النص الروائي يواجه الدراما التلفزيونية

إبراهيم عبدالمجيد: تحويل العمل الأدبي إلى نص درامي يحقق نفعاً للكاتب حيث ينتشر اسمه ويحقق له شهرة أوسع.
القراءة تحتفظ بسحرها القديم
بعض الأعمال الدرامية تفوقت على النصوص

القاهرة ـ من أحمد مروان

في عصر يتسم  بإيقاع  شديد  السرعة، عصر يزاحم فيه الانترنت  والفضائيات الكتاب بمختلف أشكاله ومحتوياته سواء كان رواية أو فكرا أو شعرا أو غيرها من أشكال  الكتابة، في ظل هذا العصر الذي نعيشه الآن سيطرت الثقافة المرئية على الثقافة المقروءة، وهيمنت الأعمال الدرامية التي يتم بثها عبر الفضائيات على عقل المتلقي، مما دفعه  إلى الاستسهال، ودفعه إلى التخلي عن القراءة. 
إن الأعمال الابداعية التي تحولت إلى أعمال درامية كثيرة جدا، بل وفي تزايد منها: رواية ”أفراح القبة” لنجيب محفوظ التي عرضت في رمضان الماضي، ورواية ”لن أعيش في جلباب أبي” لأحسان عبدالقدوس، "رواية" الوتد” لخيري شلبي، ورواية ”واحة الغروب” لبهاء طاهر، ورواية "ذات" لصنع الله ابراهيم، ورواية "يوم غائم في البر الغربي" لمحمد المنسي قنديل. كما عُرض مؤخرا مسلسل بعنوان "أنا شهيرة، أنا الخائن" المأخوذ عن رواية من جزأين بنفس الاسم للكاتبة نور عبدالمجيد. أيضا مع بداية شهر رمضان هذا العام تم عرض مسلسل "أبو عمر المصري" المأخوذ عن رواية للكاتب عز الدين شكري فشير.
هذا الأمر هو الذي دفعنا لكي نتوقف أمام هذه الظاهرة، لنطرح العديد من التساؤلات  حول العلاقة  بين النص  الروائي  المكتوب والنص الدرامي، ومدى تأثير كل  منهما على الآخر، كما أننا نتساءل: "هل ما زالت القراءة تحتفظ بسحرها القديم لدى القارئ؟".
الروائي إبراهيم عبد المجيد، الذي تم تحويل روايته "لا أحد ينام في الاسكندرية" إلى عمل تلفزيوني يرى أنه بتحويل العمل الأدبي إلى نص درامي يحقق نفعاً للكاتب حيث ينتشر اسمه ويحقق له شهرة أوسع، وذلك نتيجة لتأثير الإعلام الواسع الانتشار، وتراجع القراءة لارتفاع ثمن الكتاب ورغم ما يحقق الكاتب من شهرة وانتشار إلا أن ذلك لا ينعكس على أعماله المنشورة أو مبيعاته وهذا عكس ما يحدث في العالم حيث تزداد مبيعات الروائي في حالة تحويل أعماله المكتوبة إلى دراما، أما في مصر فإن الأمر يختلف حيث يكتفي المشاهد بما شاهده وبالتالي يقل توزيع  الرواية ولا يحقق الروائى ما حققه في التليفزيون·
وترى  الناقدة د. لنا عبدالرحمن أنه يوجد انحسار لعادة القراءة بشكل عام، لو أن هناك قارئا فإنه يستسهل مشاهدة التلفزيون أو السينما، لأن النص المكتوب يحتاج إلى نوع من الوعي بالمقروء وإلى الاستعانة بالمخيلة، في حين أن الشاشة تُسهل على المتلقي هذه الخطوات وتقدم العمل الأدبي بالصوت والصورة.
لكن تنوه عبدالرحمن إلى أنه لا ينبغي أن يغيب عن ذهننا أن التقنيات الابداعية مختلفة تماما بين المرئي والمقروء وبالتالي المقارنة غير دقيقة، ففي كثير من الأحيان يتم استبعاد تفاصيل من النص المكتوب، واستبدالها بتفاصيل أخرى تناسب الدراما”.
وتتابع قائلة: "بعض الأعمال الدرامية تفوقت على النصوص، والعكس بعض النصوص الإبداعية كانت أكثر روعة كنص أدبي منها كعمل درامي، لكن في النتيجة من يحب القراءة سوف يقرأ ويشاهد يستمر في بحثه عن الكتب، فالقراءة عادة وتوجيه، وإخراج الأعمال الأدبية في صورة درامية قد يشجع على القراءة ولا يؤدي إلى تراجعها، فالدراما لا تمنع من القراءة، فالرواية فن والدراما فن، ولا أجد تعارضا بينهما، بل إن من يعجب بالعمل الدرامي سيسعى للاطلاع على النص الأصلي لقراءته”.
