أسد عليّ وفي الحروب نعامة

يكفيك فخراً أنك تعلم علم اليقين أن قاتلك لم يكن يجرؤ على مواجهتك دون أسلحة القتل التي أستمد شجاعته المفتعلة منها.

في ميدان المعركة يقف اللاعب الأوحد ذو الملابس المزركشة، المدجج بالسيوف والسهام، مزهواً بالنصر الذي حققه، وتكاد هامته أن تبلغ السماء فرحاً وغروراً، فقد انتصر وصرع عدوه اللدود، فله أن يفتخر، كما أن الجماهير التي تسانده، المتعطشة للدماء، لها أن تهداً بعد أن تم القضاء على العدو تماماً.

أما العدو فإنه يستحق العقاب، فكيف يتجرأ ويرفع رأسه ملوحاً بأي نوع من أنواع المقاومة لهذا البطل؟ كيف له أن يمسسه بسوء؟ أو أن يحاول أن يوجه له سلاحاً ولو كان طائشاً دفاعاً عن النفس؟ فقد نال عقابه ووقف البطل ينظر إلى عدوه وهو يترنح نازفاً ومع كل قطرة دم تغادر جسده يستمر في المقاومة، محاولاً بلا جدوى النيل من البطل، وأخيراً تخور قواه فيسقط في بركة من الدماء تقر برؤيتها عين البطل.

كيف لهذا البطل المصطنع أن يهنأ بالنصر، وكيف يفتخر به؟ وكيف تسمح الجماهير لنفسها بأن تطلق صرخات الفرح وتنتشي بسقوط العدو أرضاً مدرجاً في دمائه؟ مع أن الجميع يعلمون أنها معركة مصطنعة مزيفة، طرفيها غير متكافئين، أحدهما يمتلك وسائل القوة المادية والمعنوية، والآخر بلا حول ولا قوة متروكاً على السجية.

وأنت أيها العدو رغماً عنك، ماذا جنيت في حياتك ليكون هذا مصيرك؟ لقد أمضيت عمرك القصير تأكل تبناً في الصيف وبرسيماً في الشتاء، لم تبحث يوماً عن شهرة أو تطمح في مجد، كنت تؤدي وظيفتك التي أوجدك الخالق من أجلها بكل همة ونشاط، انتظارا للمصير الطبيعي المحتوم، الذي كنت تمشي إليه رافعاً الرأس بكامل صحتك، حافظاً لكرامتك، فماذا فعلوا بك؟

انتهى بك المقام قتيلاً بيد بطل من ورق يرميك بالسهم تلو الآخر، هو يظن أنه انتصر عليك، ولكن يكفيك فخراً أنك لم تستسلم بل قاومته حتى آخر قطرة من دماءك. لقد هزمت غرور قاتلك بصمودك، وأحدثت جراحاً في الأماكن التي تمكنت قرونك أن تطولها من جسده المغرور، وسوف تظل هذه الجراج علامات خزي وعار عليه، وكرامة وفخار لك، وإن كان الموت هو مصيرك، فلا تبتئس، وإن كان موتك ذهب هباءً بيد الغدر والتجبر، فحسبك أنك كنت شجاعاً في الميدان، ويكفيك فخراً أنك تعلم علم اليقين أن قاتلك لم يكن يجرؤ على مواجهتك دون أسلحة القتل التي أستمد شجاعته المفتعلة منها.

وعزاؤك أن الجميع يعلم أنك أنت الأقوى في البنية، والأشرف في التعامل، والأرقى في التفكير حيث لم تتعمد الاعتداء إنما كنت دوماً باحثاً عن العيش بسلام، كما يعلم الجميع أن القاتل هو الأضعف جسداً، ولديه من الوضاعة ما يحول بينه وبين مواجهتك دون استخدام القوة المادية المتمثلة في مختلف أنواع الأسلحة الفتاكة، وتلك في حد ذاتها تدحض ما يدعيه من قوة وشجاعة.

فيا عزيزي الضحية في كل مكان، وفي أي زمان، قديماً قالوا:

لا تأسفن على غدر الزمان لطالما *** رقصت على جثث الأسود كلاب

لا تحسبن برقصها سادت *** تبقى الأسود أسود والكلاب كلاب