المشائخ والأعيان في ليبيا.. لا داعي الى رفع الغطاء فالطبخة احترقت

لا يمكن ان تدار الدول بعقلية حاميها حراميها.

ان ما تقوم به فئة المشائخ والأعيان المتطفلة غير المنتجة، هو نوع من الحراك السياسي لإيجاد دور لهم في خضم الاحداث المأساوية المتلاحقة، علّهم يظفرون بشيء من الغنيمة التي ولا شك سبقهم اليها تجار الحروب قادة الميليشيات، والمتسترون بالشعارات الدينية، وكأنما سكان ليبيا قبل الثورة لم يكونوا مسلمين، استوجب استتابتهم.

الذي لا شك فيه ان من يقومون بأعمال السلب والنهب، والخطف سواء لأجل المال او المبادلة هم ابناء القبائل العريقة والمدن المتحضرة، ونعلم جيدا بأن العديد من الأباء يباركون أعمال ابنائهم بل يفتخرون بهم فأصبح هؤلاء وفي زمن قياسي يلعبون بالأموال يؤسسون الشركات (لأجل خدمتنا لأنهم قضوا على مؤسسات الدولة)، يقيمون العمائر، ويشترون ضعاف النفوس وخاصة أولئك العاطلين عن العمل، فكوّنوا عصابات اجرامية، أدخلت البلد في حالة من عدم الاستقرار الامني والاجتماعي. ترى أين كان هؤلاء المشايخ والأعيان طوال هذه المدة؟

الاعمال الاجرامية كانت تقع في مناطق مستباحة (مهزومة) كنوع من التأديب لسكانها، أُجبر أصحاب رؤوس الاموال في تلك المناطق على الهجرة خارج الوطن. شارفت الاموال على النضوب، تأزمت الامور وطالت المناطق الأخرى (المستنصرة) التي اعتقدت يوما ما أنها في مأمن ما استلزم ممن يعتقدون انهم شيوخ واعيان الى السعي للتقليل من تلك الجرائم. سارعوا الى عقد العديد من الملتقيات، ظاهرها ايقاف نزيف الدم الذي لم يتوقف يوما، وباطنها إيجاد موطئ قدم لهم ضمن مجلس شيوخ (على غرار القيادة الشعبية الاجتماعية)، عادة يتم اختيارهم من قبل بعض النافذين إجتماعيا وليس عامة الشعب (النخبة). يخرجون علينا بزيّهم الليبي الأصيل (الروماني؟)عبر الفضائيات التي اصبحت لا تحصى ولا تعد، ليكونوا شركاء في اتخاذ القرارات، يزدادون رفعة وشأنا وتكبرا، ذاك ما عهدناهم عليه، فهم أداة السلطة في تنفيذ قراراتها دونما الحاجة الى اخذ الاذن من النيابة العامة.

المجتمع الليبي يعيش أسوأ حالاته، لا وجود لأي من مؤسسات الدولة الخدماتية والأمنية، ورفع الغطاء الاجتماعي عن المجرمين في هذا الوقت، يدل على المساهمة الفاعلة للمشايخ والأعيان في وصول البلد إلى هذا الحد من الانحطاط الاخلاقي والتدهور الامني والاقتصادي. لقد تفنن أبناء القبائل في أساليب التعذيب والتنكيل في من يفترض أنهم من بني جلدتهم وشركاؤهم في الوطن وجاوزوا بني صهيون في ذلك (مع اعتذاري لشرفاء فلسطين).

عندما تحترق الطبخة لم يعد هناك داع لرفع الغطاء، الرائحة عمت الارجاء، أزكمت الأنوف وأحدثت بالعيون غشاوة، الحياة لم تعد تعني شيئا لبني وطني فقرر العديد منهم مغادرة الوطن قسرا، لا فرق بينهم والآتون من جنوب الصحراء، جنبا الى جنب في قوارب الموت إن لم تكتب لهم النجاة. ثروات البلد تمت السيطرة عليها والتصرف فيها من قبل شذاذ آفاق قذف بهم الغرب وآخرون بالداخل كانوا يتحينون الفرص للإجهاز على الدولة. الدولة التي كان البعض لا يعترف بوجودها، لكن هذا البعض يكابر اليوم. فليبيا لم تعد سوى اسم يتخذونها عنوانا براقا لأجل تحقيق مصالحهم الشخصية.

نقول لمن نصبوا أنفسهم مشائخ وأعيان او انتقلت اليهم بالوراثة (كم هي مسكينة شعوبنا، تورّث سياسيا واجتماعيا–ويقولون عنها حرة!)، أن من يفرض الأمن هم اولئك الاشخاص المناط بهم ذلك بحكم عملهم، العسكر والقوى الامنية (ليس المليشيات المؤدلجة او الجهوية)، حيث يتم جمع السلاح وحصر استعماله، ومن ثم تقديم المجرمين للعدالة. عندها وفقط ستقوم الدولة المدنية، وما عدا ذلك فانه نوع من المسكنات واستمرار المعاناة.