اليمن.. الحقيقة الكاملة لموقف الإخوان وقطر

الموقف القطري يتبدى في الجزيرة ومواقعها الإلكترونية ورجالها المؤثرين في صياغة رؤيتها الإعلامية سواء من الإخوان المسلمين المقيمين فيها أو الباحثين الآخرين.

لا مناص من البداية بالموقف الإخواني القطري، لأنه موقف أصيل لا في التأثير وإنما في صناعة الصورة المغلوطة التي يتم الترويج لها وتبنيها أحيانًا من بعض الجمعيات. ولفهمه لا بد من العود إلى بدايته.

لا يختلف الموقف الإخواني والقطري من الحرب في اليمن عن أي موقفٍ من مواقفهما الأخرى المزدوجة، وقد بني هذه المرة على استغلال لحظة الحرب واستعمالها لكسر طوق العزل السياسي الذي ضُرب على جماعة الإخوان قبيل انطلاق عاصفة الحزم،وكانت ملامح العهد الجديد في المملكة العربية السعودية في طور التشكل -بالنسبة لكثيرين– آنذاك، ولا يخفى على أحد كم كانت الأشواق الإخوانية كبيرة، وأحلامهم أن يستعيدوا مكانتهم في صياغة العقل الجمعي والتأثير على صنّاع القرار.

الموقف القطري يتبدى في الجزيرة ومواقعها الإلكترونية ورجالها المؤثرين في صياغة رؤيتها الإعلامية، سواء من الإخوان المسلمين المقيمين فيها أو الباحثين الآخرين.

في بداية الحرب، أفرد عزمي بشارة صفحات كبيرة في إمبراطوريته الإعلامية للحديث عن الطائفية السياسية الجديدة في اليمن، وعن التسوية أو الحرب الأهلية، وخيارات الحرب على الحوثي. كتب في ذم تمرد الحوثيين بعد أن دكّ أفكار أنهم “لم يتبق لهم سوى القوة العارية في مواجهة الشرعية” (١٥، مارس/ آذار ٢٠١٥، العربي). ولكنه بالرغم من مسايرته للإجماع العربي آنذاك كان واضح الأهداف، فقد غرس الفكرة القطرية في بداية الطريق وسط سطوره بقوله: “لا يمكن حسم المعركة مع الحوثيين عسكرياً، مثلما لا يمكنهم الاستمرار في حكم اليمن وحدهم. لقد راكموا هذه القوة لأن غيرهم راكم الأخطاء، إذ ارتكبت الأطراف التي حكمت اليمن، في المرحلة الانتقالية، أخطاء فادحة، ولم تقصّر في ارتكابها دول الخليج أيضاً التي تعاملت مع حكومة أحزاب اللقاء المشترك وحزب المؤتمر وكأنها حكومة إخوان مسلمين”.

كانت قطر داخل التحالف العربي آنذاك ولكن كما يعبر عزمي بشارة، كان نصب عينيها فكرة مركزية هي عودة الإخوان المسلمين إلى الساحة، وإنقاذ التنظيم المحاصر عربيًا عبر البوابة اليمنية وتنظيم الإصلاح، وحينما كانت بوادر النجاح تلوح، كانت مقالات كبار المحسوبين على التيار الإسلامي مثل جمال خاشقجي ومهنا الحبيل وعوض القرني كلها تضغط باتجاهٍ تفعيل التحالف وتنقيته من فكرة “خصومة الإخوان”. ولكن المشكلة كانت أن الإخوان أنفسهم في اليمن لم يكونوا قد حسموا موقفهم آنذاك، مذبذبين بين تأييد الحوثي الذي ترعاه إيران حليفتهم الكبرى، وبين تأييد السعودية التي تخاصمهم وتعلنهم جماعةً إرهابية، وكان الأمر على الأرض يضيّق عليهم الخيارات.

حافظ الإخوان في خطابهم السياسي على الدعم للتحالف، ولكن عملوا في وقتٍ مبكر للتنظير لإحداث شرخٍ داخله، مراهنين آنذاك على أن “التحالف بين السعودية والإمارات” لم يختبر بعد.

