحكومة العراقية أن يستمر اعتقال الراوي وهاشم وسواهما من العسكريين والسياسيين ممن لم تنجح إيران في اغتيالهم من خلال ذراعها فيلق بدر المسؤول عن قتل الكثير من الكفاءات العراقية، أطباء ومهندسين ومؤرخين وعلماء آثار ومفكرين وطيارين وعلماء.

كان اياد فتيح الراوي قائدا عسكريا في لحظة عصيبة من تاريخ العراق. وإذا ما كان الرجل قد أدى واجبه بإخلاص وتفان فإن ذلك يضيف إلى سجل الشرف العراقي صفحة ناصعة أخرى. وهو ما لا يمكن أن يفهمه أتباع الولي الفقيه الإيراني الذين يحكمون العراق اثنتي عشرة سنة.

العراق الأبي والحريص على سيادته ووحدة شعبه الذي كان سر بطولة أياد فتيح الراوي وسواه من القادة العسكريين هو بمثابة العدو الذي يجب اقتلاعه بالنسبة لحزب الدعوة الذي يخطط لمستقبل رث للشعب العراقي في ظل ولاية مطلقة للولي الفقيه الإيراني.

أدى أياد فتيح الراوي واجبه جنديا دافع عن وطنه بشرف وترك للعراقيين ما يفخرون به. اما ما سيندمون عليه فقد صنعوه بأيديهم.