15 من أشهر أساتذة التاريخ يعدون موسوعة تاريخ الصين

موسوعة تاريخ الصين تروي المسار الطويل لتطور التاريخ الصيني منذ أولى أيام الصين قبل خمسة آلاف عام وحتى يومنا الحاضر.
الكتاب لم ينحصر فقط في سرد مظاهر الحضارة وتطورها فحسب، بل يقفز أيضًا إلى المستويات الثقافية والاقتصادية والعلوم والتكنولوجيا
علينا أن نتعلم تذوق التاريخ، وتفهّمه، بل نتخذه مرآة للحاضر، حتى نحظى بأساس ثابت يمكن الاعتماد عليه مستقبلًا

انطلاقا من عصر الأساطير في الصين القديمة وانتهاء بالراهن الصيني المنافس على قيادة العالم اقتصاديا وسياسيا، يمتد تاريخ الصين لأكثر من 5000 سنة، وفي خلال هذه الحقبة الزمنية شهدت الصين فترات ذهبية وفترات اضمحلال. 
تروي "موسوعة تاريخ الصين" التي أعدها في مجلدين ضخمين 15 من أشهر أساتذة التاريخ في الصين، بلغة سلسة ومبسطة، المسار الطويل لتطور التاريخ الصيني منذ أولى أيام الصين قبل خمسة آلاف عام وحتى يومنا الحاضر، كما تركز على التاريخ القديم. حيث تتناول أصل الحضارة، وتعاقب الأسر الحاكمة على الصين، والكشف عن ازدهار عصور هان وتانغ وتشينغ، ووسائل المواصلات في العصور القديمة، والحضارات الأجنبية التي عاصرت الصين، والعلاقات بين الدول القديمة والصين، والأنظمة السياسية والقانونية ونظام اختيار الموظفين الرسميين في العصور القديمة، والزراعة والحرف اليدوية والصناعة والتجارة، والنظام والفكر العسكريين، والحياة الاجتماعية، والتغيٌّر الفكري، وتاريخ الفنون والأدب، والعلوم والتقنيات، والتاريخ الحديث، وتاريخ الجمهورية الصينية الأولى وصولًا للصين الآن.
نُشرت الموسوعة التي حررها تشانغ تشي دجي، وترجمتها كل من البروفيسور د.إسراء عبدالسيد ود.سهر قدري موافي وآخرين، في أربع عشرة طبعة، وترجمت للعديد من لغات العالم، وهي أول عمل متكامل عن تاريخ الصين يترجم من الصينية للعربية وصدر عن مؤسسة بين الحكمة بالتعاون مع منشورات ضفاف ومنشورات الاختلاف.
تنطلق ابتداءً من الاستكشافات العلمية في بداية الحضارة الصينية، حيث تحكي التاريخ القديم للصين منذ الحقبة الأسطورية للإمبراطور هوانغ والإمبراطور يان التي أفرزت حضارة متعددة ومتنوعة، وطورت الاقتصاد الزراعي البدائي، وعززت التقدم الحضاري، فكانت بمثابة بداية الحضارة، وبالتالي استمر تطور التاريخ الصيني دون انقطاع. وتغوص الموسوعة في سرد تاريخ الأسرات القديمة وفق ترتيب زمني سلس، كما ترصد التغيرات التي طرأت على المجتمع الصيني القديم وعهد الأسرات، وأيضًا تعرض مراحل التأسيس والتغيرات في عهد الأسرات الملكية الصينية، وصعود وهبوط أسرة تشن في عصر الوحدة الكبرى الأولى للصين، بالإضافة إلى أن هذه الموسوعة التي تأتي في جزأين تثير لدى القارئ التساؤلات، فيما يتعلق بالرصد والتأريخ لفترات الصعود والهبوط  للأمة الصينية وفهم الأحداث الرئيسية التي شهدتها الصين في ذلك الوقت بشكل أفضل. 

