ألبير كامي يحرس المرمى ونجيب محفوظ يحرز الأهداف

الكاتب أشرف عبدالشافي في كتابه "المثقفون وكرة القدم" يرى أن الكلام عن كراهية المثقفين لكرة القدم وتعاليهم عليها أكذوبة.
توفيق الحكيم رأى أن عقول لاعبي كرة القدم في أرجلهم
ألبير كامو كاد أن يصبح واحدا من أهم حراس المرمى في العالم

القاهرة ـ من أحمد رجب
"أنا قلبي كورة والفراودة أكم
ياما اتنطح وانشاط وياما اتعكم
وأقول له كله ح ينتهي في المعاد
يقول بساعتك؟ ولا بساعة الحكم؟"
هكذا كتب صلاح جاهين رباعيته مشبها قلبه بكرة قدم تتقاذفها الأنواء وجاعلا من الحياة مباراة للكرة، وقبله وصفها جان بول سارتر قائلا: "كرة القدم هي مجاز يعبر عن الحياة كلها"، أما الشاعر والمخرج الإيطالي بيير باولو بازوليني، فوازن بينها وبين أشكال الإبداع الأدبي، فرأى أن كرة القدم كما يمارسها الأوروبيون هي لعبة جماعية تشبه الرواية بينما الكرة في أميركا اللاتينية مفرطة في فرديتها لذا رآها أقرب إلى الشعر. 
وغيرهما كثيرون اهتموا بالكرة ومارسوها وكتبوا عنها، مما يثبت زيف الصورة الذهنية التي تكرسها الأعمال الدرامية للكاتب والمثقف القابع بين جدران حجرته يقرأ ويدخن غليونه بينما ينظر للناس بتعال ويرى فيما يعجبهم تفاهات يجب أن يترفع عنها.
الكاتب أشرف عبدالشافي في كتابه "المثقفون وكرة القدم" يرى أن الكلام عن كراهية المثقفين لكرة القدم وتعاليهم عليها أكذوبة، حتى وإن شارك بعضهم توفيق الحكيم رأيه بأن لاعبي كرة القدم بأن عقولهم في أرجلهم، كما أن قطاعا غير قليل من المثقفين يتعاملون مع كرة القدم على أن الهوس بها يعكس عدم وعي الأغلبية، لكن القطاع الأكبر يخالفهم، فحياة المبدعين، كما يقول في كتابه، تمتلئ بقصص عن عشق المبدعين للساحرة المستديرة وتمتعهم بها لعبا ومشاهدة، فكرة القدم هوس عالمي يرصد الكتاب مظاهره بين مبدعي العالم من نجيب محفوظ إلى كامو وعدد من حائزي جائزة نوبل في الآداب، ولم يكن الأمر عندهم مقصورا على التشجيع فقط، بل إن بعضهم مارس اللعبة، ويذكر أن نجيب محفوظ  كان يلعب في مركز الجناح الأيسر، وكان هداف الفريق .
أما الروائي فلاديمير نابوكوف فكان حارسا للمرمى، مثل الشاعر الروسي إيفتشينكو، الذي كان يرى أن هناك شيئا مشتركا بين كرة القدم والشعر، كذلك الروائي ألبير كامي الذي حرس مرمى فريق كرة القدم بجامعة وهران بالجزائر عام 1930 وحكى عن حراسة المرمى وكيف علمته التأمل، فهي تحتاج تركيزا وسرعة بديهة، إذ لا تأتي الكرة دائما من المكان الذي نتوقعه، وعلينا بذلك أن نتوقع الغدر، ولا نطمئن كثيرا لحسن النوايا. 
وكما يقول عبدالشافي في كتابه: كاد ألبير كامو أن يصبح واحدا من أهم حراس المرمى في العالم، لكن الفقر الذي كابده في طفولته وصباه بالجزائر، أثناء فترة الاحتلال الفرنسي لها جعل الأمراض تعرف طريقها إليه مبكرا، إذ أصيب خلال دراسته الجامعية بمرض السل، فانقطع عن الرياضة وكرة القدم مرغما.
كذلك لعب القاص إبراهيم أصلان في مركز حارس المرمي وكان يشجع نادي الزمالك مثل نجيب محفوظ وخيري شلبي الذي وصف كرة القدم بأنها سيمفونية الفقراء، وخصص فصلا فى كتابه "صحبة العشاق … رواد الكلمة والنغم" لرسم بورتريه للكابتن محمد لطيف، أو "فاكهة الكرة المصرية" كما وصفه.
عمل جماهيري
الروائي إبراهيم عبدالمجيد يتفق مع ما جاء في كتاب أشرف عبدالشافي ويقول: غير صحيح القول بأن المثقفين يكرهون كرة القدم، فمن أعرفهم من المثقفين يتابعونها وباهتمام، والبعض منهم لعبها، أنا شخصيًا كنت أمارسها وكنت ألعب "كرة شراب" وما زلت أتابع مباريات الإتحاد السكندري، ولا أعرف كيف يقول مثقف أنا أكره كرة القدم؟ والشيء الأهم من ذلك أنه يتعالى على الجمهور وهذا يعد انفصالا عن المجتمع، فالكرة الآن وفي العالم كله ليست مجرد لعبة أو موهبة، إنها صناعة كبرى، بها جماهير وإعلانات وإعلاميون ومدربون وعمال ورؤساء أندية وغيرها. هذه الصناعة ونجاحها لا يجعل أموالها تعود على شخص واحد، ولكن على كل عناصر اللعبة، وهي عمل جماهيري وليست عملًا نخبويًّا.
