ابحثوا عن نسخكم الرقمية المزيفة


الحسابات المزيفة لا تهدف إلا إلى الحط من شأن الناس عبر قصص ملفقة تشيع الكراهية. أنا مضطر للوصول إلى هذه النتيجة: فمن يستحوذ على بياناتي الشخصية من دون موافقتي اليوم لا يكتفي بذلك غدا، أنه سيشرع بمحاولة قتلي!
فليجرب أي واحد منكم البحث عن نسخه الرقمية الكاذبة

دعك من المشاهير والنجوم والكتاب المعروفين، إذ ستجد لهم عشرات الحسابات الوهمية على مواقع التواصل الاجتماعي، يمكن أن نتفهم ذلك من باب التوريط والإساءة إليهم أو من باب الإعجاب من أجل الترويج لهم، وفي كل الأحوال لم تُستحصل موافقتهم على تلك الحسابات التي لا تمثلهم لا بالخير ولا بالشر.

الأمر المحيّر، هو أن يجد إنسان عادي من ينتحل اسمه في حساب في مواقع التواصل الاجتماعي، ويتحدث بطريقة تريد تغيير العالم، وتنتقد الآخرين وتكيل السباب للسياسيين والناس. عبث رقمي ينتحل اسما حقيقيا لجعله موضع انتقام، أليس في ذلك تحريضا على قتل اسم صاحب الحساب؟

فليجرب أي واحد منكم البحث عن نسخه الرقمية الكاذبة، ليجد ما يصيبه بالحيرة، وما يستعصي على التفسير بالنسبة إليه، إنسان يحب أن يقول شيئا عن نفسه ونظرته للمجتمع أو ربما مجرد مساحة لتبادل الكلام مع الأصدقاء، لماذا يصنع أشرار العصر الرقمي نسخة مزيفة منه؟

لا يحمل الجواب إلا نتيجة واحدة تؤول إلى المحتوى الضار والمضلل، فالنسخ المزيفة من الناس الحقيقيين لا تقود إلا إلى الأخبار الكاذبة، هذا يعني المزيد من الكراهية والمزيد من العنصرية والمزيد من الطرقات التي تعيد الإنسان الحالي إلى عصر التقاتل. هناك حسابات مزيفة تقاتل بشراسة وتعمل بجد من أجل الرفع من شأن ما وتقزيم الآخر وإخراجه من الميدان، المشكلة أن المعركة مستمرة ومعرفة المهزوم فيها ليست واضحة في المدى المنظور، من أجل توقع نهاية المعركة.

يقول نواح ثيران المتحدث باسم جمعية الإنترنت، وهي مجموعة للصناعة تمثل شركات غوغل وفيسبوك “صناعة الإنترنت بأكملها تريد إنهاء الاتجار بالبشر، ولكن هناك طرقا للقيام بذلك دون تعديل قانون أساسي لخدمات الإنترنت المشروعة”.

تويتر يعمل اليوم لحذف الملايين من الحسابات المزيفة، لكنه لا ينهي المشكلة، فدوران تلك الحسابات يمكن أن يعود باسم وهمي آخر للاستمرار في اللعب والعبث بأحوال ومصائر الناس. وهذا ما يسميه بروك بينكوفسكي مدير تحرير موقع التحقق من الحقائق Snopes.com بـ”القرف في دورة الأخبار على تويتر”.

لقد عشت ذلك بنفسي عندما اكتشف أصدقائي البعيدون أنني طردت من عملي في قصة إخبارية ملفقة انتشرت على المواقع الإلكترونية، وسرعان ما شاعت على مواقع الضجيج الاجتماعي، بعضهم صدق القصة المزيفة واتصل بي ليطمئن، مازالت هذه القصة الإخبارية الكاذبة موجودة، والمصدر الكاذب لم يتوقف عن الأكاذيب، ويعمل على المزيد منها، لكنني مازلت استيقظ صباحا واضغط زر الكمبيوتر قبل أن أجري تمارين الصباح الرياضية في حديقة منزلي الصغيرة، لأعود نشطا إلى ممارسة عملي.

لقد تحقق الهدف من القصة الكاذبة، لأنها وصلت وصدّقها الكثيرون ممن لا يعرفونني، وهذا يعني أن القصص الكاذبة ستستمر وتتوالد وستجد لها من المشتركين من يشجعها، ومن المخدوعين من يدفعها للاستمرار، ومثل هذا السبب يجعلني أعود ثانية إلى كلام روث ماركوس الكاتبة في صحيفة واشنطن بوست بقولها “مع كون الحقائق من الموضات القديمة، فإن الخطوة التالية التي لا ترحم سوف تكون الحد من كل الأخبار إلى نفس المستوى من عدم الثقة وعدم التصديق، وإن لم يكن هناك ما هو صحيح، فيمكن لكل شيء أن يكون كاذبا”.

اليوم يدير غريغ مارا، مدير إدارة المنتجات في فيسبوك، نسخة رقمية من لعبة القط والفأر حيث يتعقب بشكل محموم “الأشرار” الذين يعملون على نشر الأخبار الكاذبة، ومن ثم يحاول إغلاق حساباتهم. قال مارا أمام جمهور مهرجان أفكار آسبن قبل أسابيع “هذا الفعل موجه ضد الخصوم، الناس يحاولون اختراق خطوط دفاعاتنا”.

أما زوي ويليامز الكاتبة المتمرسة في التحليل الإعلامي بصحيفة الغارديان البريطانية فتقترح بناء قانون أخلاقي بشكل تدريجي، وجعله أكثر تعقيدا! وترى أنه ليس هناك أي سبب على الإطلاق لعدم قدرة تويتر على التعامل مع كلام يحض على الكراهية أو البوتات المدمرة أو مصانع السياسة الخلفية التي تمارس لعبة الروليت الكاذبة من دون أن تخسر، فنحن المستهدون وحدنا، الخاسرون من دون أن نلعب معهم.

كل هذا يبدو معقولا تماما، حسب جيليان تيت من صحيفة فايننشيال تايمز، لكن هنالك الكثير من المشكلات، فليس من السهل دائما تحديد ما هو كاذب، أو إزالة المنشورات السياسية دون أن تظهر بمظهر من ينخرط في عملية رقابة. ومن الصعب أيضا التحقق من صحة الأخبار بشكل سريع بما فيه الكفاية، قبل انتشارها بشكل سريع. ورغم ثقة غريغ مارا، ليس من السهل دائما إقناع المستخدمين بالتوقف عن قراءة الأخبار الكاذبة.

ويقول “عندما بدأت فيسبوك في إرفاق إشارات خبر مثير للجدل مع بعض المقالات العام الماضي، وجدت أنها في الواقع عززت محتوى الخبر، وبالتالي تخلصت منها الشركة”.

لا تبدو لدينا وسيلة للفرار من هذه الدوامة التي لا تكتفي بملاحقة المشاهير -هذه الكلمة بحاجة إلى تعريف معاصر يتناسب مع جيل الهواتف الذكية فليس الشهير كل من يظهر على شاشة التلفزيون- بل تلاحق الجميع في حسابات مزيفة لا تهدف إلا إلى الحط من شأن الناس عبر قصص ملفقة تشيع الكراهية. أنا مضطر للوصول إلى هذه النتيجة: فمن يستحوذ على بياناتي الشخصية من دون موافقتي اليوم لا يكتفي بذلك غدا، أنه سيشرع بمحاولة قتلي!