قدمت الموسوعة قراءات في العديد من كتب المؤرخين القدامى للحضارة الصينية، حيث توقفت عند معارف المؤرخين المعاصرين حول أساطير يان وخوانغ، حيث أوضحت أنه منذ أواخر عهد أسرة تشينغ

وتتناول موسوعة تاريخ الصين، تاريخ وسائل التواصل ونشر الثقافة الصينية بالإضافة إلى تاريخ الثقافات الأجنبية في الصين القديمة. الأمر الذي يسلط الضوء على اهتمام الصين الكبير بنشر ثقافتها وإنجازاتها على مر العصور. وكدولة متعددة القوميات، اعتمدت الصين طوال تاريخها، على العديد من السياسات حيال العلاقة بين العرقيات المختلفة، حيث تحكي تأثير البيئة الجغرافية على العلاقة بين الأعراق الصينية، وكيف تعاملت الصين مع الأزمات والمشكلات بين العرقيات واندماجها بعد الوحدة الصينية الكبرى، وغيرها من القضايا التي اكتنفت العلاقة بين أعضاء البيت الصيني الكبير، لا سيما وأن هذا سيفتح أمامنا نافذة لرؤية تطور العلاقة بين القوميات الصينية على مر التاريخ، بل ويعرفنا بشكل أفضل على الصين ذات القوميات المتعددة. 
لم ينحصر الكتاب فقط في سرد مظاهر الحضارة وتطورها فحسب، بل يقفز أيضًا إلى المستويات الثقافية والاقتصادية والعلوم والتكنولوجيا. وكما أنه لا يمكننا العودة بالزمن إلى الوراء لمعايشة التغيرات والتطورات عبر العصور، فإن هذه الموسوعة تمكننا من فهم عراقة التاريخ الصيني بشكل أفضل، بالإضافة إلى أنها تستعرض التاريخ الصيني الحديث والتقلبات والتغيرات فيما يتعلق باستكشاف الاشتراكية الحديثة، مما يتيح لنا رؤية تقدم وتطور التاريخ الصيني بشكل كامل.
ورأى تشانغ تشي دجي في مقدمته للموسوعة إن الصين هي إحدى الدول ذات الحضارة القديمة والتاريخ العريق، وإذا قارنَّا الصين بنظائرها من النظم الثقافية الأخرى في العالم، نجد أنها تمتاز بالتاريخ المسجل الأكثر اكتمالاً، والآثار التاريخية الأكثر ثراءً، وعلاقات التراث التاريخي الأكثر وضوحًا منذ آلاف السنين. وقد قدمت الحضارة الصينية العديد من الإسهامات المهمَّة لحضارات العالم، وهذه حقيقة معروفة لدى الجميع. ومع ذلك، فإنه فيما يتعلق بمعرفتنا حول أصول الحضارة الصينية، وأشكالها الأولى، لا يزال هناك العديد من القضايا التي يتعين علينا مواصلة استكشافها على محمل الجد. وكان لبحث الأجيال المتعاقبة من العلماء حول "الأصول" و"استكشاف الجذور" دور مهم في دفع معرفتنا للتقدم نحو الاتجاه العلمي؛ حيث تقترب معرفتنا حول أصول الحضارة الصينية تدريجيًّا من الحقائق التاريخية؛ وذلك بفضل الاكتشافات والبحوث الأثرية الحالية.