ويرى الناقد أمجد ريان أن العلاقة بين النص القصصي المنشور والنص  الدرامي، تمر بثلاث مراحل، بدءاً بالمرحلة التقليدية التي تمثلت في منتصف القرن الماضي حيث كان التوجه في الإخراج والفن توجهاً تقليدياً، عرفنا من خلاله أسماء مثل حسام الدين مصطفى وحسن الإمام، وهؤلاء المخرجين كانوا يحاولون تقليد النص الأدبي تقليداً تاماً، ومع دخول الحداثة وتطور الدراما حدث تغير فاختلف النص الدرامي عن  النص القصصي، حيث تعامل كل مخرج مع النص برؤية مختلفة، وقد يقدم المخرج النص الواحد بأكثر من رؤية؛ وهذا  يتوقف على  الظروف النفسية  والثقافية الخاصة  بالمخرج، والتي تؤثر في الشكل النهائي للنص القصصي، وحينما أتعامل مع  روايات نجيب محفوظ وأفلامه فإنني أحقق نوعين مختلفين من المتعة.
ويشير ريان إلى أنه ليس بالضرورة أن يكون هناك التزام بمعطيات النص القصصي كما أنه ليس بالضرورة أن يكون هناك ارتباط بين النص الدرامي وتوزيع النص  الروائي، فمثلاً على الرغم  من النجاح الذي حققه الكاتب أسامة أنور عكاشة من  خلال كتاباته للتليفزيون إلا أنه عند عرض رواياته في السوق حققت توزيعاً ضعيفاً، فهو لم يحقق في مجال النشر ما حققه في مجال  الدراما التليفزيونية، ومن الممكن أن يتحقق العكس بالنسبة لكاتب آخر في مرحلة ما بعد الحداثة فقد حدث نوع من  التفتيت فالمخرج قد يتعامل مع  جزء من الرواية ولا  يقدمها بالكامل.
ويتفق معه د. شعبان مرسي أستاذ الأدب بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة في القول بأن تحويل الرواية إلى نص درامي يؤثر على القراءة كثيراً، لأن الصورة المرئية أشد تأثيراً، فقراءة الرواية كاملة أفضل كثيراً من تحويلها لدراما تلفزيونية لأن المسلسل يتطلب في بعض الأحيان إضافة أو حذف بعض المشاهد أو جزء من الحوار ليدخل بذلك بعض التعديلات على النص الأصلى المكتوب في الرواية، رغم أنه من الواجب أن  يلتزم  كاتب السيناريو بأحداث  القصة الأصلية، لأن هذا  التعديل يؤثر في فكر المشاهد ولغته، فالنص يكون مكتوبا بلغة فصحى وينقل  بالعامية، ولو التزم كاتب السيناريو بالفصحى الخفيفة سيرفع من شأن اللغة عند الجمهور عامة، إلا أنه لا يمانع من كتابة دراما خاصة بالتليفزيون  مباشرة، بعيداً عن تحويل الروايات إلى أعمال  درامية، لأن  ما يحدث  يعد خلطاً. ولو نظرنا  للغرب، نجد الفنون متعايشة فالقصة لها طريقة والمسرحية لها طريقة والمسلسل التلفزيوني أيضاً له طريقة وآخر، أما الخطأ عندنا فهو تداخل الفنون.
ويختلف السيناريست محمد ابراهيم في الرأي الذي يقر بإيجابية تأثير الدراما على قراءة الرواية فمن وجهة نظره أن انصراف الناس عن القراءة بوجه عام، وقراءة  الرواية بوجه خاص، أمر بعيد عن التلفزيون، بل إن تناول الدراما التلفزيونية للرواية الأدبية يثير الفضول ويحفز المتلقي إلى الرجوع للرواية الأصلية ليكتشف بنفسه ما  إذا كان  النص مطابقاً أم لا فهناك الكثير من  الشباب قرأوا "ثلاثية نجيب محفوظ" بعد مشاهدتها وهناك آخرون يقرأون الآن رواية "بنت من شبرا" بعد عرضها مسلسلاً، فالأثر هنا إيجابي وليس سلبياً. (خدمة وكالة الصحافة العربية)