9 وزيرات في حكومة بودن.. رهان على الكفاءات النسائية

كثير من النساء يتقلدن مناصب مرموقة في تونس بما فيها مناصب وزارية، لكنها المرة الأولى التي يقترب فيها تمثيل المرأة في الحكومة إلى أدنى قليلا من نصف التركيبة الحكومية (10 وزيرات باحتساب بودن).
حكومة جديدة لتونس من أجل تجاوز الأزمات
من برنامج حكومة بودن.. فتح ملفات الفساد وكبح الانهيار الاقتصادي
هل يسحب إعلان حكومة جديدة الذرائع من قوى تدفع البلاد إلى الصدام؟

تونس - ضمت الحكومة التونسية الجديدة برئاسة نجلاء بودن التي أدت اليمن أمام الرئيس التونسي قيس سعيد 16 وزيرا وثماني وزيرات وكاتبة دولة (وزير دولة)، في سابقة تشير إلى رهان سعيد على الكفاءات النسائية في التعاطي مع أسوأ أزمة تمر بها تونس بفعل تراكمات سنوات ما بعد الثورة وتسع حكومات فشلت جميعها في مهامها وكذلك ما وصفه سياسيون ومحللون بـ"عبث سياسي" طبع سنوات من عمل مجلس نواب الشعب من سباب وشتائم وعنف لفظي وجسدي على مرأى ومسمع من رئيس البرلمان (المجمد) راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الإسلامية أو أحد نوابه.

ويهيمن الذكور منذ عقود على المناصب الوزارية وعلى السلطة في العالم العربي وفي تونس التي تعتبر رائدة في مجال حماية حقوق المرأة ومن ضمنها مبدأ المساواة والمشاركة في الحياة السياسية.

وتتقلد كثير من النساء مناصب مرموقة في تونس بما فيها مناصب وزارية، لكنها المرة الأولى التي يقترب فيها تمثيلها إلى أدنى قليلا من نصف التركيبة الحكومية (10 وزيرات باحتساب بودن و16 وزيرا).

وستركز حكومة نجلاء بودن حسب ما هو معلن على "إنقاذ البلاد" ومكافحة الفساد بعد 11 أسبوعا من القرارات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس التونسي والتي استندت للفصل 80 من دستور 2014 وتم بموجبها تجميد عمل البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه واعفاء رئيس الحكومة (هشام المشيشي) من منصبه وما تلاها من قرارات أخرى لاحقا شملت إلغاء معظم فصول الدستور.

ونشرت الصفحة الرسمية للرئاسة التونسية على فيسبوك بيانا مصحوبا بصورة للرئيس سعيّد ورئيسة الحكومة المكلفة نجلاء بودن جاء فيه "رئيس الجمهورية يصدر أمر تسمية رئيس الحكومة وأعضائها".

ثم أدى 25 عضوا في الحكومة اليمين من بينهم تسع نساء، وفق بث مباشر للتلفزيون الحكومي. واحتفظ وزيرا الخارجية عثمان الجرندي والتربية فتي السلاوتي اللذان كانا في الحكومة قبل 25 تموز/يوليو، بمنصبيهما في الحكومة الحالية.

كما تم تعيين توفيق شرف الدين وزيرا للداخلية وهو الذي أقاله هشام المشيشي بعد أن عزل عدد من القيادات الأمنية دون التشاور معه. ويعتقد أن القيادات الأمنية التي عزلها شرف الدين حينها كانت على ارتباط ما بحركة النهضة الشريك في الحكم والتي كانت تهيمن على البرلمان بأغلبية ضعيفة.

وللمرة الأولى في تاريخ البلاد، أوكلت امرأة هي الأستاذة الجامعية المتخصصة في الجيولوجيا وغير المعروفة في الأوساط السياسية نجلاء بودن مهمة تشكيل الحكومة في 29 سبتمبر/ايلول، لكن سلطاتها وسلطات وزرائها ستكون محدودة بناء على التغييرات التي أقرّها الرئيس على السلطة التشريعية والتنفيذية. وسيكون نشاطها مراقبا وتحت إشراف سعيّد.

وأكدت بودن (63 عاما) الاثنين في أول كلمة منذ تعيينها أن من أبرز مهام الحكومة الجديدة مكافحة الفساد و"استعادة الثقة بالدولة" وإعادة الأمل للمواطنين وفتح مجال الاستثمار وتحسين ظروف العيش والتسريع في تنشيط الدورة الاقتصادية و"تشديد مبدأ المحاسبة".

نجلاء بودن رئيسة 'حكومة الرئيس' أمام اختبار حاسم مع حضور قوي للتمثيل النسوي في التشكيلة الوزارية
نجلاء بودن رئيسة 'حكومة الرئيس' أمام اختبار حاسم مع حضور قوي للتمثيل النسوي في التشكيلة الوزارية

وجاء الإعلان غداة تظاهر الآلاف في شوارع تونس العاصمة ضد ما يعتبرونه "انقلابا" قام به الرئيس قيس سعيّد، في أكبر احتجاج شعبيّ حتى الآن على تدابير تعزيز صلاحياته منذ 25 يوليو/تموز.

