حكومة التحديات لا التحدي

حزب الله مصر على البقاء في ساحات سوريا والعراق واليمن ما يجعله طرفا أساسيا في أي حرب تندلع.

حري بالحكم أن يعرف أن الحكومة اللبنانية العتيدة ليست، هذه المرة، حكومة لبنان، بل هي حكومة الشرق الأوسط كذلك. أثناء حكمها ستشهد المنطقة اضطرابات وتسويات يصعب تجنب بعضها لأن جزءا منا شريك في الاضطرابات وجميعنا معنيون بالتسويات. وبالتالي، لا بد من التأني في عملية التأليف فلا نقاربها من زاوية نتائج الانتخابات النيابية الملتبسة فقط، بل من زاوية نتائج التحولات المنتظرة في سوريا.

رغم وجود أولويات اقتصادية واجتماعية، التطورات الأمنية والعسكرية الخارجية ستفرض نفسها، في لحظة ما، على الحكومة العتيدة وتهمش الأولويات الداخلية. وإذا كان الإعلام اللبناني يعطي الصدارة مع الأسف في أخباره لتصاريح سياسيين لبنانيين تافهين يعيشون على قارعة التاريخ والمستقبل، فلا يعني ذلك أن العالم حولنا لا يغلي. صحيح أن لبنان يخرج من اصطفافي 8 و14 آذار لانعدام المقاتلين في جماعة 14 آذار، لكن 8 و14 آذار بنسختهما الشرق أوسطية هما في عز صراعهما في المنطقة.

والمخزي، أن الكتل النيابية تتنافس على المقاعد الوزارية ولا تعير اهتماما لمقعد لبنان بين الأمم. تطرح برامج وهمية حول الإصلاح ولا تذكر كلمة عن مصير لبنان الوطني والوجودي. تقزموا وقزموا لبنان. هاجسهم السيطرة فيما النار حولنا. يتنقلون بين بعبدا وعين التينة وبيت الوسط، فيما قادة إسرائيل يتنقلون بين واشنطن وموسكو وباريس وبرلين ولندن ونيويورك تحضيرا للمواجهة مع إيران وحزب الله.

التزم حزب الله الفصل بين موقعه في لبنان ودوره في سوريا، ووعد بعدم توريط لبنان في هذه المرحلة الدقيقة. وفعلا، لم يرد على استخدام إسرائيل أجواء لبنان "منصة" تقصف منها مواقع إيران في سوريا وقوافله ومخازنه في سوريا، وقد كان يشعل الجنوب إذا لمست إسرائيل غصن شجرة في "العديسة" أو أطل جندي برأسه عبر "باب فاطمة". موقف حكيم. لكن حزب الله مصر على البقاء في ساحات سوريا والعراق واليمن ما يجعله طرفا أساسيا في أي حرب تندلع. وبالتالي، لن تميز إسرائيل بين حزب الله اللبناني وحزب الله السوري وحزب الله الشرق أوسطي. حينئذ، سيضطر حزب الله إلى الرد ويتبعه الجيش اللبناني، وتبدأ المزايدات.

هذه المرة، ستكون الدولة الثماني آذارية مكشوفة بمواجهة إسرائيل والمجتمع الدولي بغياب 14 آذار الذي كان يشكل، بعلاقاته الدولية، خط دفاع أماميا للبنان. وأصدق تأكيد على ذلك، مفاوضات القرار 1701 الذي وضع حدا لحرب 2006.

إزاء هذا المعطى، أنؤلف حكومة حرب أم حكومة سلام؟ أحكومة طوارئ أم حكومة إنماء؟ أحكومة اتحاد وطني تتبع سياسة النأي بالنفس والحياد أم حكومة اتحاد قوى 8 آذار تتخذ قرارات منحازة تورط لبنان؟ هذه هي الرهانات الحقيقية وليست نسبة تمثيل هذا وذاك. بقدر ما لا يجوز عدم تمثيل حزب الله في الحكومة لأنه ممثل في البرلمان وقاعدته مكون لبناني أساسي، لا يجوز بالمقابل أن تكون الحكومة ممثلة حزب الله كونه في خضم النزاعات العسكرية في سوريا. يقضي أمن لبنان تأليف حكومة تكون مصدر حل لا مصدر مشكلة، أي حكومة تمنع انفجار الأوضاع الأمنية المكبوتة لا مسببا انفجارها.

تظن الدولة اللبنانية نفسها أمام خيارين: الأول، اعتبار لبنان منفصلا عن التحولات الجارية في الشرق الأوسط فتتجاهل المواقف العربية والدولية ريثما تمر العواصف، وهذه لامبالاة لا حياد؛ والآخر، اعتبار لبنان معنيا بهذه التحولات التي لا بد من أن تشمله عاجلا أو آجلا كيانيا وديموغرافيا فتحترم تلك المواقف لكي تمر العواصف، وهذا اكتراث لا انحياز.

ما يجري في المنطقة يأتي إلينا حتى لو لم نذهب إليه نحن، فكيف الحال وقد وضع بعضنا رأسه في فم التنين وفي عين العاصفة؟ نحن معنيون بما يجري لأكثر من سبب: وجود مليون ونصف مليون نازح سوري، مشاركة حزب الله في حروب المنطقة، تورط المسلمين اللبنانيين في الصراع السني/الشيعي، شمول مشروع الشرق الأوسط الجديد لبنان، وضع الحدود اللبنانية، وضعف الوحدة الوطنية والولاء الوطني.

الدول الصديقة، العربية والدولية، أعلنت رسميا، من جانبها، مواقفها حيال دولة لبنان (إجراء الاصلاحات الإدارية والمالية والتشريعية) وحيال حزب الله بشقيه السياسي والعسكري (الالتزام بكل القرارات الدولية). يبقى أن نفهم الرسالة ونتجاوب معها عمليا إذا كنا نحتاج مساعدة هذه الدول ديبلوماسيا واقتصاديا وأمنيا وعسكريا، فلا نؤلف حكومة تحد لأنفسنا وللمجتمع الدولي. تجاوب لبنان مع هذه الدول الصديقة ليس خضوعا لها بقدر ما هو التزام بالقوانين الدولية، لا بل بدستور الدولة اللبنانية قبل سواه. فهل ما يحصل منذ سنوات، وبخاصة مؤخرا، يتوافق مع الدستور؟

منذ انتخاب الرئيس ميشال عون، تقصد المجتمع الدولي تمديد الغطاء للاستقرار في لبنان من أجل إعطاء العهد والحكومة فرصة الانطلاق ولتأمين حصول الانتخابات النيابية. أما الآن، استمرار المظلة الدولية والعربية بات مرتبطا بمسار الدولة وبنوعية الحكومة العتيدة وسلوكها.

في الآونة الأخيرة، أمران أزعجا المجتمع الدولي: قرارات جلستي مجلس الوزراء الأخيرتين ومرسوم التجنيس. إذا كانت الدول المانحة لا تهتم بمبدئية هذه الأمور، وهي التي تشجع، بوقاحة، على دمج النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين وتوطينهم، فإنها توقفت حيال أخبار الفساد التي رافقت صدورها لأن هذه الصفقات والمراسيم "المشبوهة"، حصلت بعد "مؤتمر سيدر" حيث التزمت الدولة اللبنانية بوقف الهدر ومحاربة الفساد. السفراء المعتمدون لدينا أمطروا حكوماتهم بتقارير قاسية حول هذه المواضيع واعتبروها فضائح.

توجد حياة لمن ننادي، إنما لا يوجد حياء.