15 عاما على محاولة اغتيال مروان حمادة

بعد كلّ السنوات على محاولة اغتيال مروان حمادة يبدو ان لبنان بدأ يفقد المقومات التي تسمح له بمتابعة المقاومة.

لم يكن يوم اول تشرين الاوّل – أكتوبر 2004 يوما عاديا. سيظلّ هذا اليوم يوما مفصليا ليس في تاريخ لبنان فحسب، بل في تاريخ سوريا أيضا. يومذاك، تعرّض النائب والوزير السابق مروان حمادة لمحاولة اغتيال عن طريق سيارة مفخّخة انفجرت بعيد مغادرته منزله.

نجا مروان من المحاولة بأعجوبة. كانت محاولة الاغتيال تلك مؤشرا خطيرا الى ما تبيّن ان لبنان مقبل عليه. كانت أيضا مؤشرا الى وجود نظام سوري لا يتورّع عن اعتماد شعار "الأسد او نحرق البلد". هذا عنوان كتاب الصحافي الاميركي، اللبناني الأصل سام داغر الذي صدر حديثا والذي يشرح بادقّ التفاصيل المملّة طبيعة النظام السوري وكيفية تصرّفه من منطلق انّ لا شيء يمكن ان يقف في طريقه، بما في ذلك مصير الشعب السوري ومستقبل سوريا كدولة مستقلّة في حدودها المعترف بها دوليا، متى يُطرح مستقبل النظام ووجوده على بساط البحث بشكل جدّي.

قبل خمسة عشر عاما وفّرت محاولة اغتيال مروان حمادة دليلا على ان النظام السوري، الذي تحوّل في عهد بشّار الأسد الى تابع لإيران، لن يتورّع في ارتكاب الجريمة تلو الأخرى من اجل البقاء في لبنان. لم يرد اللبنانيون تصديق الرسائل التي تضمنتها محاولة الاغتيال. كانت هذه الرسائل مرتبطة بشخص مروان حمادة وموقعه السياسي والعائلي.

انّه قبل كلّ شيء وزير ونائب درزي رافق وليد جنبلاط منذ خلافته والده كمال جنبلاط زعيما لدروز لبنان مباشرة بعد اغتيال الأخير في آذار – مارس من العام 1977 بأمر مباشر من حافظ الأسد. تولّى تنفيذ الامر الضابط العلوي إبراهيم حويجي.

انّه ثانيا قريب من رفيق الحريري الذي كان يستمع الى مروان حمادة ويعتبره من بين الأشخاص القليلين الذين لديهم عقل راجح وقدرة على مدّ الجسور في كلّ الاتجاهات.

انّه ثالثا خال جبران تويني، الذي كان يشرف على جريدة "النهار"، المؤسسة الاعلامية اللبنانية التي امتلكت وزنا عربيا ولبنانيا ولعبت دورا في التجرؤ بشجاعة قلّ نظيرها، على نظام سوري كان يتعامل مع لبنان كمحافظة سوريّة لا اكثر ولا اقلّ. كانت لمروان حمادة الذي بدأ حياته صحافيا مكانة خاصة في "النهار" التي ضغط بشّار الأسد على رفيق الحريري في أواخر العام 2003 كي يتخلّص من الأسهم التي كان يمتلكها في الجريدة.

كانت هناك رسائل كثيرة أراد النظام السوري توجيهها من خلال محاولة الاغتيال تلك. لكن الرسالة الاهمّ كانت في كشف عمق العلاقة بين ايران ممثّلة بـ"حزب الله" من جهة والنظام السوري من جهة أخرى. فما تبيّن بعيد المحاولة ان السيّارة التي استخدمت في العملية جرى تفخيخها في الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل "حزب الله"، وليس في ايّ مكان آخر. لذلك ليس صدفة ان تكون المحكمة الدولية الخاصة بلبنان ربطت بين محاولة اغتيال مروان حمادة واغتيال رفيق الحريري.

فهم رفيق الحريري الرسائل جيّدا. لكنّه رفض تصديق ان محاولة اغتيال مروان حمادة تعني بين ما تعنيه ان دوره آت. لم يصدّق ان النظام السوري الذي كان يعتقد انّه نظام "عاقل" سيقدم على مثل هذا العمل المجنون المتمثّل في توفير غطاء لاغتياله يوم الرابع عشر من شباط – فبراير 2005، أي بعد أربعة اشهر ونصف شهر من محاولة التخلّص من مروان حمادة.