وفي 22 سبتمبر/ايلول، أصدر سعيّد تدابير "استثنائية" أصبحت بمقتضاها الحكومة مسؤولة أمامه فيما يتولى بنفسه إصدار التشريعات بمراسيم عوضا عن البرلمان، ما اعتبره خبراء تمهيدا لتغيير النظام السياسي البرلماني في البلاد الذي نص عليه دستور 2014.

كما قرّر سعيّد رفع الحصانة عن النواب وتعليق رواتبهم والمنح المالية التي كانوا يتقاضونها.

وأكد اليوم الاثنين في كلمة بعد أداء الحكومة اليمين على "إنقاذ البلاد ممن يتربصون بها في الداخل والخارج" و"من يعتبرون المناصب غنيمة... سنفتح الملفات ولن نستثني أحدا ولا مكان لمن يريدون العبث بسيادة الدولة"، مضيفا "لقد نهبوا من أموال الشعب الكثير"، من دون أن يأتي على ذكر أسماء.

وقال أيضا "سنعمل في قادم الأيام على إيجاد اطار لحوار وطني حقيقي...حوار مع الشباب في كل الجهات من الجمهورية ومع كل التونسيين والتونسيات الذين يقبلون بالحوار الصادق لاستكمال الثورة واستكمال حركة التصحيح والتحرير".

وستوضع مواعيد محددة لكل محطة من الحوار الوطني الذي لم يبين سعيّد أهدافه ومنهجيته.

وعين أستاذ القانون بالجامعة التونسية عماد مميش على رأس وزارة الدفاع. كما عاد توفيق شرف الدين لتولي حقيبة الداخلية بعدما أقاله رئيس الحكومة السابق هشام المشيشي من المنصب مطلع العام 2021 اثر خلاف بين الرجلين تعلق بتعيينات في وزارة الداخلية.

وجاء في بعض فصول الأمر الرئاسي الذي أصدره سعيّد أنه "يتمّ إصدار القوانين ذات الصبغة التشريعية في شكل مراسيم يختمها رئيس الجمهورية" وتتحول هذه الصلاحيات إلى سعيّد عوضا عن البرلمان المجمدة أعماله.

وورد في فصل آخر "يمارس الرئيس السلطة التنفيذية بمساعدة حكومة يرأسها رئيس الحكومة وتتكون الحكومة من رئيس ووزراء وكتّاب دولة يعيّنهم رئيس الجمهورية".

والسلطة التنفيذية أساسا في يد الحكومة ومسؤولة أمام البرلمان بموجب دستور 2014، لكنّ سعيّد أعلن أنّها ستكون مسؤولة أمام رئيس الجمهورية مستقبلا.

وبودن غير معروفة في الأوساط السياسية ولا يعرف عنها انتماء سياسي ولا خبرات في إدارة ملفات اقتصادية. وكُلّفت المتخصصة في مجال الضرائب سهام بوغديري بوزارة المالية في حين عُيّن الخبير في المجال المصرفي سمير سعيد على رأس وزارة الاقتصاد والتخطيط.

ويمثل الوضع الاقتصادي المتردي في البلاد أول الملفات على طاولة رئيسة الحكومة التونسية المكلّفة، وهو قطاع يعاني منذ عقد من الزمن بسبب غياب الاستقرار السياسي الذي لا يزال يضعف رغبة المستثمرين والمانحين الدوليين في دفع الأموال.

وبلغ معدّل النمو الاقتصادي في البلاد سنويا ما بين 2010 و2020 حوالي 0.6 بالمئة وبسبب الجائحة، سجّل في العام 2020 انكماش بنسبة 8.8 بالمئة فضلا عن تأثر قطاع السياحة الذي كان يمثل 14 بالمئة من الناتج الداخلي الخام والذي تضرّر بشكل كبير.

في مايو/ايار الماضي، عادت تونس المثقلة بالديون للمرة الرابعة خلال عقد للتفاوض مع صندوق النقد الدولي سعيا للتوصل إلى اتفاق على ثلاث سنوات والحصول للعام 2021 على 3.3 مليارات يورو في مقابل وعد بإصلاحات يبدو الالتزام بها أصعب من السابق، لكن المفاوضات توقفت منذ إعلان سعيّد الإجراءات الاستثنائية.

كما ارتفعت نسبة المديونية في تونس وتجاوزت 80 بالمئة، وأصبحت البلاد تقترض لسداد الديون ودفع أجور الموظفين.

ويعلّل خبراء الوصول إلى هذا المستوى من التراجع إلى عدم الاستقرار الحكومي، فقد تعاقبت تسع حكومات على السلطة بسبب التجاذبات السياسية منذ ثورة 2011. وعلقت آمال كبيرة أيضا على أن يتحرّر الاقتصاد من الفساد ومن أيدي المقربين من السلطة، لكن بقي مجال الأعمال حكرا على عائلات نافذة.