وأشار إلى أنه على الرغم من أن هذه الموسوعة بجزأيها تحوي خمسة عشر بابًا فقط، فإنها تجمع بين طياتها خلاصة التاريخ الصيني بما يمكننا من الحصول على أكبر قدر من المعلومات بأقل قدر من الجهد. وقالا "من خلال هذا العمل أيضًا، نتلمّس أحداثًا تاريخية مختلفة عبر تاريخ الصين، وعلى الرغم من أنه لا يمكن وصف تاريخ الصين أو رؤية المجد والإنجازات التي تحققت في الماضي في بضع كلمات قليلة، فإن هذه الموسوعة المتكاملة تجعلنا نستشعر المنجزات الكبرى للحضارة الصينية، كما تتيح لنا أيضًا رؤية قيم وميراث التاريخ الصيني. حيث إن التاريخ الصيني لا يحسب فقط بعدد الانتصارات، بل بواسطة مجموعة متنوعة من القيم التي لا تُمحى من ذاكرة التاريخ الإنساني، والتي جعلت من الثقافة الصينية عنصرًا أساسيًا لاستمرار الحضارة الصينية ودفع تطورها. كما يشعرنا هذا العمل الموسوعي بقيمة التاريخ الصيني، حتى لا ننسى أبدًا الأحداث الكبرى التي تخللته، والتي ألهمت الصينيين على مر العصور، وهو تاريخ يستعصي على النسيان، إنه تاريخ كل الصينيين، إنه تاريخ خُمس سكان العالم وأحد أقدم حضارات البشرية".
ولفت تشانغ تشي دجي إلى أن التاريخ يمنحنا ثروات لا حصر لها، حيث يمثل جرس إنذار من تلك الأمم التي حاولت استغلالنا سابقًا، وبذلك يمكن أن يكون التاريخ هو الطريق الذي يقودنا إلى النجاح، ويمكنه أيضًا أن يكون درسًا عن مرحلة تشكُّل الأنظمة السياسية، كما يمنحننا الإلهام من خلال إيمان شخصياته العظيمة بالحياة. 
وخلص إلى أن علينا أن نتعلم تذوق التاريخ، وتفهّمه، بل أن نتخذه مرآة للحاضر، حتى نحظى بأساس ثابت يمكن الاعتماد عليه مستقبلًا، من أجل خلق تاريخ أكثر جمالًا في المستقبل، وهذه هي الثمرات والأفكار التي منحتها لي "موسوعة تاريخ الصين". 

في الفصل الخاص بعصر الأساطير في الصين القديمة أشارت الموسوعة إلى أن قومية الإمبراطور الأصفر وقومية الإمبراطور يان كانتا قبيلتين كبيرتين مرتبطتين ارتباطًا وثيقًا في عصور ما قبل التاريخ، وفي الوقت الذي اضمحلت فيه قبيلة يان، ازدهرت قبيلة الإمبراطور الأصفر وازدادت قوتها؛ وفيما يتعلق بعلاقة يان وخوانغ، فقد وصفها كتاب "مخاطبات الدولة - مخاطبات جين": "كان هناك رجل يُدعَى شاوديان تزوج من امرأة من قبيلة يوجياو، وأنجبا ولدين، هما الإمبراطور الأصفر، والإمبراطور يان، وقد ترعرع الإمبراطور الأصفر على ضفاف نهر جي، بينما ترعرع الإمبراطور يان على ضفاف نهر جيانغ، فاختلفت أخلاقهما وطبائعهما، وبالتالي انتسب الإمبراطور الأصفر إلى جي، بينما انتسب الإمبراطور يان إلى جيانغ؛ ولكنهما سعيا إلى دمج بعضهما البعض لتعزيز التكامل والوحدة (أي مساعدة بعضهما البعض)؛ بل ودمج قدراتهما وإمكاناتهما المختلفة أيضًا". وبناءً على ذلك، يمكننا القول: إن الإمبراطور يان والإمبراطور الأصفر وُلِدا في قبيلة شاوديان. 
ويعد نهر جيانغ الذي ترعرعت فيه أسرة يان أحد روافد نهر وي، ويقع داخل حدود مدينة باوجي بمقاطعة شنشي حاليًّا، أما نهر جي الذي ترعرعت فيه أسرة الإمبراطور الأصفر فلم يُحَدَّد بشكل حاسم حتى الآن؛ ولكن من المؤكد أنه لا يبعد كثيرًا عن نهر جيانغ، وهكذا يمكن التكهن بأن أسرتي يان وخوانغ قد نشأتا في منطقة الهضبة الصفراء شمال غربي الصين، وتطورتا فيما بعد حتى وصلتا إلى السهول الوسطى. 
