جدران عتيقة تفوح بعبق التاريخ في وسط القاهرة

الشواهد الأثرية في حي الجمالية تعود لحقب تمتد لأكثر من ثلاثة قرون، أبرزها فترة حكم المماليك لمصر.
أغلب المباني الأثرية تخضع للترميم ضمن مشروع لإعادة تأهيل
حي الجمالية يعج بالآثار التي تنفض الغبار عن مماليك مصر

القاهرة - في تلك البقعة بوسط القاهرة، تجد وراء كل جِدارٍ قصة، تنفض غبار الزمن عن أسرار وشواهد أثرية تعود لحقب تمتد لأكثر من 3 قرون.
جدران تاريخية تُزيّن حي الجمالية بوسط القاهرة، بما يحيويه من كنوز تعد ترجمة لحقب تاريخية عدة، أبرزها الحقبة المملوكية (1250م-1517م).
يتكئ الحي من جهة الشرق على شارع المعز لدين الله الفاطمي التاريخي، ومن الجنوب شارع الأزهر والمشهد الحسيني (مسجد وضريح سيدنا الحسين بن علي)، فيما تعد بوابتا "الفتوح" و"النصر"، وجزء من السور الفاطمي مدخلا شماليًا وغربيًا له.
يعج الحي بشواهد أثرية عديدة، وفق معلومات تاريخية يأتي أبرزها: 
باب النصر 
عمارة حربية، تتكون من كتل حجرية ضخمة، عرض واجهتها نحو 25 مترًا، بعمق 20 مترًا وارتفاع 25 مترًا، يتكون من برجين مربعين بينهما ممر، ويعد أحد المداخل الحيوية لحي الجمالية.
بُني باب النصر، عام 1087 ميلادية، وحظي بناؤه بأحجار فرعونية منقوش عليها لغة هيروغليفية (لغة الفراعنة القدماء).
أقصى الباب، تقع حجرة تعلوها قبة بها فتحات لرمي السهام، وهو أحد أبواب القاهرة التاريخية الثلاثة الشهيرة بجانب بابي "الفتوح" و"زويلة".
وكالة قايتباي 
بالقرب من "باب النصر" وتحديدًا على يمينه من الداخل، تقع "وكالة قايتباي"، التي شيدت كي تكون ثكنات للجنود بجانب كونها مقرًا لتجَّار الشام قديمًا.
شيدت الوكالة عام 1481 في العصر المملوكي، وتحمل اسم صاحبها السلطان الأشرف قايتباي.

تعرف الخانقاه بـ"الخلوة" وهي المكان الذي ينصرف إليه المتصوف للعبادة، وتجمع في تأسيسها بين المسجد والمدرسة

وتخضع وكالة قايتباي، للترميم حاليًا منذ عام 2014 بمعرفة وزارة الآثار المصرية، حيث أعلن وزيرها السابق ممدوح الدماطي في تصريحات صحفية آنذاك، عن بدء تنفيذ مشروع إعادة تأهيل وتوظيف الوكالة الأثرية.
بقايا وكالة قوصون 
تقع بالقرب من وكالة قايتباي، على مساحة صغيرة، أنشأها سيف الدين قوصون الساقي عام 1341 ميلادية.
وهي عبارة عن كتلة كبيرة من حجر الغرانيت، نُقل من أحد المعابد المصرية القديمة، وتتخللها نقوشًا معمارية إسلامية.
يتوسط الحجر فتحة الباب الخشبي الضخم، وهو خال من الزخارف، فيما عدا نص مكتوب عليه: "أنشأ هذا الخان المبارك المقر، الأشرف العالي قوصون الساقي الملكي الناصري، أدام الله عزه".
كانت الوكالة تحوي عمودًا وتاجًا، نقلوا سابقًا إلى المتحف المصري بوسط القاهرة، بحسب وزارة الآثار المصرية. 
خانقاه بيبرس الجاشنكير 
في منتصف الشارع المؤدي لباب النصر تقريبًا، تقع "خانقاه بيبرس الجاشنكير"، بناها بيبرس الجاشنكير (متذوق طعام الملك) عام 1310 ميلادية، وتقع على مساحة تقترب من 5500 م2.

وتعرف الخانقاه بـ"الخلوة" وهي المكان الذي ينصرف إليه المتصوف للعبادة، وتجمع في تأسيسها بين المسجد والمدرسة، غير أنها حاليًا مسجدًا.
ولباب الخانقاه محاريب أعلاها آيات قرآنية، وهو مرصع بصفائح نحاسية مشكلة هندسيًا وبداخله حشوات محفورة ومفرغة بزخارف إسلامية.
ومن ممر يمتد لأمتار قليلة، يمكن للزائر الدخول إلى "الخانقاه"، ليرى في ساحتها الواسعة أعدادًا كبيرة من طيور الحمام ترفرف، وعلى جدران وأسقف المنشأة الأثرية، تعلو المشكاوات والشبابيك العتيقة، فيما تميزها مئذنة قصيرة عريضة الارتفاعز
وتمتاز "خانقاه بيبرس الجاشنكير"، بوجود كتل حجرية ضخمة، على بعضها كتابات فرعونية.
واجهة حوش عطا 
آخر ما تبقى من "حوش عطا"، إحدى الوكالات التجارية قديمًا بحي الجمالية، وتقع بجوار "خانقاه بيبرس الجاشنكير"، أسسها الأمير سليمان أغا السلحدار عام 1817م.
مدخلها من الحجر، ومدون على لوحتها التأسيسية، باللغتين العربية والتركية: "سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم، إنا فتحنا لك فتحا مبينا، حضرت جناب غازي محمد علي باشا، إن ذلك السلطان السلحداري سليمان أغا هو الذي كان قد قام بعمل التجديد الشامل وأظهره هكذا".

يتكئ الحي من جهة الشرق على شارع المعز لدين الله الفاطمي التاريخي، ومن الجنوب شارع الأزهر والمشهد الحسيني 

وكالة بازرعة 
بنيت في القرن الـ17، وردت باسم "وكالة الكخيا" في كتاب "وصف مصر"، وهو عبارة عن 20 مجلدًا حمل الملاحظات والبحوث التي تمت في مصر خلال الحملة الفرنسية (1798-1801م).
وهي تقع على مساحة 1000 م2 تقريبًا، في "شارع التمبكشية" أحد تقاطعات شارعي الجمالية والمعز لدين الله الفاطمي، وكانت إحدى أشهر الوكالات التجارية في مصر.
كانت معدة لبيع الأخشاب، ثم اشتراها تاجر يمني، يدعى محمد بازرعة، عام 1796، وخصصها لتجارة الحبوب والبن والصابون.
تبدأ بباب خشبي كبير مصفح بالحديد، عليه تفاصيل وأرقام التعريف الخاص بها لدى وزارة الآثار، يتوسطها فناء واسع، تفتح على غرف متوسطة وصغيرة المساحة، في طوابق ثلاثة كانت تستخدم في تخزين البضائع وسكن التجار.
وخلال السنوات الثلاث الماضية، أعلنت مصر عن اكتمال ترميم مبانٍ أثريةٍ، واستكمال ترميم أخرى تعود إلى العصور الإسلامية المختلفة.
فيما بدأت وزارة الآثار، مؤخرًا، في إجراءات طرح مجموعة جديدة من ترميم وصيانة آثار القاهرة التاريخية، بتكلفة تقدر بحوالي 21 مليون جنيه (نحو مليون و200 ألف دولار أميركي)، في إطار الحملة القومية التي دشنتها وزارة الآثار لإنقاذ 100 مبنى أثري عام 2015.