حروب معاصرة
يشير الناقد والأكاديمي حسام عقل إلى وصف تي. إس. اليوت للكرة بأنها "عنصر أساسي للحياة المعاصرة". فعناصر اللعبة هي نفسها عناصر الصراع الدرامي. ربما لذلك لم يحبها بول أوستر، الذي رأى في مبارياتها حروبا معاصرة فهو القائل "البلدان تخوض حروبها اليوم في ملاعب كرة القدم، بجنود يرتدون الشورتات، وإذ يفترض أنها لعبة تستهدف التسلية غير أن الذاكرة الخفية لصراعات الماضي تخيم على كل مباراة، وكلما أحرز لاعب هدفا تتردد أصداء الانتصارات القديمة". ربما لذلك غابت عن أجواء رواياته مفسحة المجال للعبة البيسبول التي تجدها في أغلب روايات أوستر، بينما في روايات إرنست هيمنجواي نجد كل أنواع الرياضة ففي روايته الأولى "والشمس تشرق أيضا" نجد رياضتي الملاكمة ومصارعة ثيران، أما رياضة صيد الأسماك فكانت موضوع روايته الفاتنة "العجوز والبحر". وفي "عبر النهر ونحو الأشجار" يمارس الكهل رياضة الرماية وصيد البط، وهي رياضة تناسب شخصية الكهل في الكتاب.
وعربيا كان محمود درويش محبا لكرة القدم وكان يراها أشرف الحروب، وكتب قصيدة عن مارادونا عقب فوز الأرجنتين بكأس العالم، وتساءل: "لماذا لا تكون كرة القدم موضوعًا للفنّ والأدب؟". وكان درويش يرى في زيد الدين زيدان أعظم لاعب كرة قدم في العالم في ذلك الوقت، وكان يستغرب لماذا لم تستفد منه الجزائر قبل أن يلعب بالقميص الفرنسي.
بناء مشترك
يري الروائي وحيد الطويلة أن الرواية وكرة القدم يستهدفان المتعة، وبينهما بناء مشترك وخطة وتوزيع للأدوار. الرواية الحديثة أخذت نهج الكرة؛ أصبح المدافعون يهاجمون، والشخصيات الثانوية في رواية ما ربما هي من تبقى في ذهنك. وتتراجع الشخصية الرئيسة لحساب الثانوية، تكتيك اللعب وتكنيك الرواية. في الكرة لا تستطيع أن تلعب من دون مدافعين، في الرواية يمكنك أن تفعل هذا، تلعب طوال الوقت مهاجمًا. في الكرة لا تستطيع أن تلعب من دون حارس مرمى. في الرواية يمكنك أن تفعل هذا لتترك للنقاد بابًا يهاجمونك منه.
شيء واحد قد يريح جمهورك إذا فزت بجائزة حتى لو كانت رديئة وهذا أسوأ ما يحدث. والمتعصبون والجهلة ينسون المتعة ويتذكرون النتائج. الكرة والكتابة يشتركان في متعة الهجوم بحساب حتى لا تنكشف الخطة باكرًا. الدفاع والهجوم حسب الحالة. هناك روايات تلعب بطريقة دفاع المنطقة، ثم تهاجم في النهاية لكن الدفاع يحتاج للمتعة حتى لا يهرب القارئ وحتى لا يموت المتفرج. الهجمة المرتدّة تحتاج شخصيات ذكية تنفذها لتحرز الهدف ثم تعود لقواعدها.
ديوان اللاعب
الشاعر المصري المقيم بالسعودية خالد السنديوني هو أول شاعر في العالم يصدر ديوانا عن كرة القدم، وهو "اللاعب" ديوانه الثالث الصادر عن دار "غاوون"، يذكر أنه أقدم على تلك المغامرة بسبب مقوله قرأها على أحد المواقع الإليكترونية واستفزته جدا، المقولة هي "كرة القدم والشعر لايجتمعان" للشاعر والناقد الأميركي أرشيبالد ماكليش. يقول السنديوني استفزتني المقولة فرددت بسرعة: "كرة القدم والشعر شيء واحد"، وكتبت "أنا شاعر ولاعب كرة قدم / أنا تمثال الألم في مدخل القرية/ في كل مرة أذكِر أصدقائي كم كانوا لاعبين كبار/ ينظرون إليّ بعيون مطفأة / ويكملون الحديث/ كأنهم لم يسمعوا شيئاً / وأعود أنا فأنظر إلى البعيد/ مرّ الزمن مرّ الزمن / يا أصدقائي المباركون بالنسيان". 
هكذا بدأت ثم توالت على خيالي تلك اللحظات المفعمة بالحياة والجمال بالنشوة والاثارة وقررت أن أكتب ديوانا كاملاً للرد على مقولة ماكليش عمليا، وقد ألزمت نفسي باستلهام الجو الواقعي للعبة دون التهويم الخيالي لكي ينبع الشعر من وقائع اللعب نفسها، ومن السحر الذي تتركه مباريات كرة القدم في مخيلة اللاعبين.  
ويرى الشاعر أن الديوان لازمه سوء حظ كبير، فقد صدر في وقت لا يناسبه، في مطلع عام 2012، في خضم الانفعال بأحداث ثورة يناير 2011، فلم يلق الديوان اهتماما كافيا. (خدمة وكالة الصحافة العربية)
 

ألبير كامو
الكاتب الفرنسي الجزائري البير كامو