وفي عهد الإمبراطور الأصفر، حققت التنمية الاجتماعية الصينية ما قبل التاريخ إنجازات عظيمة؛ حيث بدأت تربية حيوانات الجرّ مثل البقر والخيل واستخدامها في عهد الإمبراطور الأصفر، واختراع العربات والسفن، وتعلم كيفية حفر الآبار وتربية دودة القز ونسج الحرير. 
وقد اختُرِعت الكتابة ووُضِعَ التقويم والعقود الستة، واختُرعت الملابس والتيجان في عهد الإمبراطور الأصفر، كما نشأت حضارة النظام الصيني في عهد الإمبراطور الأصفر أيضًا، أما الإسهامات الرئيسة في عهد الإمبراطور يان، فتتمثَّل في مجالي الزراعة البدائية والثقافة البدائية؛ فيُحكى أنه عندما بحثت أسرة الإمبراطور يان المقدسة عن أدوية لعلاج الأمراض، جربت مئات الأنواع من الأعشاب، فيُعَدُّ اختراع الطب والدواء هو إنجاز كبير آخر لعهد الإمبراطور يان. 
وأضافت الموسوعة "فيما يتعلق بالقبائل أو الجماعات القبلية أو التحالفات العشائرية في عصر نشأة الحضارة الصينية، يعتقد بعض العلماء أنه بالإضافة إلى الإمبراطور الأصفر والإمبراطور يان، كان هناك كذلك الإمبراطور تشي، ويعتقد بعض العلماء أن الجماعة القبلية أو التحالف العشائري الموازية للإمبراطور الأصفر والإمبراطور يان هي قبيلة مياومان. 
ووفقًا لتحليل تاريخ وثقافة هذه المرحلة، نجد أن الآراء ليست واحدة؛ لأن النصوص الموروثة المتعلقة بعصر الأساطير لا تزال متفرقة ومجزأة، ولا يمكن الوثوق بها بشكل كامل. وعند استكشاف ملامح ثقافة ما قبل التاريخ، نجد أنه كلما كان العصر قديمًا للغاية، كانت الاختلافات الثقافية بين المجتمعات المختلفة أكثر وضوحًا؛ حتى إن المجتمعات البشرية التي مساكنها ليست بعيدة عن بعضها في العصر نفسه، لديها أيضًا خصائص واضحة تميز بين نقاط التشابه والاختلاف فيما بينها؛ فمجرد التفاعل البشري والتواصل على المدى الطويل، يظهر المشترك الثقافي الأكثر بروزًا في الموروثات الثقافية المختلفة تدريجيًّا. إن ما ورد ذكره في الأساطير عن "ربط الاتجاهات الأربعة" و"توحيد الأمم" الذي نادى بهما الإمبراطور الأصفر، قد تزامن مع قانون تقدم الحضارة هذا. 
وقدمت الموسوعة قراءات في العديد من كتب المؤرخين القدامى للحضارة الصينية، حيث توقفت عند معارف المؤرخين المعاصرين حول أساطير يان وخوانغ، حيث أوضحت أنه منذ أواخر عهد أسرة تشينغ، وفي الوقت الذي تعرَّض فيه الوسط الثقافي الصيني المتقدم لتأثير الثقافة الغربية، بدأت تنعكس الثقافة الصينية التقليدية، وفي بداية العشرينيات من القرن العشرين، ارتفع لواء الاتجاه الأيديولوجي للتشكيك في القديم تحت شعار "تدقيق التاريخ القديم"، وكان هذا الاتجاه آنذاك له مغزًى إيجابيٌّ في تدمير هيكل نظام التاريخ التقليدي، وكسر فخ تقاليد الثقافة الإقطاعية، ومن ثَمَّ تحرير الروح الوطنية، كما كان له دور مهم في تعزيز ثورة علم التاريخ.