محاولات شق التحالف من الداخل لا يمكن استقصاؤها بوضوح الآن، ولكن من الإعلام الإخواني الحقيقي من حزم أمره مبكرًا وحضر لخطة إطالة أمد الحرب، بالحفاظ على مكتسبات الحوثي، عبر الترويج لسلسلة من الإشاعات المتوازية، وراء كل إشاعة يوجد هدف واضح ينتهي لصالح الحوثي.

كان التناقض المكشوف بعد طرد قطر من التحالف العربي، محرجًا للإخوان ولكنهم ما عاد لهم أيّ وجه للخجل في ظل مراهنتهم على الذاكرة الضعيفة للشعوب، فتحوّلت توكل كرمان ومعها لفيف من اليمنيين من موقع تأييد التحالف والدفاع المستميت عنه، إلى موقع إدانته التامة وتسميته بألفاظ الاحتلال.

عزمي بشارة الذي كان ينظر لحرب اليمن، ورصفاؤه من صناع الرأي في قطر، تحولوا بدون مقدمات إلى إدانة ما يجري في اليمن وقامت مقالاتهم بتحويل كل الحروف من الشمال إلى الجنوب، دون أن يشعر أيٌّ منهم بكم التناقض الذي يقعون فيه.

الهدف الظاهري من الإشاعات هو تقويض ثقة الشعوب في وحدة التحالف العربي لدعم الشرعية، أما الهدف الأكثر تحديدًا هو تقديم خدمة للحوثي، وحماية أهم موارده تحت أسماء عامة. وهنا تأتي مسألة الحديدة فكيف حاول التحالف القطري الحوثي حمايتها عبر الإشاعات؟

ضخت قطر مئات المقالات في الصحافة الدولية عن مطامع دول التحالف في موانئ اليمن، وحديثاً كثيفاً لا يستند إلا على أخبار عامة تظهر لتموت، وحين التركيز فيها يتضح أنها إنما بعثت لتخدم فكرة بعينها.

لقد كانت الحملة بالحديث عن الموانئ كلها تمثيلية ساذجة غرضها حماية ميناء الحديدة الذي يغذي الحوثي بالأسلحة أولاً، ثم يستخدمه بشكل أساسي لإخضاع ضحايا من الشعب اليمني عبر ثنائية مجحفة شعارها “الولاء مقابل الغذاء”.

أثناء تقدم القوات العراقية لتحرير الموصل من داعش، وأثناء عمليات تحرير الرقة، وفي مواضع في سوريا وأفغانستان، ظلّت قضايا احتماء الجماعات الإرهابية بالمواطنين المدنيين العزل واحتياجاتهم قضيةً متكررة، واستقرّ تعامل الدول معها بالموقف الحاسم المتعلق بالتحرك المبدئي وشرعية أي عمل من أساسه: الهدف من العملية هو تحرير المواطنين من الجماعات المتمردة وفي سبيل ذلك سيكون التحرك.

مع تقدم قوات الشرعية اليمنية نحو الحديدة، ارتفعت الوتيرة العدائية لإعلام قطر والإخوان معًا ضد التحالف العربي، وبدأت التحرك الدولي تحت شعارات لطيفة مثل “حقوق الإنسان” و”الشريان الغذائي” والشعب اليمني الجائع ومعاناة المدنيين، وغيرها. وتركزت هذه التبريرات على الحديدة فقط، في الوقت الذي لا زال إلى وقتٍ قريب يرى من بقي متكلماً من الإخوان أن الهجوم على تعز أهم، ولا يغيب عن أحد سر إفراد الحديدة بالقلق الإخواني القطري دون سواها، إذ يمثل انقطاع شريان الحوثي أمرًا يجعله يعيد ترتيب حساباته وينصر الموالين لخيار التسوية داخل قوات التمرد.

ملخص منشور مركز المسبار للدراسات والبحوث "أسئلة معركة الحديدة: تحرج قطر والحوثي معًا" في 17 يونيو(حزيران) 2018.