بعد مروان حمادة، كرت سبحة الاغتيالات. كان يوم اوّل تشرين الاوّل – أكتوبر 2004 بمثابة بداية هبوب للعاصفة الجديدة على لبنان بعدما قرّر بشّار الأسد انّه غير معني بالقرار الرقم 1559 الذي صدر عن مجلس الامن في الثاني من أيلول سبتمبر. كانت موجة الاغتيالات، التي شملت لاحقا، رفيق الحريري وباسل فليحان ورفاقهما مع ما تلاها من جرائم، حلقة في سلسلة من التحولات السياسية المهمّة على الصعيد الإقليمي والسوري وليس على صعيد لبنان وحده. كشفت تلك التطورات مدى وحشية النظام السوري ومدى غبائه في الوقت ذاته. ما بدأ بمحاولة اغتيال مروان حمادة واستُتبع باغتيال رفيق الحريري وباسل فليحان، ثمّ سمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني ووليد عيدو وانطوان غانم ووسام عيد وبيار امين الجميّل ووسام الحسن ومحمّد شطح وآخرين، لم يحل دون انفجار الوضع في الداخل السوري.

اذا كان من درس لم يتعلّمه النظام السوري، فهذا الدرس مرتبط بجهله لوجود اسلوب آخر غير أسلوب القمع واقسى درجات الوحشية في التعاطي مع كلّ من يرفض الانصياع له ولرغباته. صارت هناك ادلة واضحة كلّ الوضوح لدى المحكمة الدولية على علاقة تربط محاولة اغتيال مروان حمادة والياس المرّ واغتيال جورج حاوي... بجريمة اغتيال رفيق الحريري. ليس بعيدا اليوم الذي ستتكشف فيه الظروف التي رافقت محاولة اغتيال الوزيرة مي شدياق وكلّ الجرائم الأخرى.

الأخطر من ذلك كلّه، ان النظام السوري ما زال يمعن في ممارسة الأسلوب ذاته رافضا التعلّم من التجارب التي مرّ فيها، بما في ذلك تجربة خروجه من لبنان وحلول ايران مكانه. لا استيعاب لدى النظام السوري لفكرة في غاية الوضوح. تتمثّل هذه الفكرة في ان القتل لا يمكن ان يقود سوى الى مزيد من القتل. ما بدأ بمحاولة اغتيال في لبنان، قبل خمس عشرة سنة، انتهى بخروج القوات السورية منه ثمّ انفجار سوريا من داخل.

لا يزال لبنان يعاني الى اليوم من نتائج محاولة اغتيال مروان حمادة التي من نتائجها الاولى، بعد مرور خمسة عشر عاما عاما عليها، بلوغ مرحلة صارت فيها ايران الطرف المسيطر على لبنان. لم يعد في لبنان موقف واحد من القضايا العربية. بدا ذلك بوضوح بعد الاعتداء الايراني الأخير على المملكة العربية السعودية. الى جانب ذلك، لم يعد هناك من يريد قول الكلام الحقيقي عن التدهور الذي حصل في لبنان، على مراحل، في غضون السنوات الاخيرة، وهو تدهور على كلّ المستويات وصولا الى فقدان البلد للقدرة على إيجاد أي حل للمشاكل المعيشية للمواطن، بدءا برفع النفايات وانتهاء بالكهرباء... وصولا الى تحوّل "حزب الله" الى الطرف الذي يختار من هو رئيس جمهورية لبنان.

قاوم لبنان ولا يزال يقاوم، لكنّ كلّ ما يمكن قوله بعد كلّ هذه السنوات على محاولة اغتيال مروان حمادة ان البلد بدأ يفقد المقومات التي تسمح له بمتابعة المقاومة. يحصل ذلك في ظلّ ظروف استثنائية تمرّ فيها المنطقة وفي ظلّ انهيار سوريا التي لم يدرك النظام فيها المعنى العميق لخروجه من لبنان كي تملأ ايران الفراغ الأمني والسياسي الذي خلفه، وهو فراغ ارتدّ عليها اكثر بكثير من ارتداده على لبنان... بل اضعاف ذلك.